قالت غيثة بدراوي، باحثة في الإعلام والتواصل بسلك الدكتوراه جامعة الحسن الثاني، إن “العنف داخل مجتمعنا المغربي لا يزال يتفاقم يوما بعد يوم، ولم يعد يقتصر فقط على كونه ظاهرة مجتمعية وإساءة بدنية؛ بل تجاوز كل الخطوط العريضة ليصبح إساءة نفسية، تتجلى أساسا في مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية وغيرها”.
وتطرقت الباحثة، في مقال لها بعنوان “العنف المنزلي.. بين اللفظي والجسدي”، لمجموعة من الجوانب المرتبطة بالعنف المنزلي، انطلاقا من “تجليات العنف ضد المرأة”، و”أسباب العنف اللفظي والجسدي”، و”النتائج السلبية الناتجة عن العنف اللفظي والجسدي”، و”ضحايا العنف المنزلي”، و”الإطار القانوني”، و”الإطار السياسي”، و”الإطار الجمعوي”، و”الإطار الأمني”، و”مركز البطحاء متعدد التخصصات لتمكين النساء”…
وختمت غيثة بدراوي مقالها بالإشارة إلى أن “هذه الظاهرة غير السلوكية يجب أن تحارب عن طريق الوعي، الذي يحيلنا على التسلح بمجموعة من الآليات لمناهضة العنف ضد النساء، والوقوف على أبرز مواطن الخلل للحد منه، ويجب على المرأة عموما أن تتحلى بخاصية الرفض لأي نوع من أنواع العنف، لتصون كرامتها، وتعزز ثقتها بنفسها، وتثمن مكانتها في المجتمع، وهي السبب الحقيقي وراء وجود وتربية النصف الآخر”.
هذا نص المقال:
بداية لا بد من الإقرار بموقع العنف داخل مجتمعنا المغربي، إذ لا يزال يتفاقم يوما بعد يوم؛ فلم يعد العنف يقتصر فقط على كونه ظاهرة مجتمعية وإساءة بدنية، بل تجاوز كل الخطوط العريضة ليصبح إساءة نفسية، تتجلى أساسا في مجموعة من العوامل: اجتماعية، اقتصادية، وغيرها.
عند الحديث عن العنف عادة ما تكون الضحية امرأة، وهذا لا يعني أن الرجل لا يتعرض للعنف وإنما هو أقل بكثير من المرأة، نظرا للبنية الجسمانية والثقافة الذكورية السائدة، فقد يرتبط العنف بمصطلح آخر يجعل منه سرا بمعنى مخفي عن الأنظار، ويتعلق الأمر بالعنف المنزلي المحصور فقط في المنزل وهو ظاهرة انتشرت كثيرا في مجتمعنا المغربي، باعتباره فضاء يتيح ممارسة التعنيف الجسدي واللفظي.
مما لا شك فيه أن العنف المنزلي واحدا من أشد أنواع العنف الذي تتعرض له النساء من قبل أزواجهن، نتيجة المشادات الكلامية، وعدم التفاهم، والضغط المستمر الذي يولد الانفجار عن طريق التعرض لهن. كلها أسباب تساهم في إنتاج إصابات جسدية تشمل الضرب بمستويات عديدة، حيث يواجه الكثير منهن هذه الظاهرة في صمت، مما يؤدي بهن إلى تقبل هذه الوضعية واعتبارها شرا لا بد منه وبجميع أنواعه.
تجليات العنف ضد المرأة
يعد العنف الجسدي الأكثر انتشارا في ضمن السلوكات العدوانية فهو أسهل وسيلة يمكن اللجوء إليها عن طريق أداة ما أو عن طريق اليد، التي تتسبب في ألم جسدي قد يصل إلى جروح وكسور بليغة بمستويات عديدة. وتشير التقديرات إلى أن الملايين من النساء تتعرضن بشكل يومي إلى العنف الجسدي، ويشمل هذا التعنيف كسور بعض العظام، وجروحا على مستوى الوجه، وقد يؤدي العنف الجسدي بالنساء إلى عدم الذهاب إلى العمل نتيجة تعرضهن للإحراج أمام الناس. وهذا ما يسبب في العزلة عن العالم الخارجي، والإصابة باضطرابات نفسية.
يعاني الكثير من ضحايا العنف من اضطرابات نفسية تساهم في تحطيم الحياة الزوجية وفقدان الثقة في النفس؛ منها الاكتئاب، القلق، التوتر الدائم. كما قد يؤدي العنف المنزلي إلى دخول الضحايا في حالة صدمة. وتتفاقم هذه الحالة لتؤدي بالنساء “المعنفات” إلى الانتحار لوضع حد لحياتهن، وحتى عندما تقل شدة التعنيف الجسدي يزداد التعنيف اللفظي الذي يعتبر أشدة قساوة من الأول، والذي يعتمد على ألفاظ وعبارات جارحة، لها وقع سمعي خطير على الجنس اللطيف تتسبب في أزمة نفسية أو ما يصطلح عليه بالرهاب النفسي.
كما يبرز العنف اللفظي كشكل من أشكال العنف النفسي بالرغم من عدم وجود آثار واضحة، إلا أنه يترك آثارا جانبية ويتضمن ممارسات سيئة تهين المرأة بصفة عامة مثل: التهديد، الشتم، السب، تشويه السمعة وغير ذلك، كلها مصطلحات تقلل من مكانتها، فكم من امرأة أثرت فيها كلمات جارحة، وزرعت فيها مشاعر الخوف واخترقت سلامها الداخلي ولم تعد تحس بأمان حتى مع نفسها، فالعنف اللفظي يثير الخوف ويدمر الثقة.
أسباب العنف اللفظي والجسدي
لئن تحدثنا عن أسباب العنف اللفظي فلا وجود لمبرر يجيز هذا السلوك غير العقلاني، إلا أنه يجب علينا البحث عن مواطن الخلل لتفسير هذه الظاهرة المعقدة، وتحليلها انطلاقا من عقلية الفشل. لذا، كان من الضروري التعرف على أسباب العنف، حيث تتعدد النتائج وتبقى الأسباب غير واضحة تشير فقط إلى عوامل داخلية في الشخص نفسه يمكن تحديدها في ثلاث نقاط أساسية:
أولا: التربية، يترعرع الطفل منذ صغره وهو مؤمن بأن له سلطة على أخته تجعل منه )سي السيد( في بيته، تمكنه هذه السلطة من التحكم في لباسها وخروجها ودخولها وقد يصل به الأمر إلى ضربها، وهذه هي نقطة انطلاقه نحو احتراف مجال التعنيف؛ وهو المجال الذي يسمح له بالتعبير عن مهاراته المكتسبة. ولكي نكون منصفين له فالعنف عند الرجل مكتسب وليس فطريا، فهو لا يولد عنيفا، بل على العكس من ذلك فهو مثل ما تزرع فيه الثقافة يزرع فيه العنف، ولهذا فالعنف لا يولد إلا عنفا.
إضافة إلى ذلك نجد بيئته ومحيطه الذي نشأ فيه عبارة عن عنف منزلي، انطلاقا من تعنيف أبيه لأمه، ومشاهدته الدائمة لهذا المشهد يحيله على أن هذه الطريقة هي الصحيحة في السيطرة والامتلاك والتحكم في البيت.
ثانيا: الفوارق الاجتماعية المعرفية والثقافية، يلجأ الرجل إلى تعنيف زوجته انطلاقا من إحساسه بالنقص اتجاهها وعدم الاستقرار النفسي، مما يجعل الفارق الاجتماعي والمعرفي أكبر مشاكلهما والتي ينتج عنها العجز الذي يترجم إلى فعل سلوكي غير أخلاقي، بالإضافة إلى الصراعات ذات الطابع المادي وانعدام التواصل، وعدم التكافؤ الاجتماعي – المعرفي الذي يشكل أهم الأسباب وراء العنف في المجال الزوجي.
ثالثا: الضغوطات الاجتماعية، يعاني بعض الأزواج من مشاكل مادية وأخرى مهنية تؤدي بهم إلى استخدام القوة بدل العقل، وتحيلهم على فعل أسلوب معين لتعبير عن نقصهم. هذه الضغوطات الاجتماعية تساهم في زعزعت ثقتهم بالنفس وتولد لديهم حقدا دفينا اتجاه شريكتهم في الحياة، مما يؤدي بهم إلى استعمال العنف كوسيلة للتعبير عن القوة الجسدية التي ينتج عنها نتائج وخيمة.
النتائج السلبية الناتجة عن العنف اللفظي والجسدي
هناك آثار سلبية نفسية مزمنة تعاني منها المرأة بعد التعرض للعنف اللفظي والجسدي، تنتج عنها اضطرابات نفسية كالقلق، والألم الفكري، والاكتئاب. وهناك أثار اجتماعية كالعزلة عن العالم الخارجي، وأيضا آثار صحية مثل: آلام على مستوى الظهر والبطن وجروح وكسور على مستوى الرجل أو اليد.
هذه الآثار ترافق المرأة التي تتعرض للعنف مدى الحياة، وتؤثر عليها في ممارستها للأنشطة والحياة اليومية عموما، بحيث تصبح حساسة جدا في أبسط الأمور، وغير قادرة على التركيز والقيام بمهامها على أكمل وجه، وهذه الآثار لا تقتصر فقط عليها بل تتعدها لتصل إلى المجتمع بأكمله، باعتبار أن المرأة نصف المجتمع والنصف الآخر هي التي تعمل على تربيته. إلا أن هناك إحصائيات تحيل على تفاقم هذه الظاهرة.
وفي هذا الإطار، نجد المندوبية السامية للتخطيط HCP ، وهي مؤسسة الأبحاث الحكومية في المغرب، قد أصدرت بلاغا بمناسبة الحملة الوطنية والدولية للتعبئة من أجل القضاء على العنف ضد النساء سنة 2019، حيث يقارب البحث أحد محدداتها من خلال تصور السكان المغاربة لها حيث يشكل سلوكهم وقيمهم عوامل مضيئة لطابعها الخفي ولترسيخ بعض تجلياتها.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا البحث قد تم إنجازه على صعيد جميع جهات المملكة خلال الفترة الممتدة بين فبراير ويوليوز 2019، حيث شمل عينة من 12000 فتاة وامرأة بين 15 و74 سنة.
وعلى هذا الأساس، فإن نتائج هذا البحث ما زالت في الوقت الراهن في طور الاستغلال.
وأسفر هذا التقرير عن تراجع العنف الجسدي من 15٪ إلى 13٪، والنفسي من 58٪ إلى 49٪، وتزايد العنف الجنسي من 9 ٪ إلى 14 ٪، والاقتصادي من 8 ٪ إلى 15 ٪.
وتجدر الإشارة الى أن هذا البلاغ تضمن أيضا تصور المجتمع لهذه الظاهرة، حيث عمل على تحديد أشكال واتجاهات العنف بالنسبة للمجال الذي انتشر فيه العنف في السنوات الأخيرة حسب تصور المجتمع، حيث تعتبر 75٪ من النساء أن الأماكن العامة هي التي تميزت بتزايد العنف فيما تعتبر 69 ٪ من النساء أن العنف قد تزايد في المجال الزوجي.
ويزداد ارتفاع العنف الزوجي حدة في تصور النساء الحاصلات على المستوى الثانوي من التعليم (63٪)، والنساء الحاصلات على مستوى تعليمي عال (86٪). وتبقى هذه النسب والنتائج مقلقة حتى مع انخفاضها، إلا أن المغرب يحاول بشتى الطرق التصدي لهذه الظاهرة، وجاءت أول مظاهرها على شكل محاولات للحد منها، انطلاقا من حملات تحسيسية توعوية، وإحداث مراكز نداء تستقبل الشكايات وتستمع لضحايا العنف بكل أنواعه. وبالرغم من كل هذه المساعدات ما زالت النساء ضحايا العنف لا يقدمن أية شكاية بحجة الخوف من نظرة العائلة والمجتمع.
ضحايا العنف المنزلي
خلال الدراسة التي قمنا بها حول العنف المنزلي، كان لنا لقاء مع ثلاث نساء من ضحايا العنف اللواتي امتنعن عن تصويرهن. واحتراما لخصوصيتهن كان اللقاء على شكل حوار:
الضحية الأولى:
لبنى، 32 سنة ربت بيت وأم لثلاثة أطفال أكبرهم طفلة تبلغ من العمر 11 سنة، تحكي معاناتها انطلاقا من أول أسبوع زواج لها، حيث تقول كان أسبوعا عبارة عن كابوس وتحول إلى حقيقة مرة لأكثر من اثنتي عشرة سنة، إنه عنف جسدي مصحوب بعبارات السب والشتم، ما زلت أتذكر أول ضربة تلقيتها من زوجي، كانت في بداية يوم ما مع انشغالي لتجهيز فطور الصباح لم يتسن لي الوقت لتجهيز ملابس عمله، فبدأ بالصراخ علي متعمدا التقرب مني إلى أن صفعني بيده على مستوى وجهي، وأنا تحت وقع الصدمة تهاطلت علي الضربات من جميع النواحي ولم أعد قادرة على التصدي لها، فاستسلمت وتركته يضربني ضربا مبرحا على سائر جسدي النحيل، ومنذ ذلك اليوم وأنا أتلقى الضرب بشكل يومي وأحيانا مرتين إلى ثلاث مرات في اليوم، ولم أعد قادرة على الدفاع عن نفسي ولا ملجأ لي سوى بيتي.
الضحية الثانية:
بهية، 48 سنة ربت بيت وأم لأربعة أطفال أكبرهم شابة في سن العشرين، تقول: تعنفت في أول ليلة زواج لي، كان نقاشا بين العائلتين، عائلة زوجي وعائلتي حول أمور مادية لها علاقة بحفل الزواج، واشتد هذا النقاش إلى أن تطور وأصبح صراعا أمام الضيوف. وبعد نهاية الحفل ورجوعنا إلى البيت بدأ الصراخ وتعالت الأصوات ومعها الأيدي، وانهال علي بالضرب حتى أغمي علي، وعند استيقاظي أردت مغادرة المنزل، فلم يسمح لي بذلك واعتذر لي وأخبرني أنها آخر مرة، ولكن في الحقيقة لم تكن آخر مرة، بل على العكس من ذلك باتت طرق التعنيف متنوعة ومتكررة وعلى أبسط الأمور، وها أنا اليوم أكثر من عشرين سنة وأنا أتعنف وما زلت صامدة أمام أبنائي، لكي أبرهن لهم أنني قادرة على تحمل كل المعاناة من أجلهم.
الضحية الثالثة:
خديجة، 35 خياطة وأم لطفلين، تقول بنبرة صوت حزينة: لم أكن أتصور يوما أن الرجل الذي تعرفت عليه لأكثر من خمس سنوات قبل الزواج، أنه شخص سيعنفني بعد الزواج، تزوجنا وقضينا أياما جميلة إلى أن بدأ بتوجيه كلام ينتقص من شخصيتي ومن عائلتي، باعتباره شخصا يتمتع بقدر من المال وأنا عائلتي فقيرة، فكل مرة كان يشتري لي فيها شيئا أو يأخذني إلى مكان راق، إلا وكان يحتقرني ويوجه إلي سبا وشتما، بحجة أني لا أعرف كيف أتعامل في هذه الأماكن، وتطور هذا العنف اللفظي إلى عنف جسدي داخل البيت، ومع مرور الأيام حاولت مرارا أن أقدم شكاية به، لكن كنت أرى دائما في وجهه أنه مهما فعل يظل أب أبنائي، وها أنا اليوم أكثر من 15 سنة وأنا أواجه العنف بنوعيه اللفظي والجسدي، قررت أخيرا أن أهرب من البيت أنا وأطفالي نحو المجهول بغية بداية حياة جديدة بعيدة عن كل هذه المعاناة، وأظن أن هذا هو الحل الوحيد.
بعد الاستماع لتصريحات الضحايا يمكن استنتاج أنهن غير راضيات عن هذه الوضع، إلا أنه ليس لديهن القدرة على مواجهة الأزواج والتصدي لهذا السلوك غير الإنساني، حيث نجد الضحايا ما زلن يستعملن مصطلح “زوجي” بالرغم من أنهن “معنفات”، ولا يتجرأن على فعل أية خطوة إيجابية لمناهضة العنف. لهذا، يظل هذا السلوك شائعا ومباحا، ويظل يفتح المجال أمام مجموع من الأشخاص على ممارسة هذا الفعل الشنيع، لأن معظم الضحايا لا يقدمن أية خطوة للحد منه حتى مع وجود قوانين وحلول تقوم بها الدولة المغربية وبشكل مستمر.
الإطار القانوني
نجد أن المملكة المغربية تقوم بخطط وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة خلال السنوات الأخيرة، وتسعى جاهدة من خلال التوعية الدائمة بهذا الجرم، وأول هذه الخطط القانون المغربي الذي يحمي المرأة وينصفها، بالإضافة إلى أن الدستور المغربي يجرم هذا الفعل في بابه الثاني “الحريات والحقوق”، الفصل 20 والذي ينص على:
“لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.
لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.
ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون”.
ونجد أيضا القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء شكل ثورة في الترسانة القانونية المغربية، والذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر 2018، ويهدف إلى ضمان الوقاية والحماية وعدم الإفلات من العقاب والتكفل الجيد بضحايا العنف، حيث أتاح للمملكة المغربية إطارا قانونيا شاملا خاصا بمحاربة كافة أشكال العنف ضد المرأة وتوفير الحماية القانونية لها، بالإضافة الى العناية التامة التي يمنحها الملك محمد السادس للنساء عموما، وذلك من خلال خطاباته التي يثمن فيها حقوقهن، وأبرزها الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 1999:
“كيف يتصور بلوغ رقي المجتمع وازدهاره والنساء اللائي يشكلن زهاء نصفه تهدر مصالحهن في غير مراعاة لما منحهن الدين الحنيف من حقوق هن بها شقائق الرجال تتناسب ورسالتهن السامية في إنصاف له مما قد يتعرضن له من حيف أو عنف مع أنهن بلغن مستوى نافسن به الذكور سواء في ميدان العلم أو العمل”
الإطار السياسي
تقوم وزارة العدل المغربية سنويا بدراسة حول انتشار العنف والتي تضم قانون الأسرة بما فيه حالات العنف ضد النساء المعالج من قبل المحاكم، والاتفاقية الموقعة بين وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، والشرطة، والدرك، ووزارتي العدل والصحة، بهدف جمع البيانات وإنشاء تقرير سنوي بمناسبة أيام الستة عشر التي أطلقتها الأمم المتحدة لمناهضة العنف ضد النساء.
الإطار الجمعوي
تضمن التقرير السنوي للجنة الوطنية لتكفل بالنساء ضحايا العنف، الذي صدر سنة 2020، تجارب مهمة راكمتها جمعيات المجتمع المدني في مجال التكفل بضحايا العنف من خلال عقد اجتماعات من طرف اللجنة الوطنية لتقوية الشراكة مع أكثر من 10 جمعيات بمختلف جهات المملكة المغربية، والتي تروم على مجموعة من التوصيات لمناهضة العنف ضد النساء في أفق 2030 والتي تتلخص في تعزيز التبليغ عن قضايا العنف، وتعزيز التقاضي وسبل الانتصاف، وتكريس الوقاية والحماية. وتكتسي هذه التوصيات أهمية بالغة للحد من هذا السلوك غير الأخلاقي من خلال هذه الجمعيات :
1-الاتحاد الوطني لنساء المغرب
2- شبكة أناروز
3- شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع
4- منتدى الزهراء للمرأة المغربية
5- جمعية كرامة لتنمية المرأة
6- الشبكة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة ” تمكين”
7- مركز الوئام للإرشاد الأسري
8- اتحاد العمل النسائي
9- الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء
10- الفيدرالية الوطنية للنهوض بقضايا المرأة والطفل
11- مركز حقوق الناس
12- مركز البطحاء متعدد الوظائف لتمكين النساء.
الإطار الأمني
مصالح الأمن الوطني منخرطة بحزم في مكافحة أعمال العنف الممارسة ضد النساء والتي تشكل انتهاكا خطيرا للحقوق الأساسية، حيث إن العنف الممارس ضد المرأة يمثل مظهرا من مظاهر علاقات القوة الغير متكافئة، لاسيما أن هذه الأعمال تمس بحقوق المرأة الأساسية إلى جانب التأثير على المجتمع ككل.
تنظم المديرية العامة للأمن الوطني المغربي قافلة تحسيسية بشراكة مع مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالرباط، والتي عرفت تنظيم مجموعة من الأنشطة، من أيام دراسية وزيارات ميدانية لمختلف القطاعات المعنية لتكفل بنساء ضحايا العنف.
بالإضافة إلى أن المديرية العامة للأمن الوطني منخرطة في الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد النساء؛ فهي تساهم من خلال الحملة الأممية ستة عشر يوما من النشاط لمناهضة العنف المبني على النوع عن طريق المقر المركزي بالرباط وكذلك سبع ولايات أمنية، للتأكيد على مدى الانخراط وعلى الحضور الأمني في الساحة، بالإضافة إلى تنظيم أيام دراسية حول تحديات وإكراهات العمل الميداني لخلايا التكفل بضحايا العنف على شكل ورشات عمل للخروج بتوصيات من أجل تحسين الخدمات، كذلك القيام بتنظيم زيارات ميدانية لمقرات خلايا التكفل بنساء ضحايا العنف للوقوف على الخدمات التي تقدمها هذه الخلايا، ثم تنظيم دورات تحسيسية من تنشيط شبكة المكونين الذين تم تكوينهم في إطار شراكة مع مكتب الأمم المتحدة للنساء بالمغرب لأجل التحسيس بخطورة العنف وبوجوب التبليغ عنه.
لهذا، إن انخراط المديرية العامة للأمن الوطني في مناهضة العنف ليس وليد ظرفية بل هو عمل دؤوب ومستمر منذ سنة 2007، من خلال إحداث خلايا استقبال نساء ضحايا العنف على مستوى مصالح الشرطة القضائية والمكلف بالاستقبال على مستوى دوائر الشرطة.
وعند صدور القانون 103.13 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، تم تأسيس هذه الخلايا وأصبحت خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف من خلال مجموعة من المهام التي جاءت عن طريق القانون للاستقبال النساء ضحايا العنف، والاستماع اليهن والتوجه والدعم ثم المرافقة الى المصالح الطبية.
هذه الخلايا موجودة على مستوى التراب الوطني ويبلغ عددها 133 خلية وعلى مستوى دوائر الشرطة 446. وتتمحور مهامها حول المرأة ضحية العنف، والأخذ بيدها والاستماع إليها في ظروف تصون كرمتها، بالإضافة الى حرص المديرية العامة للأمن الوطني على الانخراط الدؤوب، فهي حاضرة في الشارع العام من خلال تكتيف الدوريات الأمنية سواء الراجلة أو الراكبة، بالإضافة إلى الحملات التحسيسية التي تقوم بها والحرص على تطبيق مقتضيات البرتوكول الترابي الذي انبثق عن إعلان مراكش لمناهضة العنف ضد النساء، والذي تم توقيعه بين يدي سمو الأميرة الجليلة لالة مريم في مارس 2020.
فالمرأة ضحية العنف، لديها عدة بوابات للتبليغ إما عن طريق الاتصال مباشرة بالخط 19 لدى مصالح الأمنية، أو من خلال المنصة الرقمية “كلنا معك” 8250، وأيضا يمكن أن تتوجه مباشرة إلى دائرة الشرطة القريبة من مقر سكناها، وهناك يوجد المكلف بالاستقبال الذي يستمع إليها ويعرف مدى العنف الذي تعرضت له وتضررت منه.
تجدر الإشارة إلى أن كل هذه الإطارات، سواء القانونية أو السياسية أو الجمعوية أو الأمنية، تبث إعلاميا عن طريق التلفزة المغربية للتحسيس بخطورة هذا السلوك غير الأخلاقي وتشجيع النساء “المعنفات” على ضرورة التبليغ عن هذا الجرم ومكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، وبالرغم من هذا كله ما زلنا نشهد تزايد نسبة النساء ضحايا العنف المسكوت عنه، إلا أن الأقلية اللائي يحاولن الخروج من هذه الوضعية عن طريق التواصل مع جمعيات ومراكز مناهضة العنف ضد النساء.
مركز البطحاء متعدد التخصصات لتمكين النساء
وخلال هذه الدراسة كان لنا لقاء تواصلي مع أمين باها، مدير “مركز البطحاء متعدد التخصصات لتمكين النساء” بمدينة فاس، حيث صرح لنا بأن عدد الوافدات على المركز سنويا يتراوح بين 1200 و1300 امرأة، وأعمارهن بين 18 سنة و68 سنة بالإضافة إلى أنهن ينقسمن إلى ربات بيوت وموظفات في قطاعات مختلفة؛ فالعنف لا ينحصر فقط على النساء غير العاملات بل حتى على النساء المثقفات والمستقلات ماديا. ومركز البطحاء متعدد التخصصات لتمكين النساء يشمل الإيواء المؤقت أثناء فترة التمكين، حيث يعمل على استقبال المرأة ضحية العنف، ثم الاستماع إليها، من خلال المساعدة الاجتماعية وإحالتها على المعاينة النفسية، والتي من خلالها يتم التفريغ النفسي، وتشخيص نوعية العنف الذي تتلقاه المرأة.
وأوضح أمين باها أن العنف ينعكس بطريقة سلبية على علاقة الأم بأطفالها من خلال مشكل التبعية الاجتماعية والاقتصادية. ويعمل المركز على تجديد هذه العلاقة من خلال جلسات توعوية للمرأة من أجل اكتساب ثقتها في نفسها التي تنعكس بدورها على علاقتها بأطفالها، واسترجاع المهارات التواصلية، عن طريق خدمات المركز التي يستفاد منها بحسب الحاجيات، والتربية سوسيو-اجتماعية انطلاقا من الدعم النفسي مرورا بالتمكين الاقتصادي وصولا إلى الجانب القانوني. ويتعلق الأمر بالتنسيق بين “مركز البطحاء متعدد التخصصات لتمكين النساء” وبين خلية استقبال ضحايا العنف، وذلك عن طريق الاستشارة أو المرافقة القانونية.
تجدر الإشارة إلى أن المركز يقوم بتشجيع النساء على العمل في ميادين مختلفة من أجل الاستقلال المادي، عن طريق 23 ساعة من التكوين المستمر. ويعمل المركز على إحداث مجموعة من الأنشطة الخاصة من خلال ورشات التدرب على مقابلات العمل، بالإضافة إلى المرافقة إلى “منتدى التشغيل بصيغة المؤنث” الذي يقام في شهر أكتوبر من كل سنة والذي يضم أكثر من 200 مقاولة توفر العمل للمجموعة من المستفيدات.
في الختام، وبعد القيام بهذه الدراسة، يتضح لنا أن هذه الظاهرة يجب أن تحارب عن طريق الوعي، الذي يحيلنا على التسلح بمجموعة من الآليات للمناهضة بالعنف ضد النساء، والوقوف على أبرز مواطن الخلل للحد منه. ويجب على المرأة عموما أن تتحلى بخاصية الرفض لأي نوع من أنواع العنف، لتصون كرامتها، وتعزز ثقتها بنفسها، وتثمن مكانتها في المجتمع، وهي السبب الحقيقي وراء وجود وتربية النصف الآخر.