انطلقت الجمعة 3 يونيو 2022 فعاليات مشاركة مجلس الجالية المغربية بالخارج في المعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي تحتضنه مدينة الرباط، عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي وعاصمة الثقافة الإفريقية، تحت رعاية الملك محمد السادس.
وفي كلمته خلال المحاضرة الافتتاحية لهذه المشاركة، التي أدار نقاشها الدكتور مصطفى المرابط، تحدث الدكتور عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عن برنامج مشاركة المجلس في هذا الحدث الثقافي الكوني، الذي يتمحور حول موضوع: إفريقيا بعيون جالياتها”، تماشيا مع الموضوع العام لهذا المعرض الذي يحتفي بالأدب الإفريقي كضيف شرف.
وبعد أن توقف عند سياق تنظيم هذا الحدث الجماهيري الأول من نوعه عقب سنتين من الجائحة، استعرض الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج المجهودات التي بذلها المجلس وباقي المؤسسات المشتغلة على قضايا الجالية المغربية بالخارج من أجل تأطيرها ثقافيا ودينيا وضمان التواصل الافتراضي غير المباشر معها بسبب قيود الجائحة، مبرزا الأدوار التواصلية والتأطيرية التي لعبتها منصة “أواصر تيفي” في ربط مغاربة العالم بوطنهم ونقل المغرب إليهم، داعيا المؤسسات الوصية على قطاع الثقافة والتواصل إلى دعم مثل هذه المبادرات وبذل مجهود مادي لضمان الوجود الثقافي والديني المغربي في وسائل التواصل الاجتماعي من أجل سد الطريق أمام التيارات المتطرفة والمناوئة للمصالح الحيوية للمغرب التي تستهدف شبابه.
واعتبارا لكون هذه الدورة من المعرض تستقبل الأدب الإفريقي كضيف شرف، فقد اختار مجلس الجالية المغربية بالخارج طرح النقاش بخصوص الإشكاليات الأساسية التي تعرفها الجاليات الإفريقية في العالم، والصور النمطية التي تحاول التيارات السياسية اليمينية المتطرفة ترويجها حول الهجرة بصفة عامة، وجعلها أداة لتخويف المجتمع، وهو الطرح الذي اعتبره الدكتور عبد الله بوصوف غير صحيح، على اعتبار أن الهجرة الإفريقية هي بالأساس تتحرك داخل القارة الإفريقية نفسها، وأن الهجرة الإفريقية الخارجية هي مصدر للنماء والازدهار للمجتمعات المتواجدة بها، ومن هنا تأتي أهمية مناقشة قضايا الهجرة الإفريقية بهدف بلورة تصورات موحدة وبلورة جبهة موحدة للدفاع عن مصالح الجاليات الإفريقية، وأيضا رد الاعتبار لإسهامات الكفاءات الإفريقية في العالم.
وفي هذا السياق، استحضر الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج مضامين الخطابات والرسائل الملكية التي اهتمت بإفريقيا، وقد أثبتت جميعها أن المقاربة المغربية للقارة الإفريقية ليست ظرفية أو براغماتية أو آنية، وإنما هي مقاربة مبنية على قناعات راسخة متجذرة لم تتغير منذ السعديين، مرورا بالجهود التحررية لدول القارة التي ساهم فيها الملكان الراحلان محمد الخامس والحسن الثاني، وصولا إلى الدفاع المبدئي والوقوف الدائم إلى جانب شعوب القارة الإفريقية وترسيخ قيم التضامن والأخوة من أجل بناء إفريقيا بسواعد أبنائها الذي كرسه الملك محمد السادس منذ توليه العرش.
وأبرز بوصوف في هذا الإطار أهمية التراث اللامادي الذي تزخر به القارة الإفريقية الملتصق بالطبيعة، والذي يلبي الحاجيات الإنسانية وقد يحمل عناصر الإجابة على الإشكاليات الوجودية التي يحملها الإنسان عبر العالم ويرجع الإنسانية للإنسان.
من جانب آخر، كشف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج أن مشاركة المجلس في هذه النسخة من معرض الكتاب ستكون فرصة لعرض حوالي 36 من إصدارات المجلس خلال السنتين الأخيرتين، تشمل مختلف القضايا المرتبطة بالهجرة بشكل عام، والهجرة المغربية على وجه التحديد.
وقال في هذا الشأن إن المجلس، وعلى الرغم من عدم كونه مؤسسة ثقافية أو تنفيذية، يسعى إلى فتح نقاشات الهجرة في المعرض باعتباره فضاء للنقاش العمومي، وذلك من أجل بناء الأفكار وتبادلها مع الرأي العام واطلاعه على مستجدات الهجرة المغربية التي تخضع بنيتها بشكل مستمر لمجموعة من التحولات السوسيولوجية والثقافية.
كما لم تفت الدكتور بوصوف خلال هذه المحاضرة الافتتاحية الإشادة بمجهودات مغاربة العالم والتضحيات التي قاموا بها في فترة الحرب مع الجائحة، سواء على جبهة دول الإقامة أو جبهة الوطن الأم، من خلال الانخراط في صندوق تدبير الجائحة والعمل التضامني تجاه عائلاتهم وقراهم وتجاه المغاربة العالقين، بالإضافة إلى التحويلات المالية التي عاكست توقعات المؤسسات المالية الدولية وحققت خلال فترة الجائحة أرقاما قياسية، وهو دليل آخر على الحس التضامني وقوة انتماء مغاربة العالم للمغرب.
وباعتبار المعرض الدولي للنشر والكتاب واحدا من أهم الأحداث الثقافية الوطنية، فقد دعا بوصوف الحكومة المغربية إلى تعزيز العرض الثقافي الموجه إلى الجالية، وتفعيل مقترح مجلس الجالية المغربية بالخارج الذي أكده تقرير لجنة النموذج التنموي والقائم على خلق وكالة ثقافية موجهة إلى الخارج وإلى الجالية المغربية بمختلف الدول، باعتبارها الأداة الأنجع لتأطير شباب الجالية واستقطاب الكفاءات المغربية على غرار باقي الدول التي تعتمد على وكالاتها الثقافية ومعاهدها الخارجية لرعاية مصالحها عبر القوة الناعمة.
كما دعا بوصوف إلى بلورة سياسة عمومية واضحة المعالم تسعى إلى الدفاع عن صورة المغرب ومصالحه وقيمه الحضارية المبنية على التعددية، والتسامح والعيش المشترك.