كتاب جديد يندرج ضمن مشروع التنظير لـ”أنثروبولوجيا عربية” وقعه عالم الإناسة والاجتماع البارز عبد الله حمودي، الذي ارتبط اسمه بكتاب “الشيخ والمريد” وجامعة برينستون الأمريكية.
“ما قبل الحداثة” هو عنوان هذا الكتاب الجديد، الذي اختار له حمودي عنوانا فرعيا هو “اجتهادات في تصور علوم اجتماعية عربية”.
ومشروع “الأنثروبولوجيا العربية” بسط حمودي معالمه في كتاب “المسافة والتحليل”، ويعني به أنثروبولوجيا مكتوبة بالعربية، تتحدى الهيمنة الغربية، وتعنى بالمجتمعات التي تجمعها هذه اللغة، وتطرح بديلا يبحث بشكل مقارن في الإنتاجات الأجنبية حول المنطقة المغاربية والعربية، خاصة الأنثروبولوجيا الفرنسية والإنجليزية، ورؤية باحثي المنطقة ومثقفيها، عبر التاريخ، لأنفسهم من أجل محاولة فهم جديد لا تقتصر الكتابة حوله على اللغة العربية، بل تمتد إلى لغات أخرى، أهمها الإنجليزية.
ومع وراثة الباحث اليوم “العلوم الاجتماعية عن المسار المعرفي الغربي” مع وراثته “أزماتها ومحاولات إعادة تشكيلها في الظرف الراهن”، يرى حمودي أنه من الضروري الرجوع إلى إنتاجات “ما قبل الحداثة” بهدف “تصور علوم اجتماعية متجددة”.
هذا الرجوع، هو فحص لرصيد “كانت الحداثة، المؤسِّسة لعلوم الإنسان والمجتمع، قد صنفته في خانة التقليد الذي سبقها، أو تساكن معها في علاقة تراتبية تهيمن فيها الخطابات الحداثية ومفاهيمها كما مناهجها على الأرصدة التي سبقتها”، وبالتالي يدعو الأنثروبولوجي إلى “رجوع يواكبه مجهود نقدي”، يفصل معالمه في الكتاب السابق والجديد.
هذا الرجوع مقصده الأهم هو “إعادة قراءة المؤلِّفين العرب بهدف آخر، ألا وهو التفكير معهم وضدهم، والتفكير بفضلهم والتفكير بأفكارهم ومن خلال أفكارهم (…) ونبدع من صلب منجزاتهم كتراث معاصر حي”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قال عبد الله حمودي إنه يتابع في هذا الكتاب الجديد “المشروع الذي تكلّمت عنه منذ سنين، وكتبت حوله كتاب (المسافة والتحليل)، ومهمته تعميق البحث في مشروع ما سميته (أنثروبولوجيا عربية) و(العلوم الاجتماعية العربية الجديدة)”.
وحول عنوان “ما قبل الحداثة”، ذكر حمودي أن الداعي إليه هو سؤال “هل هناك فيما سمي ما قبل الحداثة، بالنسبة للكتابات العربية، معارف وعلوم لا بد من الرجوع إليها والانطلاق منها لتأسيس علوم اجتماعية جديدة في مقابلة مع المعارف الاجتماعية الغربية والأوروبية أساسا والأمريكية النابعة من الحداثة؟”.
وقال حمودي: “ليس هذا رفضا للحداثة والعلوم، بل هو جانب من هذا المشروع التأسيسي، في نقد ونقاش مع رواد علم الاجتماع الأوروبي، وهو كتاب يحاول البناء بدمج الكتابات والمحاولات الأوروبية والعربية دائما بفكر نقدي”.
وأضاف أن “ما بعد الحداثة والرجوع إلى التراث المكتوب المدون باللغة العربية، ليس معناه أن نقول إننا كنا سابقين، نعم كنا كذلك وهذا شيء كبير، لكن المهم عندي هو ما البناء الجديد الممكن من هذا الرجوع إلى ما قبل الحداثة دون نفي لما جاءت به الحداثة، بل نقاش معه، مع الرجوع إلى مرجعية أخرى هي المكتوب العربي والمعارف العربية وكيفية البناء عليها في نقاش مع المعارف التي أتت بها أوروبا”.
ولا يدعو الأنثروبولوجي ذاته إلى “أصل واحد، أو الأساس الإسلامي للعلوم الاجتماعية” دون نفي “المرجعية الإسلامية، فمنذ قرون اعترف المسلمون والإسلام بمكانة خاصة للعلوم المؤسسة على العقل”.
هذا الجزء الثاني من المشروع، بداية، حسب صاحبه، “بعدما بدأته مع ابن خلدون في فصل من فصول (المسافة والتحليل)، وأعود في الكتاب الجديد إلى البيروني وكتاباته حول الهند، وتحليل وإعادة قراءة للبيروني كمؤسس”.
وواصل عبد الله حمودي: “كَتب البيروني كتابا غير معروف كثيرا في الخزانة العربية، باللغة العربية، مع أنه من بلخ، أي مما اليوم يسمى أوزباكستان، في القرن الحادي عشر”.
وحول “تراث الرحالة الغني”، قال حمودي إنه يقرأ اليوم ابن بطوطة ويأمل أن يكمل الاشتغال عليه، و”يشجع الباحثين والباحثات العرب، وغير العرب ممن يدونون باللغة العربية، للرجوع إلى هذا التراث الغني كأساس، من بين أساسَين، أراهما ضروريين في سبيل تأسيس وتجديد الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية بصفة عامة”.