يرشّ الماء بيديه المرتعشتين على ما تبقى من شجيرات الصّبار المحيطة بمسكنه. فرغم نجاح فرق الإطفاء في السيطرة على الحريق، لا يتوانى هذا الشيخ الستيني في إعدام آخر ألسنة اللهب المتبقية في غصون الصبار المحترق، خوفا من انبعاث حريق جديد.
منازلٌ مهدّمة لم يتبق منها إلا سقفها القصديري المفتوح على السّماء.. وبهائم هُجّرت بعيدا عن الجبل “المحترق” وأخرى لم يحالفها الحظ.. تعثّرت أقدامها في المسير والتهمتها النيران.. ووجوه عَبوس فرّت من الحرائق واستقرت في مداشر بعيدة، وعندما ظنت أنها أفلتت بجلدها أخيرا في هذه الأرض المستقر، وجدت نفسها مرة أخرى في مواجهة الرّماد.
هكذا هو المشهد في قرية صخرة القط بضواحي مدينة القصر الكبير، التي شهدت، مساء أمس السبت وصباح اليوم الأحد، حريقا فاجأ فرق الإطفاء، قبل أن تتمكن من السيطرة عليه فعليا في حدود الساعة الثانية بعد زوال اليوم.
رحمة من ساكنة المنطقة تقول بلهجة جبلية محلية: “أصبحنا نعيش في العراء بدون مأوى، لا أستطيع إغماض عيني بسبب الحريق الذي اندلع وهدم بيتي وهجّر جيراني”، مضيفة “بهائمي ومحصولي دمرتهما النيران. لم أعد أملك شيئا”.
بسبب ارتفاع درجة الحرارة بضواحي العرائش تشهد مناطق واسعة من الإقليم الشاسع حرائق مباغتة، حيث فاجأت النيران التي اشتعلت هذا الصباح السلطات المحلية التي عملت على تطويقها في وقت قياسي لتفادي سيناريو “حريق القلة”.
وتشير المتحدثة مع جريدة هسبريس الإلكترونية إلى أن ابنها الوحيد كان في عداد المفقودين قبل أن تعثر عليه وفي جسده علامات الحريق “لم أتمالك أعصابي وصدمت من هول المشهد”.
وتضيف السيدة المكلومة وهي تغالب دموعها “هذا قدر الله، أشكر جميع المواطنين والسلطات الذين تدخلوا لإطفاء الحريق”، داعية إلى الاستفادة من مسكن يقيها هي وابنها من التشرد.
وبنفس الحرقة والمرارة يحكي لنا علي، الذي تجاوز عمره الخمسين، قائلا: “هذا قدر الله. لا نعرف الحكمة من وراء كل هذه الحرائق”، مضيفا أن “السلطات المحلية، من قوات الوقاية المدنية والدرك الملكي والسّلطة المحلية، وجمعيات المجتمع المدني وساكنة المنطقة تدخلت لتطويق الحريق”.
وأشار إلى أن الحريق أتى على كل مساكن المدشر والتهم صناديق النحل وكلأ الماشية، وحول البيوت السكنية إلى أطلال، مضيفا “لم نشهد مثل هذا الحريق يوما”.
وفي إحصاء رسمي، أتت الحرائق الأخيرة، التي انتشرت في مناطق واسعة من شمال المملكة، على 10289 هكتارا من الغابات الجبلية، بينما تحتاج المناطق المتضررة عشرات السنوات لاسترجاع عافيتها.
وقال المدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات، عبد الرحيم الهومي، في أول خروج إعلامي له بعد تنصيبه على رأس الوكالة، إن تدخل الفرق المختصة في مكافحة الحرائق مكن من تفادي كارثة بيئية كانت تهدد المجال الغابوي الحيوي لجهة طنجة تطوان الحسيمة.
وفي حواره مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أكد الهومي أنه سيتم اتخاذ إجراءات فورية وملموسة للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، وفي مقدمتها الحرائق التي تمس هكتارات واسعة من المجالات الغابوية بالبلاد.