كانت الجزائر مرجعا دبلوماسيا لبعض الدول الإفريقية إبان استقلالها، لكنها فقدت الهالة التي كانت تتمتع بها في القارة بعد استقلالها، وهيبتها خلال حربها من أجل التحرير الوطني، منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة في دجنبر 2019، رغم محاولتها استعادة مكانتها في طليعة المشهد الدبلوماسي الإفريقي والإقليمي.
محمد شقير، باحث في العلوم السياسية، صرح لهسبريس بأن الدبلوماسية الجزائرية تميزت بقوتها وحيادها، سواء على الصعيد الدولي أو الإفريقي، لاعتمادها على الرصيد النضالي الذي راكمته من خلال انتصار ثورتها التحررية من فرنسا، وكانت نشطة ضمن دول عدم الانحياز وحركات التحرر من خلال استضافتها لمؤتمرات دولية حضرتها شخصيات سياسية ثورية كتشي جيفارا وغيره.
وقال شقير إن الجزائر كانت تتوفر في ستينات وسبعينات القرن الماضي على نخبة سياسية ودبلوماسية متمرسة نجحت من خلالها في أن يكون لها حضور في المحافل الدولية والإقليمية، كما أن استغلالها لعائدات ثروتها البترولية مكنها من تحقيق نجاحات في استمالة الدول، خاصة الإفريقية، فيما يتعلق بقبول “جمهورية الصحراء” ضمن أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية، مما دفع المغرب إلى الانسحاب من المنظمة منتهجا سياسة الكرسي الفارغ، الشيء الذي ترك الحرية لتحرك الدبلوماسية الجزائرية ضمن مؤسسات الاتحاد الإفريقي.
وأوضح المتحدث أن الأزمة الداخلية التي يعيشها النظام الجزائري من خلال مواجهة الحركات المسلحة الإرهابية وكذا الحراك السياسي، جعلته ينشغل عن مستجدات ومتغيرات السياسة الدولية، كما أن عدم تجديد نخبه الدبلوماسية جعله لا يساير هذه التحولات، بدليل حفاظه على أطروحة الاستفتاء ومواصلة مساندته لحركة انفصالية أصبحت لا تحظى بالقبول نفسه الذي كان لها من طرف المنتظم الدولي.
ومن جهة أخرى، فإن تراجع أسعار المحروقات جعل الدبلوماسية الجزائرية تفقد أحد آليات استمالة الدول، خاصة الدول الإفريقية الفقيرة، مما سمح للمغرب بالعودة إلى عضوية الاتحاد الإفريقي والانفتاح على دول إفريقية جديدة من خلال الزيارات الملكية، كما سمح له ذلك بأن يترأس هيئات حاسمة داخل الاتحاد الإفريقي كانت لمدة طويلة حكرا على الجزائر، من أبرزها مجلس الأمن والسلم، إضافة إلى أن العزلة السياسية التي أصبح يعيش فيها النظام الجزائري أفقدت الدبلوماسية الجزائرية البريق الذي كانت تتمتع به في السابق، وهو ما انعكس على وضعها الدولي والإقليمي من خلال التوترات التي تعيشها مع عدة دول، كالقطيعة الدبلوماسية مع المغرب، وتوقيف بنود اتفاقية الجوار مع إسبانيا، والفتور السياسي مع فرنسا، وافتقاد ثقة دول كبرى كالولايات المتحدة.
من جانبه، اعتبر حسن بلوان، باحث في العلاقات الدولية، أنه من الصعب الحديث حاليا عن أسلحة دبلوماسية قوية للجزائر على المستوى الإفريقي، ما دام النظام السياسي والعسكري القائم في الجارة الشرقية فاقدا للبوصلة ولا يمتلك سياسة خارجية واضحة إلا في عقيدة العداء الكبير للمغرب.
وقال بلوان إن هذه الدبلوماسية عاشت لعقود على رصيد ثورة نونبر ضد الاستعمار واستطاعت استمالة مجموعة من الدول الإفريقية حديثة الاستقلال، إلا أن هذا السلاح فقد مكانته داخل القارة السمراء المتطلعة إلى التنمية البشرية والتعاون الاقتصادي، وهذا ما نجح فيه المغرب فعلا من خلال مبدأيْ “رابح-رابح” و”جنوب-جنوب”.
وأشار إلى أن الجزائر كانت دائما تسعى لأن تكون سباقة لحل النزاعات الإقليمية كسلاح دبلوماسي فعال في النفاذ داخل القارة، لكنها تراكم خلال السنوات الأخيرة الفشل والخيبة في جميع الملفات، خاصة ملفي ليبيا ومالي، بالإضافة إلى ملف نهر النيل بين إثيوبيا من جهة، ومصر والسودان من جهة أخرى، كما كانت تسعى لتوظيف أجهزة الاتحاد الإفريقي ومؤسساته كسلاح دبلوماسي متقدم لضرب مصالح المغرب، وقد هيمنت لمدة طويلة على مجلس الأمن والسلم التابع للمنظمة الإفريقية، لكن منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي فقدت مناوراتها بريقها، في مقابل نجاح الدينامية الدبلوماسية المغربية التي أثمرت اعتراف معظم الدول الإفريقية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وأمام تراجع النفوذ الجزائري في القارة الإفريقية لصالح قوى جديدة، يورد بلوان، حاولت الدبلوماسية الجزائرية تغيير أسلحتها وآليات تحركها من خلال استمالة دول كبرى ومؤثرة في القارة الإفريقية، وذلك بالسعي لتأسيس تجمع موازٍ تحت اسم “G4” إلى جانب جنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا، على هامش القمة الإفريقية الأوروبية الأخيرة في بروكسيل، لكن هذا التكتل ولد ميتا لرفض مصر الانضمام إليه، وتحفظ أبوجا وأديس أبابا على توظيفه ضد مصالح المملكة المغربية، ورفض معظم الدول الإفريقية محاولات الجزائر تفجير الاتحاد الإفريقي، لذلك “حصدت الدبلوماسية الجزائرية الخيبة والفشل”.