كشفت معطيات غير رسمية، وفرتها مصادر طبية عدة لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المنظومة الصحية بجهة درعة تافيلالت تعاني مشاكل كثيرة ومتعددة الأوجه؛ فبالإضافة إلى النقص المسجل في الأطر الطبية والتمريضية والتقنية، هناك أيضا نقص في الأجهزة والمعدات الطبية والأدوية بمختلف المؤسسات الصحية بهذه الجهة.
وأوضحت المصادر عينها أن المنظومة الصحية بجهة درعة تافيلالت سجلت خلال السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا نتيجة مجموعة من العوامل؛ أهمها النقص في الأطر الطبية والتمريضية والتجهيزات الطبية، والتهالك الكبير الذي تعاني منه أغلبية البنية التحتية بشكل عام، بالإضافة إلى مشكل آخر يتمثل في رفض الأطر الطبية الإشغال في هذه الجهة بسبب غياب التحفيزات.
في هذا الروبورتاج، تسلط هسبريس الضوء على المشاكل التي تتخبط فيها المنظومة الصحية بجهة درعة تافيلالت بشكل عام، والحلول الممكنة لتجويد المنظومة وتوفير الرعاية الصحية للمواطنين، وذلك من خلال تكافؤ فرص العلاج بين هذه الجهة وجهات أخرى بالمغرب “النافع”، حسب تصريحات بعض الجمعويين.
منظومة صحية متهالكة
عبد الحق مومني، فاعل حقوقي من مدينة الرشيدية، قال إن المنظومة الصحية بالمغرب عموما، وليس بجهة درعة تافيلالت فقط، يمكن وصفها بـ”المتهالكة”، مضيفا أنه لإصلاح القطاع الصحي بالمغرب، “يجب إصدار قرارات صارمة والالتزام بتنفيذها لقطع الطريق أمام بعض الأشخاص الذين جعلوا من مهنة الطب مهنة ربحية أكثر منها إنسانية”.
وتابع الحقوقي ذاته، في تصريح لهسبريس، بأن القطاع الصحي بجهة درعة تافيلالت “يعاني مجموعة من المشاكل التي تعرقل استفادة المواطنين من العلاجات في المكان والوقت المناسبين”، مستحضرا واقعة “رفض مستشفى سيدي حساين بناصر بورزازات استقبال مريض قادم من نواحي تزارين، لأنه ينحدر من إقليم زاكورة”، معتبرا أن هذه الواقعة “كانت ستكون بداية لإعفاء المسؤولين ومحاسبة الرافضين، خاصة بالإدارة الإقليمية للصحة بورزازات، لكن ما دمنا في المغرب، فلا يمكننا أن نستغرب”.
من جانبه، اعترف مسؤول طبي يعمل بأحد مستشفيات جهة درعة تافيلالت (رفض الكشف عن هويته للعموم)، بأن مشاكل كثيرة تعاني منها المنظومة الصحية بالجهة، مشيرا إلى أن “الوزارة الوصية بدورها لم تقم بأي مجهود لمنع غيابات الأطر الطبية رغم توصلها بتقارير في الموضوع”، مضيفا ان “الكثير من الأطر الطبية يتغيبون عن الحضور إلى مقرات عملهم، منهم من صدرت في حقهم تقارير، لكن الوضع مازال على ما هو عليه”.
وأكد المسؤول الطبي ذاته، في تصريح لهسبريس، أنه “إذا استمر الوضع الصحي على هذا المنوال، فلن تجد الوزارة مستقبلا مع من تشتغل، ويمكن القول إن المستشفيات العمومية ستكون في السنوات المقبلة فارغة وخاوية على عروشها من الأطباء الذين أصبحوا يفضلون العمل في المؤسسات الصحية الخصوصية على أن يشتغلوا لدى القطاع العام بأجرة هزيلة وغياب التحفيزات”.
الحكومة وتجويد القطاع
ونظرا لتهالك المنظومة الصحية بالمغرب عموما، ورغبة منها في تجويد المنظومة الصحية وتطويرها، تعتزم الحكومة الحالية، بقيادة عزيز أخنوش، الرفع من مجموع العاملين في القطاع الصحي من 68 ألفا سنة 2022 إلى أكثر من 90 ألفا بحلول سنة 2025، وذلك بتوقيع اتفاقية إطار الأسبوع الماضي من طرف رئيس الحكومة ووزير الصحة والحماية الاجتماعية وشركاء الصحة.
وتسعى الحكومة من خلال هذه الاتفاقية إلى بلوغ عتبة 24 مهنيا لكل 10 آلاف نسمة في أفق 2025 (بنسبة 417 نسمة لكل مهني)، على أن يتم رفعها إلى 45 مهنيا بحلول سنة 2030 (بنسبة 223 نسمة لكل مهني)، مقابل (14.4 مهني لكل 10 آلاف نسمة حاليا).
وتأتي هذه الاتفاقية في إطار تنفيذ برنامج للرفع من عدد مهنيي قطاع الصحة في أفق سنة 2030، مستهدفة تقليص الخصاص الحالي في الموارد البشرية الصحية وإصلاح نظام التكوين، مع رصد غلاف مالي يفوق 3 مليارات درهم لتنفيذ البرنامج، علاوة على تكلفة إحداث 3 مستشفيات جامعية جديدة بكل من الرشيدية وبني ملال وكلميم.
نعيمة آيت عبد الصادق، طالبة في إحدى كليات الطب بالمملكة، كشفت أن العديد من أبناء هذه الجهة يطمحون إلى إحداث كليات الطب ومستشفى جامعي لتقريب هذه التخصصات منهم وتخفيف عناء التنقل عنهم إلى المدن البعيدة، مشيرة إلى أن إحداث كليات الطب ومستشفى جامعي، “يمكن أن يساهم في تكوين أطر طبية وتمريضية محلية قادرة على العمل بهذه المناطق، دون البحث عن أطر طبية من مدن بعيدة تبحث عن ألف سبب للهروب”، وفق تعبيرها.
ونوهت المتحدثة ذاتها بهذه الاتفاقية التي تم إخراجها إلى الوجود من طرف الحكومة الحالية، مشيرة إلى أن “المنظومة الصحية بالمغرب عموما، وخاصة بدرعة تافيلالت، ستتحسن وستعرف تطورا كبيرا في السنوات القليلة المقبلة”، ملتمسة مواكبة وتتبع هذه الاتفاقية لتنزيلها على عجل.
مستشفى جامعي بالرشيدية
بإعلان الحكومة عزمها إحداث مستشفى جامعي بالرشيدية، تنفست الساكنة الصعداء، حيث كشف العديد من المواطنين أن هذه الخطوة يمكن اعتبارها بادرة خير لمستقبل أفضل بخصوص المنظومة الصحية بجهة درعة تافيلالت، موضحين أن مستشفى جامعي بالرشيدية (جهة درعة تافيلالت) كان من أهم الانتظارات.
“جريدة هسبريس الإلكترونية بدورها لها الفضل في إخراج المستشفى الجامعي إلى الوجود، حيث كتبت عشرات المقالات حول المنظومة الصحية بالجهة ونقلت مطالب المواطنين بإحداث مستشفى جامعي وكلية للطب والصيدلة”، يقول عادل بنيحيى، من أبناء مدينة ميدلت، الذي أكد أن “الإعلام يجب أن يكون وسيلة لإيصال هموم المواطنين وإنجازات المسؤولين”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “الحكومة مدعوة وبشكل مستعجل لتسريع إنجاز هذا المستشفى الجامعي ليكون جاهزا في السنوات المقبلة، أي قبل متم الولاية الحكومية الحالية”، موضحا أن “هذا المشروع سيحسب للحكومة الحالية التي بادرت بإخراجه إلى الوجود في ظل تداعيات الأزمة التي تمر منها البلاد ودول بلدان العام”، وفق تعبيره.
وأجمع عدد من الطلاب الحاصلين على أعلى معدلات بجهة درعة تافيلالت في السنوات الماضية على أن حلمهم كان هو ولوج مهنة الطب، إلا أن الجهة لا تتوفر على كليات للطب ولا على مستشفى جامعي، ما دفعهم إلى ولوج الجامعات لكون أسرهم فقيرة غير قادرة على توفير المصاريف الكافية التي يتطلبها تعلم الطب في كليات بعيدة عن مساكنهم أو خاصة، مشيرين إلى أن المبادرة الحالية دليل على العناية التي أصبحت توليها الحكومة لأبناء هذه الربوع المهمشة لعقود من الزمن.