شجبت “التنسيقية الوطنية للدفاع عن الحق في التنظيم والتجمع السلمي” استمرار السلطات المغربية في ما سمته “التضييق” على الجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية والنقابات التي لا تساير توجهات الدولة..
واستهلت التنسيقية المذكورة، المكوّنة من واحد وعشرين هيئة، نشاطها بتنظيم ندوة “لتسليط الضوء على مسلسل المنع والتضييق الذي يطال حزب النهج الديمقراطي بشأن الإجراءات والإعداد لعقد مؤتمره الوطني الخامس”.
وقال الفاعل الحقوقي عبد الرزاق بوغنبور: “لم نكن نرغب في تشكيل تنسيقية للدفاع عن الحق في التنظيم والتجمع السلمي، من منطلق أن التنظيم والتجمع السلمي يكفلهما الدستور والمواثيق الدولية، والمغرب مُلزم باحترامها، لكن هناك تضييقا ممنهجا على هذين الحقين معا”.
وطالبت التنسيقية الوطنية للدفاع عن الحق في التنظيم والتجمع السلمي السلطات بتمكين حزب النهج الديمقراطي من استعمال الفضاءات العمومية لعقد مؤتمره الوطني الخامس، المرتقب أيام 22 و23 و24 يوليوز المقبل.
ووجه الفاعلون الحقوقيون أعضاء التنسيقية انتقادات إلى السلطات المغربية، متهمين إياها بـ”التضييق على الأحزاب السياسة الجادة التي ترفض الانبطاح، والنقابات التي تؤمن بخط الدفاع عن الشغيلة، والجمعيات الحقوقية الممانعة التي اختارت أن تكون لغتها واضحة في الدفاع عن المواطنات والمواطنين”، كما قال بوغنبور.
وذهب الفاعل الحقوقي ذاته إلى القول: “الإعلان عن تأسيس التنسيقية الوطنية للدفاع عن الحق في التنظيم والتجمع السلمي هو وصمة عار على الدولة، لكننا مضطرّون لتأسيسها لأن هناك تغولا ممنهجا للأجهزة”، مشيرا إلى أن مجموعة من الجمعيات والأحزاب محرومة من وصولات الإيداع والتجديد، “وهذا يعني المس بدور الأحزاب والمنظمات الحقوقية والنقابات”، على حد تعبيره.
وسجّل المحامي محمد النويني ملاحظات قانونية بشأن حرمان جمعيات مدنية وأحزاب سياسية ونقابات من وصولات الإيداع أو من استعمال الفضاءات العمومية، معتبرا أن حق هذه الإطارات في التنظيم والتجمع السلمي “مُورس فيه عسْف ونوع من التجاوزات”.
وأكد النويني أن منع هيئات مدنية ونقابات وأحزاب من وصلات الإيداع واستعمال الفضاءات العمومية “مناقض للشرعية الدولية والقوانين الوطنية، سواء المؤسِّسة للجمعيات أو القوانين المرتبطة بتأسيس الأحزاب وحتى مقتضيات الدستور”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “المنع من الحق في التنظيم والتجمع مخالف للمادة الواحدة والعشرين من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه المغرب، ومخالف لمقتضيات الفصل التاسع والعشرين من الدستور، الذي نص على أن حرية التجمع مضمونة، وأن هناك ضمانات دستورية لعدم المس بهذا الحق”.
وتوقف المحامي ذاته عند عدم تمكين السلطات حزب النهج الديمقراطي من قاعة عمومية لعقد مؤتمره الخامس، موضحا أن “هذا الموقف مخالف للمادة الواحدة والثلاثين من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، الذي ينص على أحقية الأحزاب في الاستفادة من القاعات العمومية التابعة للدولة لتنظيم أنشطتها”.
وعرّج النويني على الجوانب القانونية المتعلقة بتأسيس المنظمات المدنية، لافتا إلى أن “المشرّع المغربي أكد أن الحق في التأسيس يتم بناء على تصريح من طرف السلطات فقط، ولا يحتاج إلى ترخيص، مستعرضا اجتهادات قضائية أيّدت هذا الطرح، إذ شددت على أن القضاء هو الجهة الوحيدة المخوّل لها البت في منع تأسيس الجمعيات، وليس الإدارة”.
وذهب الفاعل الحقوقي عبد الإله بنعبد السلام إلى القول إن الحق في التنظيم والتجمع “ظل عرضة للحصار والخروقات في المغرب الحديث، لكن تحركات الحركة الحقوقية فرضت على الدولة أن تترك هامشا من التحرك، إلا أن القائمين على شؤون البلاد ظلوا يتربصون بالفاعلين السياسيين والنقابيين والحقوقيين الذين يخالفون توجهات الدولة ويتشبثون بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
بنعبد السلام أردف بأن مسلسل التضييق على الجمعيات الحقوقية بدأ “بعد الاتهامات التي كالها إليها حصاد (وزير الداخلية الأسبق) في البرلمان عام 2014، وتضاعف هذا التضييق إذ صار من الصعب الحصول على وصولات التأسيس والتجديد وعلى الفضاءات العامة لتنظيم الأنشطة، وهذا يضع الصعوبات والعراقيل أمام الهيئات للاشتغال في ظروف مناسبة”.
وأشار الفاعل الحقوقي ذاته إلى أن “حرمان الجمعيات الحقوقية من وصولات الإيداع أو التجديد يجعلها تواجه صعوبات مالية”، مشيرا إلى أن “هناك جمعيات جمدت الأبناك حساباتها البنكية بسبب عدم قبولها الوصولات المؤقتة”.
ورغم التضييقات التي تتعرض لها الإطارات الحقوقية والحزبية والنقابية فإن بنعبد السلام قال: “سنتصدى لمحاولة الإجهاز على بعض المكتسبات التي حققها المغرب بفضل مجهودات وتضحيات المناضلين”.
وعلى بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الموعد المقرر لانعقاد المؤتمر الخامس لحزب النهج الديمقراطي، يسابق هذا الأخير الزمن للظفر بفضاء عمومي لتنظيمه، بعد أن قُوبلت جميع الطلبات التي قدمها إلى عدد من المؤسسات العمومية في مدينتي الرباط والدار البيضاء بالرفض.
وقال الكاتب العام لحزب النهج الديمقراطي، مصطفى البراهمة: “ليس هناك منع صريح ولا سماح صريح، ونحن لا نطالب سوى بتطبيق القانون الذي يخوّل لنا حق الاستفادة من فضاءات عمومية لتنظيم مؤتمرنا، ونريد من وزارة الداخلية أن ترفع يدها عن حزبها”.
ورغم عدم الترخيص له لتنظيم مؤتمره الخامس في قاعة عمومية، إلى حد الآن، إلا أن حزب النهج الديمقراطي متشبث بتنظيمه في الموعد المحدد له، أيام 22 و23 و24 يوليوز القادم، إذ جدد البراهمة التأكيد على أن التنظيم لن يُخْلف موعد مؤتمره “ولو اضطررنا إلى تنظيمه في الشارع العام”، وزاد: “لن نتنازل عن حقنا في التنظيم لأنه حق أصيل”.
ونظمت التنسيقية الوطنية للدفاع عن الحق في التنظيم والتجمع السلمي وقفة تضامنية مع حزب النهج الديمقراطي، مساء أمس الأربعاء أمام البرلمان، لمطالبة السلطات بتمكينه من استعمال فضاءات عمومية لتنظيم مؤتمره الوطني المقبل.
بدوره أكد حسن بناجح، القيادي في جماعة العدل والإحسان، أن التنسيقية الوطنية للدفاع عن الحق في التنظيم والتجمع السلمي “ستواصل تضامنها مع حزب النهج الديمقراطي ومع باقي التنظيمات التي تتعرض للتضييق والمنع” وفق تعبيره.
وأضاف المتحدث ذاته: “لسنا سعداء ونحن نؤسس هيئة للدفاع عن الحق في التنظيم والتجمع السلمي، لكننا مجبرون لأن الدولة تسوّق صورة مغايرة للواقع، ويزعجها أن يكون للهيئات التي لا تسير على نهجها صوت مسموع”.
وذهب بناجح إلى وصف تعامل السلطات مع حزب النهج الديمقراطي، إذ لم تقبل تمكينه من استعمال فضاءات عمومية لعقد مؤتمره الخامس، ولم تمنعه من ذلك صراحة، بـ”أبشع أوْجُه السلطوية”، مضيفا: “إذا أرادت الدولة أن تمنع الحزب من عقد مؤتمره فعليها أن تفعل ذلك بشكل مباشر”، وأضاف: “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أيضا عاشت الوضعية نفسها، وهذا يؤثر على جودة تنظيم المؤتمرات، ويصعّب على الهيئات الوفاء بالتزاماتها. وهذا السلوك غير المفهوم هو شكل من أشكال الإغراق في السلطوية”.
كما اعتبر المتحدث ذاته أن التضييق الذي يطال عددا من الجمعيات الحقوقية “لم يعد مجرد تصرفات شخصية لبعض المسؤولين المحليين، بل هو تصرف ممنهج، فيما المنع من الفضاءات لم يعد يقتصر على القاعات العمومية، بل حتى الأماكن الخاصة”.