أصبحت مواضيع المناخ تستأثر باهتمام بحثي وسياسي مغربي متزايد، في ظل الكوارث البيئية التي يشهدها البلد خلال هذه “السنة الاستثنائية”؛ بدءا بندرة الأمطار ووضعية الجفاف، ومرورا بارتفاع درجات الحرارة، وانتهاء بالحرائق.
ضمن هذه المقابلة التي أجرتها هسبريس مع الخليل الشريف، الباحث في مجال المراقبة البيئية عبر الأقمار الاصطناعية بمعهد النظم والروبوتات بجامعة لشبونة في البرتغال، يتم تسليط الضوء على واقع التغير المناخي بالمغرب، ومخاطره المستقبلية، والإستراتيجية البيئية العابرة للمجالات التي من شأنها التصدي لهذا “التطرف المناخي”.
وإليكم تفاصيل الحوار:
يشهد المغرب موجة حر شديد تسببت في اندلاع العديد من الحرائق المختلفة؛ ما خلف خسائر مادية وبشرية متفاوتة بين غابات المملكة. هل تغير المناخ يعد العامل الوحيد المتسبب في حرائق الغابات؟
الحرائق الغابوية الأخيرة لم تقتصر على المغرب فقط؛ بل شملت غابات الضفة المتوسطية، بما في ذلك جنوب البرتغال وإسبانيا وفرنسا. بصفة عامة، لا يمكن إرجاع تلك الحرائق إلى العامل المناخي لوحده، بل يتعلق الأمر كذلك بعوامل بشرية وطبيعية.
صحيح، التغيرات المناخية تلعب دورا مهما في إشعال حرائق الغابات بمجموعة من المناطق الجغرافية على وجه التحديد، خاصة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط؛ غير أن التشكيلة الجيولوجية لبعض الغابات تساعد أيضا على اندلاع الحرائق في فصل الصيف، بالنظر إلى اندثار العديد من المكونات الإحيائية.
لكن، لا يمكن إغفال أهمية السلوك البشري في حرائق الغابات بالعالم ككل، سواء كان متعمدا أم لا، حيث تكثر أنشطة التخييم بالغابات خلال هذه الفترة السنوية. كما تساعد الرياح على تأجيج تلك الحرائق، وهو ما لاحظناه بالمغرب؛ الأمر الذي ضاعف من حدة الخسائر المادية.
في هذه الفترة من الصيف، يعيش حوض البحر الأبيض المتوسط، بما يشمل المغرب، ذروة التغيرات المناخية؛ ما يهدد بتصاعد حدة الكوارث الطبيعية في السنوات المقبلة ما لم يتم تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة. هل سيشهد المغرب “تطرفا مناخيا” في العقود المقبلة؟
نعم، المغرب مهدد بتفاقم التغيرات المناخية في السنوات المقبل، على غرار كل دول العالم؛ ما يستوجب الانخراط في الجهود البيئية العالمية والإقليمية بشكل مشترك لإبعاد المخاطر الطبيعية عن العالم. الالتزام المناخي أصبح مسألة إستراتيجية في الأمن القومي للبلدان بسبب الكوارث الطبيعية الحالية.
الأمن المائي تأثر بشدة بتغير المناخ، وهو ما لاحظناه هذا الصيف بأغلب مدن المملكة بسبب تراجع حقينة السدود؛ الأمر الذي دفع الحكومة إلى إعلان “حالة الطوارئ المائية” لترشيد استهلاك المياه. ما طبيعة السياسات الفلاحية التي ستقلل من الإجهاد المائي بالمغرب؟
الأمن المائي بات جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي للفواعل الدولية. وبالتالي، ينبغي الحفاظ عليه لتأمين الغذاء للمواطنين. المغرب بدأ يعيش، خلال الآونة الأخيرة، تداعيات “التطرف المناخي”؛ فقد تراجعت حقينة أغلب السدود، وانخفض منسوب المياه الصالحة للشرب بعدد من القرى.
وعلى الرغم من موقعه الجغرافي الذي أتاح له مخزونا مائيا جيدا طيلة عقود، فإن المغرب شهد عاما استثنائيا نتيجة تداعيات أزمة المناخ بالعالم. الوضع الاستثنائي الراهن يستلزم ترشيد استهلاك المياه الصالحة للشرب، بالموازاة مع تطوير الإستراتيجيات المعتمدة بالقطاعين الفلاحي والصناعي، لا سيما ما يتعلق بالماء.
حالة الطوارئ المائية تعني أنه يجب ترشيد استهلاك المياه بكل المجالات الحياتية، والحرص على تفادي تلويث المخزون المائي الباطني الذي يتواجد بالشمال الغربي للمملكة، والتفكير في خطط بيئية عابرة لكل السياسات العمومية، والبحث عن مصادر أخرى للمياه، والاهتمام بالبحث العلمي.
التحول البيئي الراهن يفرض تحديات مالية كبرى على مختلف المؤسسات الاقتصادية المغربية، التي أصبحت مطالبة بتسريع تضمين الرهانات المناخية في منظومتها التدبيرية. كيف يمكن لهذه المؤسسات دمج مخاطر المناخ في توجهاتها الإستراتيجية؟
يتوفر المغرب على مؤسسات استشارية عديدة ينبغي استغلالها لتطوير السياسات العمومية ذات الصلة بالمجال البيئي. ونذكر هنا، على سبيل المثال، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى جانب مؤسسات دستورية أخرى، مثل البرلمان، أنيطت بها مهمة مراقبة الشأن الحكومي، دون أن ننسى بنك المغرب.
تلك المؤسسات أنتجت تقارير سنوية نبهت مرارا وتكرارا إلى أهمية إدماج البعد البيئي في المخططات العامة، وقدمت للمسؤولين إحصائيات دقيقة حول كلفة تغير المناخ. لذلك، لا بد من استثمار تلك المعطيات والبيانات في البحث العلمي، من خلال ابتكار مشاريع هادفة في القطاعين العامة والخاص.
الواقع البيئي الحالي يفرض على الحكومة المغربية ضرورة اعتماد سياسات استباقية ووقائية ضد مخاطر التغير المناخي. ما مدى استعداد المغرب لمواجهة المخاطر المتعلقة بالمناخ؟
لا بد من الإشارة إلى أن المغرب يحتل مراتب متقدمة في قيادة جهود العمل المناخي بالعالم؛ ما جعله يتبوأ مكانة رائدة بشمال إفريقيا والشرق الأوسط من حيث السياسات البيئية، وهو ما يجسد المراقبة الاستباقية المنتهجة بالمملكة منذ سنوات سابقة.
المغرب مستعد تماما، قبل أي وقت مضى، لمواجهة مخاطر تغير المناخ بفضل الموارد البشرية الرفيعة التي يتوفر عليها، سواء داخل المغرب أو خارجه، وينبغي استغلالها فقط، بالموازاة مع تخصيص أرصدة مالية مهمة لتطبيق الأفكار المقترحة على صانع القرار العمومي.
لمواجهة مخاطر المناخ، أصبح لزاما على الدولة المغربية تطوير تصوراتها التربوية والتعليمية لمساعدة المواطنين على الفهم الأفضل لأزمة المناخ، والتكيف مع آثارها في الوقت نفسه. ألا ترى أنه قد حان الوقت لوضع إطار جديد بين مختلف الفاعلين لبناء غستراتيجية تعليمية بيئية مختلفة؟
تجويد النظام التعليمي هو السبيل الأمثل لمكافحة التغيرات المناخية بالمغرب في العقود المقبلة؛ لأن تنفيذ السياسات العمومية يحتاج إلى بيئة اجتماعية حاضنة لها، والمدرسة هي الضامن الوحيد لذلك. فعلا، هناك هوة بين المخططات العامة وبين أساليب التنزيل بسبب المقررات التعليمية غير الواقعية في المجال البيئي.
ينبغي إدماج فكرة التغير المناخي بالمقررات التعليمية في صفوف الناشئة، حتى نكون جيلا جديدا يعي بالتزاماته البيئية، ويشارك أيضا في صياغة القرار العمومي. حملات التوعية والتحسيس تكون مرتبطة بالوعي البيئي، ما يستوجب أهمية العمل على هذا الورش الاإستراتيجي.
استثمرت أغلب البلدان الأوروبية في القاعدة الشبابية لتحفيز هذه الفئة العمرية على المشاركة في صياغة القرار البيئي المتعلق بالسياسات العمومية. هذه النقاشات البيئية أصبحت تحظى باهتمام متزايد من طرف الشباب المغارب؛، لكن كيف يمكن إشراكهم في اتخاذ القرارات البيئية؟
بعد تلقيح المقررات التعليمية أولا، يجب آنذاك الانتقال إلى مرحلة إشراك الشباب في اتخاذ القرار البيئي؛ لأن المعرفة والتكوين هما القاعدة، ثم يأتي بعدها النقاش العمومي الصحي. وفي المغرب، توجد منظمات شبابية هادفة خلقت لنا نقاشات بيئية استثنائية بالمدن والقرى.
هناك نسبة كبيرة من الشباب الذين يعانون من التوتر واضطرابات القلق نتيجة التغيرات المتزايدة التي تؤثر على صحة الكوكب والمناخ. وهذا ينعكس بشكل مباشر على صحتهم النفسية ويشعرهم بالعجز، خصوصا في ظل غياب آليات واضحة لإشراكهم في الاستجابة لهذه الأزمة.
حان الوقت لخلق آليات مستدامة تمكن الشباب من التأثير في عمليات صنع القرار المتعلقة بالاستجابة لأزمة المناخ، بشكل يضمن تحقيق مشاركة حقيقية. وفي هذا السياق، يجب أن تكون مشاركة الشباب محورية في جميع الإجراءات والنقاشات الوطنية المتعلقة بالمناخ، والتي تهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة ضمن الإستراتيجيات الوطنية.