أدعو كل من يفهم اللغة الإسبانية إلى قراءة مقال نشرته صحيفة “الباييس” يوم الجمعة 10 يونيو 2022 لصاحبته لوث غوميس غارسيا. LUZ GÓMEZ GARCÍA المقال ينتقد “تسرع” الحكومة الإسبانية حينما غيرت موقفها من قضية الصحراء، كما أن كاتبته تلتمس كل الأعذار الممكنة للقيادة الجزائرية في تعاملها المتشنج مع إسبانيا.
بالطبع ما كتبته المستعربة لوث غارسيا هو رأيها، وهو رأي يحترم على كل حال، ولكن بحكم أنها كتبت مقالتها بصفتها خبيرة في منطقة المغرب العربي، وباعتبارها ذكرت مجموعة من المعلومات التي تزمع من خلالها إعطاء مرجعية علمية دقيقة تستند عليها، فإنني سأقف هنا فقط عند هذه المعلومات التي تتجلى، بعد قراءة ولو سطحية للأحداث المذكورة، كمقاربة منحازة لأطروحة معينة غابت عنها الموضوعية نهائيا لتحل محلها الأفكار المسبقة التي عودنا عليها الإعلام الإسباني للأسف.
الفقرات الأولى من المقالة تؤكد أننا أمام كاتبة لها موقف معادٍ للمغرب، حيث تتحدث عن اللامبالاة التي تعاملت بها تاريخيا إسبانيا مع جارتها الجزائر وكأنها “أخت مسجونة بين مغرب متقلب ومخادع وفرنسا التي تفرض مصالحها بالقوة. شيء من هذا يفسر الخطأ الفادح الذي ارتكبته الحكومة الإسبانية”. عاشت الموضوعية في التحليل!!
بعد ذلك تمر للحديث عن كون “الصحراء الغربية محتلة من طرف المغرب ليس اختراعا جزائريا، بل هي كذلك بموجب قراري الأمم المتحدة 34/39 لعام 1979 و35/19 لعام 1980”. وعاشت الدقة هذه المرة!!!
هذه هي المشكلة الحقيقية لبعض صناع الرأي في إسبانيا. الوقوف عند نصف الحقائق من باب “ويل للمصلين” مشكل كبير على النخبة الإسبانية تجاوزه. قراءة وضع معقد مثل ذلك الذي أفرزته قضية الصحراء بهذه البساطة، وعدم رؤية الأسباب الحقيقية، والمحاججة بقرارات ضبابية تؤكد أننا أمام أناس سذج أو سيئي النية.
ماذا لو تساءلت الأستاذة غارسيا عمن وضع الصحراء الغربية في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتيا؟ أي موسوعة، بما فيها “ويكيبيديا”، ستقول لها إنه المغرب سنة 1963. البوليساريو تم إنشاؤها عشر سنوات بعد ذلك. على المستعربة فقط العودة إلى النسخة العربية أو الفرنسية أو أي لغة أخرى لكي تحصل على هذه المعلومة. النسخة الإسبانية تتحدث عن قرار ضبابي تم إصداره في 1960، ولكني لم أجد فيه أي إشارة إلى الصحراء الغربية، كما أنها لا تتحدث بتاتا عن قرار 1963. والله أعلم!!
إن اقصى ما يمكن أن يقال هو أننا في منطقة متنازع عليها. الحديث عن “احتلال مغربي” هو دليل على جهل تام بأبجديات الإعلام والسياسة الدولية وكل ما له علاقة بانتقاء الكلمات ساعة الحديث عن موضوع شائك مثل قضية الصحراء.
ثم لو قرأت السيدة غارسيا قرارات مجلس الأمن الأخيرة لفهمت أن أمورا كثيرة تغيرت، وأن موقف سانشيز نابع من فهم الدولة العميقة في إسبانيا بأن مشكل الصحراء أصبح عائقا كبيرا أمام بناء علاقات طبيعية بين شمال المتوسط وجنوبه.
في السياسة الدولية هناك عرف متفق عليه: أي حل غير قابل للتطبيق ليس حلا. الأغلبية العظمى من المغاربة من طنجة إلى الكويرة يؤمنون بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من أراضيهم. المغرب موجود فعليا على الأرض ومن زار الصحراء مثلي يعرف أن الحياة هناك طبيعية، ومع ذلك الدولة مستعدة لتقديم تنازلات.
كما لا أنكر أن هناك إخوة لنا صحراويين يريدون الاستقلال. من يطالب به منهم بدون عنف يعيش بين ظهرانينا اليوم في أمن وأمان، وهو ما يجب أن يكون في دولة تسعى لكي تكون ديمقراطية، رغم ما يعنيه ذلك من استفزاز لمشاعر الأغلبية.
هناك كذلك البوليساريو وجمهوريته التندوفية، الذي لم نعد نسمع له صوتا منذ أن افتضحت اللعبة وقررت الطغمة الحاكمة في الجزائر الخروج بوجه مكشوف للدفاع عن “قضية الشعب الصحراوي ومبدأ تقرير المصير وحقوق الإنسان…” الخ من الشعارات التي ترددها بهستيرية وسائل البروباغندا في الجارة الشرقية.
في هذا السياق المعقد جدا، رغم أن كل شيء أصبح واضحا لمن يريد أن يرى، تستمر الدولة المغربية (بحسن نية أو بعدمها، فنحن في عالم السياسة) في الترويج لاقتراحها المتعلق بالحكم الذاتي للمنطقة، والهادف في نهاية الأمر إلى الحفاظ على ماء وجه الجميع، الأمر الذي بدأ العالم كله يقتنع به كحل وحيد وأوحد إلا دولة واحدة.
من هنا دعوة الرباط لهذه الدولة الجارة بالجلوس على طاولة المفاوضات، باعتبارها الطرف الحقيقي الذي افتعل هذه الأزمة منذ خمسة عقود تقريبا، والذي لا يريد لها أن تنتهي: النظام الجزائري.
هذا النظام أكد بردود فعله المتشنجة حيال إسبانيا هذه المرة، ما كان يردده المغرب منذ بداية النزاع بأن حكام الجزائر لا يمكنهم الاستمرار في لعبة “كاش كاش”، متسترين وراء شعارات فارغة إلى الأبد، وأن عليهم التفاوض بشجاعة لكي يتم حل هذه الأزمة المزمنة، الأمر الذي فهمه العالم بأسره أخيرا إلا الأكاديمية الجليلة الأستاذة الجهبيذة لوث غوميس غارسيا.