قال يوسف الصديق، الكاتب التونسي الباحث في التاريخ الديني، إن الخوف من السؤال هو المحرك الأول للحركات السلفية في المنطقة، معتبرا أن فشل الإسلام السياسي خلال المرحلة الماضية جواب سياسي لضعفهم في تدبير الشأن العام.
وأضاف الصديق، في دردشة مع هسبريس على هامش مهرجان تويزا المقام في طنجة، أن التيارات الحداثية يعوزها الحاضن المؤسساتي، كما أن الهجوم الذي يتعرض له الكتاب والمفكرون وموجات التكفير يصعب الوصول إلى الجمهور.
وأشار صاحب كتاب “هل قرأنا القرآن؟ أم على قلوب أقفالها” إلى أن كل السيناريوهات مفتوحة فيما يخص مستقبل المنطقة، مفضلا طرح تغيير عميق في مختلف البلدان عوض كلمة ثورة التي دائما ما ترتبط بالعنف.
إليكم نص الدردشة:
كيف تفسر عودة التيارات السلفية للنقاش العمومي في المغرب بعد هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية؟ وهل من تحليل لهذا المعطى وإلى أين سيصل؟
التفسير هو الهلع والخوف، الظاهرة الدينية الإسلامية في هذه الرقعة تتغذى من الخوف من السؤال المكبوت لقرون طويلة، فالمنطقة تعيش على وقع كذبة كبيرة تبنتها المؤسسة السنية لتغطي أجوبة لا أحد يعرفها.
السلفيون أمام المطلبية العلمية للشباب والمستنيرين، يستعينون بالخوف من أجل طرح هذه الأكذوبة التي تستمر لأربعة عشر قرنا، في حين لا أحد يدري حقا كيف نشأ الإسلام، حتى الباحثين لهم فقط نظريات في هذا الباب، لا أحد يستند إلى واقع علمي.
كيف تفسر سقوط الإسلاميين في بلدان المنطقة، تونس والمغرب أساسا، وغيرهما؟
فشلوا بعملية سياسية؛ بكل بساطة لم ينجحوا في تدبير الشأن العام، بل جلبوا لأنفسهم فضائح وبدوا للجميع في موقع العجز، وعاث الفساد والرشوة، بل أكثر من هذا، والمثال من تونس ويمكن إسقاطه على المغرب كذلك، كانوا فقراء والآن أصبحوا أغنياء بممتلكات وسيارات.
فضيحة الإسلام السياسي أن الجميع الآن أصبح يعرفهم، في تونس على سبيل المثال هم مفضوحون، المواطن البسيط جدا يعتبر تيارات الإسلام السياسي دجلا الآن.
هل هذا السقوط له حاضنة شعبية وفعل مؤسس أم لا يتعدى أن يكون مجرد رد فعل غاضب، وبالتالي فتح الباب أمام الصعود مجددا؟
يمكن أن يعودوا بحلة أخرى، وهذا ما جري في تونس عقب تأسيس منشقين عن حزب النهضة تنظيم الإنجاز والعمل، لكن العودة في سياقات سنة 2011 نفسها أمر مستحيل، سيصبحون أحزابا عادية قريبة مما يقوم به حزب مارين لوبين في فرنسا ولن يشاركوا في الحكم.
بعد مسيرة العمر ورهانات التحديث والعديد من المواجهات مع تيارات الإسلام السياسي، لماذا لا نرى صدا للخطاب الحداثي في المنطقة؟ ما الذي يمنع أفكاركم من الوصول إلى الجمهور العريض؟
المشكل هو غياب المطلب المؤسساتي لهذا التيار رغم وجوده في كافة المنطقة، ما زلت أتذكر خلال أحد اللقاءات التلفزيونية وضع أحد وجوه التيار الإسلامي التونسي مصحفا فوق دستور البلاد، فقلت له: ماذا تفعل؟ وأجاب: القرآن فوق كل شيء، وقلت له: هذا مصحف وليس قرآنا. وبعدها جاء عديدون يستفسرون حول الأمر.
التقيت في الشارع بعديد من البسطاء واقتنعوا فعلا بما أقوله، لكن المشكل يكمن في هجوم تيارات السلفيين والإسلام السياسي وتكفيرهم لشخصيات كثيرة، وهذا ما يجعل الناس لا يسمعونهم.
في المقابل، هناك أسماء محسوبة على التيار العلماني أصبحت في هذا الصف موضوعيا، مثل شحرور محمد وعابد الجابري، ويستمع الناس إليهم، لكن وجبت الإشارة إلى أن غياب المؤسسات العلمية أمر يضر كثيرا بهذه التيارات، فضلا عن خلط المثقفين بأصحاب الميول الاستعمارية ومعاداة الدين الإسلامي، وهذا كله يتغذى من الخوف والمستشرقين، لكنه على كل حال يتناقص بحكم أن المستشرقين يثنون أحيانا على روح الإيمان في الإسلام، وبالتالي يسمعهم الناس.
كما أن هذا التيار يعوزه التأسيس والتحول إلى مؤسسات أو أحزاب أو تيارات أكاديمية، بالإضافة إلى الدخول إلى المدارس والجامعات. هذا كله ليس صعبا وليس بعيد المنال.
أمام مجيئها بالإسلاميين وضعف بدائل مؤسساتية قوية في المنطقة، هل ما يزال يوسف الصديق “المثقف الحداثي” يراهن على كلمة “ثورة” أم إنها أصبحت مرادفا للفوضى؟
سيناريوها، الفوضى واردة؛ كل الأمور مطروحة، لكن المطلوب هو تغيير عميق في المنطقة، ربما دون الحاجة إلى ثورة، فهي كلمة دائما ما تقترن بالعنف.