قال عبد الحميد جماهري، في عموده كسر الخاطر، الذي عنونه ب ” دبلوماسية أمنية فوق العادة” ضمن عدد السبت/الأحد من يومية الاتحاد الاشتراكي، إن الزيارة التي قام بها عبد اللطيف حموشي للولايات المتحدة الأمريكية خلال هذا الأسبوع، تكتسي طابعا خاصا للغاية، لأنها تحمل في طياتها العديد من الرسائل أبرزها أن الجهاز الأمني المغربي قادر على ممارسة دبلوماسية أمنية تعود بالنفع على البلاد وتحقق تحول عميق في علاقة المملكة بالقوى العظمى في العالم.
وكتب جماهري:
عرف الأسبوع الذي ودعناه، في الفترة ما بين 10 و 14 يونيو، أربعة لقائات عقدها المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي، وهي تكتسي طبيعة خاصة للغاية… بل إن جوهرها، في تقدير العبد الضعيف إلى رحمة ربه، يكمن في تأشيرها على قدرة جهاز أمن مغربي في تحقيق تحول عميق في العلاقة بين البلاد والقوى العظمى.. عبر ثلاثة اجتماعات في قلب الولايات المتحدة ومؤسساتها المركزية، ولقاء سابق عنها تم مع المدير العام للشرطة الألمانية…
وإذا كان العنوان الكبير لهذه «الديبلوماسية الأمنية»، إذا شئنا التعبير، هو تكريس التعاون في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، فإن لكل اجتماع بصمته وسياقه ومرجعيته في العمل الأمني المغربي، تجاوزه إلى خلق الثقة في ربح رهانات عجزت عنها كبريات الأجهزة الدولية، في سياق عالمي متسم بتطور الإجرام وبتعدده، و «بمنافسات» تعطل التعاون الدولي، وقد تفسر الكثير من العداء والتهجم الذي تتعرض له أجهزة أثبتت وطنيتها العالية، من طرف منافساتها في المحفل الدولي الاستخباراتي.
بالنسبة للولايات المتحدة كان عبد اللطيف حموشي أمام ثلاثة من كبار المخاطبين الأمنيين في واشنطن.. وكل جهاز من الأجهزة التي مثلوها، يعتبر بحد ذاته تاريخا قائم الذات وتجربة عادة ما يتم استلهامها في بناء الأجهزة عبر العالم والرفع من أدائها وتطوير نجاحاتها.
غير أن الذي حدث، في العمق، هو أن الجهاز المغربي كان يجلس جلسة الندية مع هذه الأجهزة مجتمعة.. جلسات عمل ومباحثات تمت مع أفريل هاينز مديرة أجهزة الاستخبارات الوطنية، ومع مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، وكان في كل لقاء يتكرس المغرب كشريك وليس غير ذلك…
شريك في أخطر ما يواجهه العالم، في الإرهاب وخارطته الشاسعة، التي تبدأ من الساحل وجنوب الصحراء وتمتد إلى أوروبا ومرورا بالشرق الأوسط. وهي خارطة الطريق الشامل عند اندلاع أي دورة إرهابية جديدة في العالم.
والاطلاع على مواطن التعاون وسبله، سيكشف بأن للمغرب ما يقدمه للولايات المتحدة، لهذا تختاره شریکا استراتيجيا، كلما استدعى الأمر العمل الناجع والميداني، بل يحسم الاختيار الأمريكي الاستراتيجي بالنسبة لمن تراه واشنطن أهلا في الحرب على الإرهاب.. وما ميز البلاغ الصادر بالمناسبة هو كون اللقاءات تميزت أيضا بتقابل الخبرات، والمعلومات: وهنا يكون المغرب مصدرا للأمن وأيضا مُصدرا له!
وتميزت هذه الزيارة كذلك، يشير البلاع، «بتبادل الخبرات والتجارب وتقاسم المعلومات ذات الصلة بمكافحة التنظيمات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة»، وهو ما يكشف لنا بأن الجهاز المغربي الأمني لديه بنك معلومات ينفع الولايات المتحدة، وليس فقط شريكا يستفيد من تطورات الأجهزة الأمريكية ذات السمعة العالمية، والتي غطت الواقع والخيال معا بالنسبة للبشرية جمعاء…
لقد كشفت تقارير أمريكية سابقة، منها تقارير الخارجية الأمريكية عن طبيعة التطور المغربي، والاستعداد الكبير لتقديم المعلومة الأمنية وخدمة الاستقرار، بل يكون المغرب قد أبرز بأنه الشريك الاستراتيجي الوحيد في الشمال الإفريقي وغرب المتوسط الذي يجعل من خدمة الأمن الإقليمي ثابتا بنيويا في سياسته، لا يتأثر أحيانا حتى بالخلافات التي تتم مع شركائه كما هو حال إسبانيا مثلا إبان الأزمة..
وإذا كان اللقاء الرابع، مع المدير العام للشرطة الاتحادية بدولة ألمانيا دییتر رومان يختلف في طبيعته ودرجته عن سابقيه، فإن سياقه وطبيعة العلاقات المغربية الحالية تعطيه رمزية خاصة. وقد لا تختلف البلاغات التي أعقبته في بعض مضامينها عن بلاغات الأجهزة الأمريكية، لكن الذي يسترعي انتباه المتابع والرأي العام في الدولتين هو « إشادة رئيس الوفد الألماني بالدور البارز الذي تضطلع به المملكة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب، مثمنا عاليا المعلومات التي قدمتها المصالح الأمنية المغربية في وقت سابق لألمانيا بخصوص التهديدات المرتبطة بالخطر الإرهابي ».
عبد اللطيف حموشي فتح أفقا مستقبليا لهذا التعاون، عندما شدد «علی انخراط واستعداد مصالح المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني لتطوير التعاون، بما يضمن توطيد الأمن والاستقرار، وتحقيق التصدي الحازم لمختلف التهديدات والمخاطر الإجرامية»…
ولعل من المهم بالنسبة للعديد من مؤسسات الدولة أن تسارع على خطى الأمن لأن يبرز.. دورها في التأثير على عواصم أوربية بخصوص قضيتنا الوطنية الأولى. كما برز تميزها في الاصطفاف إلى جانب المغرب، بدون عقدة أو استعلاء.
هذه اللقاءات، لا شك أنها تذكرنا بمبادرات ومهام أخرى ذات علاقة بالأداء الذي أصبح الأمن يقدمه لبلادنا في إسماع صوتها في قضاياها المصيرية، وهذا تحول عميق في الوظيفة الأمنية ( سمیناها سرديات أمنية جديدة ) يجعل البراديغم الأمني يأخذ صيغة أخرى، يساهم في هوية مغربية عابرة للقارات تجاوزت طور التشكل وأصبحت مخاطبا دوليا.
يمكن لكل مغربي أن يضيف إلى هذه اللائحة بنودا أخرى، تزيد من الثقة في الجهاز الوطني الخاص بالأمن والاستخبارات، والتي تعبر عنها بالفعل ميولات المواطنين واستطلاعات الرأي بخصوصها، لكنها ثقة لا تقف عند الحدود الوطنية بل تتعداها إلى أجهزة ودول لها تاريخ طويل في علم الأمن والإجرام والتهديدات الدولية..
ولعل الصور التي تداولها المغاربة حول الزيارة التي قام بها حموشي إلى ملاعب موندیال قطر، قبل التاريخ الخاص بلقاءاته الأمنية، كانت تؤرخ لعاطفتهم، بدون لف ولا دوران، التي تعتز بحضور الأمن المغربي في أكبر قداس رياضي في الكون، وحصوله على ثقة المنظمين في ضمان السير العادي، أي السير الرياضي النبيل، وسط منطقة لا تخفى خطورتها بالنسبة للحياة اليومية بالأحرى بوجود ملايين القادمين من مختلف بلاد المعمور….
نحن أمام قصة نجاح وطنية، لها انعكاسات مصيرية بخصوص تطورات قضيتنا الكونية، فنحن لا ننسى بأننا تعرضنا لإحدى أكبر المؤامرات في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، تمثلت في محاولة تفكيك الدولة والتراب وتقسيم المغرب، وأن التعاطي مع كل قضايانا من هذه الزاوية الحصرية، هو الذي يجعلنا نقدر مجهودات المؤسسات والأفراد ونضعهم في المكان الذي يستحقونه في عروش العاطفة.. جنبا إلى جنب في حرارة الوطنية وليس غير ذلك!