“الراس اللي ما يدور كدية”.. ولعل رأس عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية “الإسلامي”، أكثر ما يدور هذه الأيام في المغرب؛ فلا هي ثابتة على حال، ولا هي مستقرة على مآل.
بنكيران فكر وقدر، ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر.. ثم أعلن للمغاربة أن بيان وزارة الخارجية بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة مدبج بلغة تراجعية، وبأنه كان خاليا من إدانة العدوان، وبأنه ساوى بين المحتل والضحية، إلى غير ذلك من “العبارات الفخمة” التي اشتهر بها “إخوان المغرب”.
وكأن ذاكرة “بنكيران ومن معه” قصيرة جدا، أم أن الأمر يتعلق فقط بتبادل الأدوار بين ما يكون عليه الحال وهم في الحكومة وبين ما يقومون به وهم في المعارضة، عندما نسوا أو تناسوا ما حصل لغزة أكثر من مرة وهم على رأس الحكومة لولايتين متتاليتين.
وهكذا غزة التي صارت بالنسبة لإسلاميي المغرب مثل “البقرة الحلوب” التي تدر عليهم حليب النضال والأنفة والشهامة العربية متى أرادوا ذلك، ومثل “الشاة الجلحاء العجفاء” كلما شاؤوا ذلك، مرت بحروب عديدة خلال حكومتي “البيجيدي” دون أن ينبس “إخوان المغرب” ببنت شفة إلا من عبارات خجولة متناثرة جرت عليهم أكثر من مرة انتقادات عارمة.
غزة شهدت في نونبر 2012 الحرب الثانية التي سميت بـ”عامود السحاب” بالنسبة لإسرائيل، و”حجارة السجيل” كما أسمتها “حماس”. كما تعرضت غزة في يوليوز من سنة 2014 لحرب شنتها عليها إسرائيل سماها الطرف الأول “الجرف الصامد” والثاني “العصف المأكول”، فضلا عن العملية العسكرية التي تعرضت لها غزة في ماي 2021 تحت مسمى “حارس الأسوار”.
وأمام هذه “الحروب” التي تعرضت لها غزة بوابل من القصف والعدوان، لم تجرأ حكومتا عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني على الانتقاد أو إصدار بلاغات قوية؛ بل إن العثماني وقع بنفسه على اتفاق تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.
ولمعرفة كيف يدور “رأس الإخوان” لمن في قلبه شك أو في صدره ريب، تكفي معرفة أنه في حرب غزة الأولى لعام 2009 انتفض “العدالة والتنمية”، الموجود حينها في صفوف المعارضة، ليقيم الدنيا ولا يقعدها بتزعم مظاهرات احتجاجية ضد الحكومة؛ لأنها لم تتضامن مع الفلسطينيين بما يكفي.
بضع سنوات فقط مرت على تلك “الهَبة الإخوانية المغربية”، وتحديدا في الحرب الثانية التي شنتها إسرائيل على غزة في عام 2012، وحينها كان بنكيران رئيسا للحكومة والعثماني وزيرا للخارجية، ابتلع “الإسلاميون” ألسنتهم بلعا، ولم يصدر عن وزارة الخارجية سوى بلاغ خجول ومحتشم تضمن تعبيرا عن “القلق”.
القلق نفسه عبر عنه بلاغ ناصر بوريطة، وزير الخارجية الحالي، في حكومة عزيز أخنوش، عقب العدوان الجديد على غزة.. فما الذي تغير؟، ولماذا انتفض “إخوان بنكيران” إذن الآن واكتفوا بالقلق عندما كانوا في الحكومة؟.. بل الأدهى هو أنه عندما سئل العثماني، وزير الخارجية وقتئذ، عن سبب عدم زيارته لقطاع غزة، كما فعل بنكيران في 2009 عندما كان “معارضا”، أجابهم بأنه كان منشغلا بمناقشة ميزانية وزارته..
أليس هذا إقرارا واضحا من إسلاميي المغرب أنفسهم بأن “تازة قبل غزة” لما كانوا على رأس الحكومة؟ ولماذا صارت “غزة قبل تازة” الآن فقط بعد اندحارهم إلى المعارضة؟.. ألا يكفي هذا المؤشر وحده للدلالة على أنهم يعملون بالمثل الرائج “الراس اللي ما يدور كدية”؟.