دعا المشاركون في أشغال الجامعة الصيفية المغاربية، التي اختتمت، السبت، بمدينة مراكش، إلى استحضار المجال القروي وانتظاراته في السياسات العمومية، مؤكدين أهمية الفكر والثقافة، بروافدها الفنية والإبداعية، في إرساء عدالة مجالية شاملة ومستدامة، واستثمار الإمكانيات السياحية التي تزخر بها عدد من المناطق المغربية في إطار الحد من الفوارق المجالية. كما أكدوا على أهمية رسم سياسات تدعم الأمن الغذائي والمائي في ظل التحديات البيئية والتحولات الدولية المتسارعة.
وأجمع الباحثون بمؤسسات علمية متنوعة بدول المغرب العربي، خلال دورة 2022، التي نظمت من طرف منظمة “العمل المغاربي”، بشراكة مع مؤسسة “هانس زايدل”، حول إشكالية “الشباب والعدالة المجالية”، على أهمية الممارسة الديمقراطية كقاطرة لتعزيز العدالة المجالية التي تدعم تحقيق التنمية، والتأكيد على دور النخب المحلية والنخب الإدارية والمدنية في كسب رهان العدالة المجالية.
توفير شروط العيش الكريم بالقرية من خلال سياسة تنموية تعتمد بالأساس على خدمات القرب، ومن خلال سياسة اجتماعية تحول دون هجرة سكان القرى والمداشر والهوامش إلى المدينة، وجعل العدالة المجالية ترتبط بالخصوصيات الجغرافية والجيولوجية للمجال، وتأطير الشباب داخل الأحزاب لتشجيع المشاركة السياسية، واستثمار الإعلام الرقمي وجعله رافعة لتنمية المجال من خلال التعريف بمؤهلاته، خلاصات أخرى لهذه الندوة العلمية.
كما خلص المشاركون في هذه الدورة إلى ضرورة توظيف التكنولوجيا الحديثة في تعزيز ودعم العدالة المجالية، التي تعتبر مدخلا أساسيا لإحقاق العدالة الاجتماعية، لما تضمنه من توزيع متوازن ومتكافئ للتقسيم الترابي، والاستثمار والاستفادة المتوازنة مما يختزنه بلد من البلدان من ثروات طبيعية وطاقات بشرية، والتأكيد على مسؤولية الدولة الأساسية في تحقيق العدالة المجالية، وأهمية الذكاء الترابي في تحقيق هذا الرهان.
وخلال جلسة اليوم الثاني من هذه الدورة، أوضح المصطفى الصوفي، الأستاذ بالكلية متعددة التخصصات بآسفي، أن المجال موضوع معقد تتداخل فيه كثير من المعارف والقضايا التي تهم الشأن العام، والتي لها بعد سياسي واقتصادي واجتماعي، مضيفا أنه “موضوع غاية في الأهمية، فهو مبني على مرجعيات فيها مشارب علمية متنوعة، إذ في أي نقاش في هذا الصدد نصادف مشاكل جوهرية في توظيف المفاهيم”.
“لذا فالعدالة المجالية مرتبطة بشكل أو بآخر بالبعد التنموي، لأن العدالة ستعود بنا في نهاية المطاف إلى التنمية من خلال التوزيع العادل للثروات في كل مجالات الدولة، ولأن مشكل العدالة لا يمكن حله إلا من خلال النخب المحلية، لكون المجال منتوج اجتماعي، وما هو مجتمعي ينتج المجال”، يتابع الباحث ذاته.
أما عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة القاضي عياض بمراكش، فسلط الضوء في ورقته على إشكالية “الدولة وهامشها القروي.. نحو عدالة توزيعية للرأسمال الرمزي”، موضحا أن “القرية، التي تشكل اليوم الهامش، هي الأصل، فيما كانت المدينة استثناء، ثم تطورنا إلى ما نسبته 60 في المائة من سكان المدينة و40 في المائة من سكان في القرية”. وتساءل عن أسباب الهجرة من القرية إلى المدينة، ولماذا لم يقع العكس كما في الدول الأوروبية حيث أصبح سكان المدن يهاجرون إلى القرى.
وأضاف الباحث ذاته أن المراكز والوظائف ومراكز القرار يجب أن تكون مفتوحة في ظل شروط تضمن الديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص، لأن الهجرة من القرية إلى المدينة تتم بحثا عن شروط العيش الكريم، الذي يحرم منه ابن القرية، إلى جانب مجموعة من الحقوق كالحق في السينما والموسيقى والمقاهي والملاعب والتعليم، والتي تعتبر فوارق كبيرة في الخدمات بين القرية والمدينة على المستوى الثقافي والسياسي والاقتصادي.