قال جون بول شانيولود أنه على الصعيدين الجيوسياسي والجيوبوليتيكي، نجحت هجمات حركة حماس في إعادة قضية الشعب الفلسطيني إلى المرتبة الأولى كقضية مركزية في منطقة الشرق الأوسط بعدما كانت قد تم تهميشها تماماً.
وأوضح الأستاذ الجامعي الفخري، ومدير مجلة كونفليونس، ورئيس معهد الأبحاث والدراسات البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط (iReMMO)، في حوار نشر على مجلة ألتيرناتيف إيكونوميك، أن هذه القضية تؤثر على خمسة ملايين شخص يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى الملايين من اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين أساساً في عدة دول في المنطقة (لبنان، الأردن، سوريا…)، مشيرا إلى أنه من المرجح أن تعرقل عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة مشروع التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو مشروع تبنته به الولايات المتحدة منذ عدة أشهر على غرار اتفاقات أبراهام التي تم التوقيع عليها في سبتمبر 2020.
وردا على سؤال حول كيف أصبحت إسرائيل كقوة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية، فجأة ضعيفة عسكريا وهزمت من قبل حركة غير حكومية مثل حماس؟، أجاب الباحث أنه عند الحديث في هذا السياق يجب أولًا إضافة مصطلح: إسرائيل هي قوة احتلال بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأنها تحتل الضفة الغربية منذ حرب الأيام الستة عام 1967. كما احتلت أيضًا قطاع غزة ابتداءً من تلك الفترة. بالطبع، قامت بإخلاء هذا الإقليم في عام 2005، تحت حكومة آرييل شارون، ولكنها منذ ذلك الحين تحاصره وتفرض عليه حصارًا.
وأضاف الباحث أنه بالفعل إسرائيل هي قوة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية، وفي ظل هذه الظروف، يمكن أن نتساءل كيف لم تتمكن من التصدي لهجوم حماس في 7 أكتوبر الماضي، موضحا أنه هناك العديد من المستويات التي يمكن اللجوء إليها لشرح ما حصل، مثل احتمال فشل أجهزة الاستخبارات، على الرغم من سمعتها بأنها من بين أفضل أجهزة الاستخبارات في العالم، مشيرا إلى أن هناك العديد من النقاشات في إسرائيل حول هذا الفشل المحتمل وأسبابه، ولكن حتى الآن لا يمكن لأحد تقديم تفسيرات مدعومة بالأدلة.
وأشار الباحث إلى أن المستوى الثاني للشرح الممكن هو أن أجهزة الاستخبارات كانت تمتلك معلومات، ولكن القادة السياسيين لم يأخذوها في اعتبارهم لأن حكومة بنيامين نتنياهو، التي شكلت في ديسمبر 2022 والتي تضم أحزابًا من اليمين المتطرف، كانت مشغولة بمواضيع أخرى، مثل دعم المستوطنين اليهود في الضفة الغربية أو إصلاح القضاء، الذي اعترض عليه كثيرون في البلاد.
ذكر الباحث أنه خلال الأشهر الأخيرة، قبل طوفان الأقصى، تم نقل العديد من الجنود إلى شمال الضفة الغربية (نابلس، جنين…) لحماية المستوطنين، بما في ذلك بعضهم قام بقتل فلسطينيين، ومكافحة مجموعات صغيرة مسلحة فلسطينية نشطة في هذه المنطقة. مشيرا أن هذا النقل للقوات أفرغ محيط غزة.
وانتقل الباحث إلى المستوى الثالث للتفسير الممكن لما حصل، معتبرا أنه هو التفسير الذي يميل إليه، هو أن حكومة إسرائيل اعتقدت أنها كانت تسيطر على الوضع في غزة، وذلك بفضل الضربات التي شنتها على مر السنوات على بنية المؤسسات لحركة حماس في غزة والوسائل المتطورة للمراقبة التي تتوفر عليها، مثل الحاجز الأمني الإلكتروني أو نظام دومينيوس الصاروخي الدفاعي الذي نصبته إسرائيل حول القطاع، مشيرا أنه خلال هجوم 7 أكتوبر، هذه الوسائل المتطورة للمراقبة تبينت محدوديتها أمام الهجوم المفاجئ لمقاتلي حماس وإطلاق صاروخي كثيف من قبل الحركة الإسلامية للتشبع بنظام دومينيوس الصاروخي.
وخلص الباحث إلى أن حركة حماس هي “أفضل عدو” لبنيامين نتنياهو، موضحا أن تصعيد أعمال الحركة الإسلامية يتيح لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مبررات لسياسته، مذكر في هذا الباب أنه في الوقت الذي تم فيه توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993 بين إسرائيل برئاسة إسحاق رابين ومنظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، كان هناك صراعان سياسيان رئيسيان. حيث قامت حماس بالعديد من الهجمات بهدف عرقلة العملية، ومن ناحية أخرى، قام أفراد من اليمين الديني المتطرف باغتيال إسحاق رابين في نوفمبر 1995.
وأبرز الباحث أن أعضاء من نفس اليمين الديني المتطرف هم اليوم حلفاء لبنيامين نتنياهو وأعضاء في حكومته، مثل إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، وبيزاليل سموتريتش المسؤول عن المالية. مضيفا أنه في عام 1996، عندما تولى بنيامين نتنياهو منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى مع تشكيل حكومي لم يتضمن ممثلين لتلك الجماعات المتطرفة، أعلن بنفسه أن حل الدولتين المُخطَط له في اتفاقيات أوسلو ليس حلاً بل هو المشكلة.
وفي سياق متصل أوضح الباحث أن اتفاقيات التطبيع التي أقامت بموجبها عدة دول عربية، بقيادة الإمارات العربية المتحدة، علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مبنية على فكرة أنه من الممكن تحقيق استثمارات ضخمة في الأراضي الفلسطينية، مما يمكن أن يؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويقنع السكان بالتخلي عن رغبتهم في تحقيق حق تقرير المصير الخاص بهم، معتبر أن هذا أمر زائف تمامًا، وأنه حتى إذا كان هناك تحسين في وضعهم اليومي ،يمكن أن يخفف هذا الوضع لحظياً عن الشعب، ولكنه لن ينسى إرادته بأن يتولى حكم نفسه في إطار دولة ذات سيادة.
وأضاف الباحث أن حماس يمكن محاولة التفاوض على إطلاق سراح إسرائيليين محتجزين مقابل إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين محتجزين في إسرائيل، حيث يبلغ عددهم حوالي 4500 شخص ومعظمهم لا ينتمون إلى حماس، متسائلا عما إذا كانت إسرائيل ستتمكن من رفض مفاوضات من هذا النوع، علما أن الدولة العبرية كانت مسألة عودة الأسرى المدنيين والعسكريين دائمًا أولوية مطلقة، مضيفا أنه في كل الأحوال، وجود هؤلاء الرهائن في قطاع غزة يجعل الهجوم الذي شنته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بعد هجوم 7 أكتوبر أكثر صعوبة بكثير.
وأوضح الباحث أن الحكومة الاسرائيلية التي تضم صفوفها متطرفين عنصريين، لم ترغب أبدًا في الاعتراف بالفلسطينيين ككيان سياسي، وبالتالي لم تتفاوض مع من يمثلهم، مشيرا إلى أن ما ترغب فيه هو سحقهم. وأن سياق الهجوم في 7 أكتوبر شكل بالنسبة لها فرصة مواتية لمثل هذا المشروع، حيث أعلن وزير الدفاع، يوآف جالانت، أنه يجب الذهاب إلى النهاية لأن إسرائيل تواجه “حيوانات بشرية”، وتساءل الباحث إلى نهاية من ماذا؟
وأبرز الباحث أن المنطق الذي يقوم عليه المشروع الذي تنهجه إسرائيل يستند إلى صيغة تمارس منذ وقت طويل من الجماعات اليمينية واليمين المتطرف الإسرائيلي عموما وهو أن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة، وإذا لم تكن هذه القوة ناجحة، فهذا يعني أنها لم تستعمل بما يكفي، مشيرا إلى الحكومة الإسرائيلية تتلقى في الواقع تشجيعا للمضي في هذا المشروع من قبل الدول الغربية، التي تنظر إلى الصراع الحالي كصراع بين الديمقراطية والحركات الارهابية الإسلامية التي تهاجمها، معتبرا أن هذا هو منظار ضيق للغاية، لأن إسرائيل بالفعل قوة احتلال وتواجه خصمًا يخوض الحرب ضدها بسبب هذا الاحتلال، وأن الاعتراف بذلك لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من حجم الجرائم الحربية التي ارتكبها حماس.
وخلص الباحث إلى أن حل الدولتين وإن كان يبدو يوتوبيا اليوم، غير أن حل الدولة الواحدة لا يعني شيئا، متسائلا كيف يمكن تصور أن يقبل اليهود الإسرائيليون الاندماج في دولة لا يشكلون فيها أغلبية، لأن عددهم سبعة ملايين وعدد الفلسطينيين سبعة ملايين أيضا، مشيرا إلى أن الدولة الوحيدة المقبولة بالنسبة لليهود الإسرائيليين هي دولة ابارتهايد خالصة بمواطنين لديهم حقوق متباينة بناء على اختلاف أصولهم.