لا تبدو مآسي الهجرة غير النظامية ومعاناة المهاجرين الحالمين بالضفة الشمالية من المتوسط في طريقها إلى الحل والانعتاق؛ مع إحصائيات صادرة عن منظمة غير حكومية إسبانية أفادت بأن قرابة ألف شخص مرشح منهم قد لقوا حتفهم في ظرف ستة أشهر فقط، أي خلال النصف الأول من العام الجاري محاولين الوصول إلى إسبانيا عبر مسارات وطرق هجرة مختلفة عبر المتوسط كما الأطلسي، مقابل حوالي ألفين و100 شخص ماتوا أو اختفوا، في النصف الأول من عام 2021 على متن قوارب أو زوارق متجهة إلى إسبانيا.
ومن أصل 978 حالة لاقت مصرعها في مسارات “الهجرة غير الشرعية” بريا وبحريا، سجلت وفاة 118 امرأة و41 طفلا في محاولتهم بلوغ السواحل الإسبانية؛ معظمها كانت عن طريق البحر إلى “جزر الكناري” بـ800 حالة وفاة، بينما أحصت طريق الهجرة من الجزائر 101 وفاة، مع فقدان 18 قاربا للهجرة بمن فيها.
التقرير الموسوم بعنوان “الحق في الحياة” أفرد حيزا مهما للحديث عن ما حدث يوم 24 يونيو المنصرم المشتهر باسم “الجمعة الأسود”، بعد تدافع شديد واقتحامات شهدها المعبر الحدودي “باريو تشينو” الفاصل بين الناظور وثغر مليلية المحتل، موضحا أن “40 شخصا فقدوا حياتهم خلال تلك الأحداث المأساوية”، مقابل 23 مهاجرا نظاميا توفوا حسب ما أعلنته حينها السلطات المغربية.
وتتزامن هذه الأرقام مع بيانات وزارة الداخلية الإسبانية التي أعلنت زيادة في العدد الإجمالي للمهاجرين الوافدين إلى إسبانيا عن طريق البر والبحر بشكل طفيف، بنسبة 3.3 في المائة مقارنة بعام 2021.
كما أبان تحليل الإحصاءات الرسمية ذاتها أن عدد القوارب التي وصلت إلى الساحل الإسباني قد انخفض بصفة ملحوظة، إذ أوضح تقرير وزارة “الداخلية” في الجارة الشمالية للمملكة، نشرت تفاصيله صحيفة ‘publico’، محاولة عبور 757 قاربا حتى نهاية الشهر الماضي، مقابل 968 في العام السابق، أي بنسبة انخفاض فاقت 21 في المائة.
هذه الإحصائيات التي جردت مختلف تدفقات العبور من أربع مناطق بالتراب المغربي أو الجزائري نحو الأراضي الإسبانية، ما بين شهري يناير ويونيو الماضيين، وردت في تقرير المنظمة الإسبانية “كاميناندو فرونتيرا”، التي تعنى بالمهاجرين غير النظاميين؛ مسجلة في النصف الأول من العام الجاري “زيادة في عسكرة مراقبة الهجرة الحدودية مع الاستخدام المنهجي للأعمال التي تنتهك حقوق المهاجرين”، على حد تعبيرها.
واندرج إصدار هذا التقرير ضمن أعمال “مرصد الحدود الغربية الأورو-الإفريقية”، الذي أنشأه تجمع “Ca-minando Fronteras” في عام 2015. وتتمثل مهمته في تعداد ضحايا الهجرة على الطرق البحرية لغرب البحر الأبيض المتوسط (مضيق جبل طارق، ألبوران، الجزائر) والمحيط الأطلسي (جزر الكناري)، فضلا عن المسارات البرية عند حاجزي ثغرَي سبتة ومليلية المحتلين.
وكان لافتا ما أورده التقرير في مقدمته من أنه قد تم “تأييد هذا الوضع منذ الحرب في أوكرانيا من خلال موقف حازم للقارة الأوروبية و’حلف شمال الأطلسي’ (الناتو)، بالاعتماد على إعادة التسلح والتأثير في سياسات إدارة مراقبة الحدود”، موردا أن الخطاب السياسي للدولة الإسبانية صور “الأشخاص في وضع الهجرة القادمين من الجنوب باعتبارهم تهديدا”، فاتحا مجال النقاش أمام “إمكانية تدخل أمني فعليا ضدهم”.
ورصد المصدر ذاته تحول “الخطاب بشأن المراقبة والتحكم في تدفقات الهجرة”، نحو فكرة مفادها أن “الموت على طول طريق الهجرة أصبح هو القاعدة”، مبرزا أن “قبول هذا الوضع يفسح المجال أمام زيادة عدد الضحايا ويسمح بتنفيذ عمليات قمع قاتلة بشكل متزايد ضد مجتمعات المهاجرين”.
معطيات “نسبية”
تعليقا على ما ورد في تقرير المنظمة الإسبانية غير الحكومية من معطيات، قال محمد بنعيسى، رئيس مركز الشمال لحقوق الإنسان، إن “أبرز ما يمكن تسجيله على التقرير هو كون المعطيات الواردة فيه تبقى نسبية”، شارحا بأنه “من الصعب ضبط ظاهرة الهجرة باعتبارها ظاهرة معقدة عابرة للحدود”.
وتابع بنعيسى، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الظاهرة عرفت انخفاضا خلال ستة أشهر الأولى من السنة الجارية نتيجة عوامل متعددة”، ساردا في هذا السياق منها “انتعاش الاقتصاد المغربي، والطوق الأمني الذي تضربه السلطات المغربية على حدودها الجنوبية والشرقية، فضلا عن تكثيف دورياتها الأمنية برا وبحرا؛ وهو ما انعكس، وفق المتحدث، على عدد الذين فقدوا في المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.
وخلص الحقوقي المغربي ذاته إلى ربط “ارتفاع معاداة المهاجرين بأوروبا” في السنوات الأخيرة، من خلال ما يتضح من تزايد شعبية “اليمين المتطرف” بأوروبا، بما وصفه بـ”الانتكاسة الاقتصادية التي تعرفها القارة العجوز بعد كورونا وفقدان ملايين فرص العمل، والتي جاءت أزمة أوكرانيا لتعميقها أكثر”.
جدير بالتذكير أن آخر الأرقام الرسمية الإسبانية سارت في منحى تأكيد انخفاض عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى شبه الجزيرة وجزر البليار عن طريق البحر بنسبة 27.5 في المائة في الأشهر السبعة الأولى من العام مقارنة بعام 2021 (من 5284 شخصا إلى 7292 شخصا)؛ في حين انخفضت القوارب بنسبة 21.9 في المائة.
كما وصل 27.3 في المائة من المهاجرين بشكل غير نظامي عن طريق البحر إلى جزر الكناري، مع رقم 9589 شخصا مقارنة بـ7531 قبل عام، مع الإشارة إلى مغادرة المهاجرين غالبا من منطقة الصحراء أو موريتانيا أو السنغال.