مع بداية كل صيف، تبدأ متاعب سكان الجنوب الشرقي للمغرب، خاصة بالمناطق النائية والجبلية، بسبب ظهور أنواع مختلفة من الزواحف السامة التي تهدد حياتهم، ويعتبر فصل الصيف لدى أهالي الجنوب الشرقي موسما لهجوم الزواحف من الأفاعي والثعابين والعقارب السامة.
فمع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تخرج الزواحف السامة من جحورها بحثا عن أماكن باردة، خاصة المنازل والمزارع، وهو ما يجعل الخطر يتجدد لدى سكان المناطق شبه الصحراوية بسبب هذه الزواحف السامة التي تتسبب سنويا في إصابة المئات من المواطنين وبعض القتلى.
في هذا الروبروتاج، تسلط جريدة هسبريس الإلكترونية الضوء على مشكل انتشار الزواحف السامة من الأفاعي والعقارب في الجنوب الشرقي للمغرب، وكذا معضلة النقص الحاصل في الأمصال الضرورية في جل المؤسسات الصحية الإقليمية والمحلية، بالإضافة إلى التدابير المتخذة من طرف الوزارة الوصية لحماية أرواح المواطنين الذين يتعرضون للدغات ولسعات هذه الزواحف السامة.
زواحف سامة
حياة آيت العربي، فاعلة جمعوية من إقليم زاكورة، قالت في تصريح لهسبريس إن فصل الصيف بالنسبة لساكنة الجنوب الشرقي (درعة تافيلالت)، “يعتبر من أخطر فصول السنة”، موضحة، أنه “لا يمر أسبوع دون أن تسجل إحدى المناطق حالة لدغة أفعى أو لسعة عقرب”.
وكشفت المتحدثة أن الزواحف والعقارب السامة تتخذ من المناطق القاحلة الصحراوية مكانا لها للعيش، ويتحول وجودها إلى كابوس للساكنة التي باتت تشارك منازلها وحياتها اليومية مع هذه الكائنات غير المرغوب فيها، وسط مخاوف من تعرضها للدغ واللسع، وخاصة الأطفال الصغار.
وأكد عدد من سكان أقاليم جهة درعة تافيلالت (الرشيدية، تنغير، زاكورة، ورزازات) أن انتشار الأفاعي والعقارب بات يهدد حياتهم، مؤكدين أن أكثر ما يؤرقهم هو غياب حملات تحسيسية وتوعوية من طرف مسؤولي الصحة حول الإسعافات الأولية التي يجب القيام بها بمجرد تعرض شخص للسعة عقرب أو لدغة أفعى.
وفي هذا السياق، أكد عبد الحميد أحمدان، فاعل جمعوي من إقليم الرشيدية، أن جهة درعة تافيلالت من بين الجهات الأولى التي تسجل فيها نسبة كبيرة من حالات التسمم بسبب الزواحف والعقارب السامة، موضحا أن خطورة هذه الزواحف ليست وليدة اليوم، بل كانت منذ عقود، ملتمسا من الوزارة الوصية التدخل من أجل حماية أرواح المواطنين.
وأضاف أن “الزواحف السامة من بين المشاكل التي تعرفها درعة تافيلالت، وعليه يجب تضافر جهود الجميع من أجل حماية الساكنة من لدغاتها ولسعاتها، وعلى فعاليات المجتمع المدني بدورها التحرك من أجل توعية وتحسيس الساكنة بخطورتها وتقديم إرشادات في الإسعافات الأولية”.
أمصال السموم
كانت منظمة الصحة العالمية سنة 2001 (أي قبل 21 سنة) دقت ناقوس الخطر بخصوص عدد الوفيات المرتفع سنويا جراء تسممات العقارب والأفاعي في العالم، مشيرة إلى أن من بين 5 ملايين مصاب وصل عدد الوفيات إلى 100 ألف حالة، و300 ألف حالة تصاب بعاهات مستديمة.
في المقابل، سجل المركز المغربي لمحاربة التسمم 634 حالة وفاة في الفترة الممتدة ما بين 2003 و2008 (أي في خمس سنوات) في مختلف مناطق المغرب في مرحلة غياب الأمصال ضد السموم، 90 في المائة من الوفيات كانت لأطفال دون سن الخامسة عشر.
وكشفت مصادر طبية مسؤولة لجريدة هسبريس الإلكترونية أن توفير الأمصال في الكثير من المؤسسات الصحية، خاصة المتوفرة على مصلحة الإنعاش والتخدير، أدى إلى تقليص نسبة الوفيات بهذه السموم، مضيفة أن المغرب عرف في السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا في عدد الوفيات والإصابات بلسعات العقارب ولدغات الأفاعي.
وأكد عدد من سكان المناطق النائية، خاصة الجماعات القروية في أقاليم درعة تافيلالت، أنهم يعانون مشاكل كثيرة كلما تعرض أحد الأشخاص للسعة عقرب أو لدغة أفعى، بسبب غياب الأمصال الضرورية بالمراكز الصحية، مبرزين أن الكثير من المصابين يفارقون الحياة في طريقهم إلى مستشفى إقليمي أو جهوي للحصول على العلاج.
وفي هذا الإطار، صرحت طبيبة تشتغل بأحد المراكز الصحية بإحدى جماعات إقليم زاكورة بأن غياب الأمصال بالمراكز الصحية يفاقم معاناة الذين يتعرضون للدغات ولسعات الزواحف السامة، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الأمصال لا يمكن توفيرها إلا في مؤسسة صحية توجد بها مصلحة الإنعاش والتخدير.
وأكدت الطبيبة ذاتها، في تصريح لهسبريس، أن “القطاع الصحي في درعة تافيلالت يعاني ليس فقط في ما يتعلق بأمصال السموم، بل يمكن القول إنه يوجد في مصلحة إنعاش وعلى حافة الإفلاس إن لم تتحرك الوزارة الوصية لإنقاذه، فما على المواطنين إلا قراءة الفاتحة ترحما عليه”، بتعبيرها.
وطالب العديد من المواطنين، ومنهم من سبق لهم أن تعرضوا للسعات العقارب ولدغات الأفاعي، الوزارة الوصية بالتدخل لتزويد جميع المؤسسات الصحية بالأطر الطبية المؤهلة وتجهيزها بالأدوية الضرورية، خاصة الأمصال في فترة الصيف، وذلك لتقليص نسبة الوفيات وتقليص المسافة التي يتم قطعها للوصول إلى أقرب مستشفى إقليمي.
مسؤول طبي يوضح
في تعليقه على موضوع الزواحف السامة التي أصبحت تؤرق بال ساكنة جهة درعة تافيلالت، أوضح مسؤول طبي أن المديرية الجهوية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية “تراسل كل فصل صيف المديرين الإقليميين ومدراء المستشفيات من أجل العمل على توفير الأمصال الضرورية التي تتماشى وأنواع الزواحف الموجودة في الجهة”، مؤكدا أن “الأمصال الخاصة بالعقارب موجودة بجميع المؤسسات الصحية، بما فيها المراكز الصحية بالجماعات الترابية، أما الأمصال المضادة لسموم الأفاعي، فهي لا توجد إلا في المستشفيات الإقليمية والمستشفيات المحلية التي تتوفر على مصلحة الإنعاش والتخدير”.
ودعا كل من يتعرض للدغة أفعى أو لسعة عقرب إلى “التوجه مباشرة إلى المستشفى دون اللجوء إلى الأدوية التقليدية التي يمكن أن تؤدي إلى وفاته”، على حد تعبيره.
وشدد المصدر ذاته، في تصريح لهسبريس، على أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ومن خلال المدير الجهوي والمدراء الإقليميين، تتابع موضوع الزواحف السامة كل فصل صيف، وتعمل على تزويد الأقاليم بالأمصال والأدوية الضرورية، موردا أن “نسبة كبيرة من الوفيات بسبب هذه السموم يتحمل مسؤوليتها الأشخاص المصابون أنفسهم؛ لأنهم يفضلون اللجوء إلى العلاج التقليدي على التوجه إلى أقرب مؤسسة صحية”.