“عندما تقل المياه التي يتوفر عليها بلد ما عن 1000 متر مكعب للفرد سنويا، فإنه يعتبر في وضعية خصاص في الموارد المائية. أما في المغرب فإن الوضع قد أصبح مقلقا على اعتبار أن موارده المائية تقدر حاليا بأقل من 650 مترا مكعبا للفرد سنويا، مقابل 2500 متر مكعـب سنة 1960، ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030”. بهذه المعطيات دق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ناقوس الخطر من وضعية ندرة المياه، منذ سنة 2019, محذرا من أن تؤول الأوضاع إلى ما هو أسوأ مستقبلا.
وكانت وزارة التجهيز والماء أطلقت قبل أيام حملة لتوعية مختلف المواطنين بضرورة الحد من تبذير المياه، وذلك نظرا لوضعية الإجهاد المائي الذي تواجهه المملكة وبناء على قرارات حكومية.
وأوضحت الوزارة، في بلاغ لها، أن المغرب في حالة طوارئ مائية؛ إذ في الوقت الذي تتناقص فيه الموارد المائية يعرف منحنى استهلاك المياه بين المستخدمين ارتفاعا، مضيفا أنه “أمام هذا الوضع، فمن الضروري، اليوم، أن ندعو إلى التوقف عن ممارسة أي شكل من أشكال تبذير الماء”، حفاظا على الموارد الحالية ومن أجل ضمان التوزيع العادل للمياه لفائدة الجميع.
وعلى الرغم من السياسة التي انتهجها المغرب طيلة أربعة عقود والمتمثلة في تشييد السدود لضمان الأمن المائي وتنويع برامجه للحد من أزمة ندرة المياه، إضافة إلى إصدار قوانين تضمن الحق في الماء لجميع المواطنين؛ فإن تلك السياسات لم تفلح في الدفع بالصدمة المائية التي تواجهها البلاد حاليا.
وتضمن العرض الذي افتتح به نزار بركة، وزير التجهيز والماء، المنتدى الدولي حول “الآفاق الترابية لتعزيز ترابط الماء والطاقة والأمن الغذائي”، في الـ27 من شهر يونيو المنصرم، إقرارا بالأزمة؛ فقد أكد المسؤول الحكومي أن التدبير المندمج بين الماء والفلاحة والطاقة يحقق نجاعة أكثر في إنجاز المشاريع المرتبطة بهذه القطاعات الثلاثة الحيوية والضرورية لتطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن المائي والطاقي والغذائي في ظل التغير المناخي ومن أجل تحقيق تنمية مستدامة.
وحسب ما استعرضه الوزير، فإن المغرب تمكن من تشييد بنية تحتية مائية مهمة موزعة جغرافيا على كل جهات المملكة، حيث يتوفر على رصيد من المنشآت المائية متمثلة في 149 سدا كبيرا بسعة إجمالية تفوق 19 مليار مكعب، و16 سدا كبيرا في طور الإنجاز، و136 سدا صغيرا في طور الاستغلال، و16 منشأة لتحويل ونقل المياه، وآلاف الآبار والأثقاب المائية، و9 محطات لتحلية مياه البحر، و158 محطة لمعالجة المياه العادمة، إضافة إلى إنتاج الطاقة الكهرومائية.
ولفت بركة إلى أن تطوير وتنمية قطاع الماء يتطلب موارد طاقية إضافية في ظل التغيرات المناخية وتقلص الموارد المائية مقابل تزايد الطلب على الماء في المجال الفلاحي، مشيرا إلى أن هذا الوضع يتطلب تعبئة موارد مائية إضافية مستهلكة للطاقة كتحلية مياه البحر لإنتاج حوالي مليار متر مكعب سنويا، وتحويل فائض المياه والربط بين الأحواض.
وإجابة عن التساؤلات عما إذا كانت البنية التحتية المائية في المغرب، سواء تلك المنجزة أو تلك التي في طور الإنجاز، قادرة على الوقوف في وجه الصدمة المائية أو على الأقل التخفيف منها، قالت نادية حمايتي، الباحثة في شؤون المناخ، في تصريح لهسبريس, إن الإعلان عن أزمة الماء هو في حد ذاته اعتراف بعدم قدرة البنية التحتية على التحمل وأنه يجب صيانتها مع إحداث بنية جديدة مرتكزة بالأساس على التكنولوجيات الحديثة والابتعاد عن النمط التقليدي المتبع, والاستعانة بتجارب أثبتت فعاليتها كاستغلال الضباب من أجل توفير الماء أو كإعادة استخراج الماء من الأوحال التي تترسب في السدود.
وأكدت الباحثة أنه يجب الحد من سياسة قطع الأشجار التي تلعب دورا مهما في التغير المناخي, كما أنه يجب التنبه إلى توفير حماية بيولوجية أثناء عملية تحلية مياه البحر من أجل الحفاظ على التوازنات البيئية حتى لا ننتصر لحل على حساب مشكل آخر.
ولأن المغرب سجل، خلال العام الحالي، تراجعا في الواردات من الماء بنسبة 59 في المائة؛ وهو ما انعكس على نسبة ملء السدود، البالغة إلى حدود الآن 34 في المائة.
وحسب وزارة التجهيز والماء، شكل هذا التراجع في الواردات المائية ضغطا كبيرا، لا سيما أن البلاد قد تشهد سنوات من الجفاف والفيضانات تبعا للتغيرات المناخية؛ وهو ما يتطلب حماية العديد من المناطق.
من جهة أخرى، يثار جدل بين المستهلكين وسخط لدى الفلاحين الذين يعتبرون الزراعات الدخيلة سببا في استنزاف الفرشة المائية، لا سيما أن الدراسات كشفت أن نسبة الاستهلاك الأسري والقطاع الصناعي معا لا تتعدى 20 في المائة؛ في حين يستهلك قطاع الري لوحده 80 في المائة، مما يكون معه القطاع الفلاحي المتضرر الأول.
وحول التساؤلات التي تطرح عن دور جمعيات حماية المستهلك في هذا الشأن، قال وديع مديح, رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، في تصريح لهسبريس, أن التنسيق سار مع الجمعيات ويتم عقد اجتماعات مع القطاعات المعنية كوزارة الانتقال الطاقي من أجل المساهمة في الحد من الأزمة الآنية للماء ودراسة سبل الخروج منها.
ولفت الفاعل المدني ذاته إلى أن أزمة الماء ليست وليدة اللحظة، إذ لطالما كانت هناك حملات تحسيسية وتوعوية خصوصا في بعض جهات المملكة التي كانت تعرف انقطاعا متكررا في الماء، إلا أنه ستكون مكثفة في الظرفية الراهنة.
وفيما يخص جبر ضرر المستهلك، أكد رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك أنه إلى جانب الأدوار المنوطة بالجمعيات المتمثلة في إرشاد المستهلك وتوجيهه في حالة وقوع نزاعات الاستهلاك، فهي تتلقى بدورها شكايات المستهلكين؛ منها ما تتم مواكبتها من قبل الجمعيات، إذا كانت تدخل في نطاق اختصاصها، وإن كان العكس فهي تواكب الشكايات وتتوسط من أجل إيصالها إلى الجهات المكلفة بمعالجتها من أجل ضمان تزود المستهلك بالماء.
-
صحافية متدربة