حفظٌ لجزء من الذاكرة الدبلوماسية للبلاد، وتسليطٌ للضوء على رؤية “الاستشراق” الفني لمغرب ما قبل الاستعمار، يحضران في متحف جديد افتتح في المدينة العتيقة بطنجة.
“متحف دار النيابة” فتح أبوابه من جديد، ولو لمهمة أخرى، بعد عمل مشترك جمع ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة، ووكالة تنمية أقاليم الشمال، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، والمؤسسة الوطنية للمتاحف.
افتتح هذا المتحف بحضور عبد العزيز الإدريسي، مدير متحف محمد السادس بالرباط، ومحمد مهيدية، والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، وعمر مورو، رئيس مجلس الجهة، ومنير البيوسفي، المدير العام لوكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال.
وفي قسمين، يعرض رابعُ متاحف مدينة طنجة جزءا من الذاكرة الدبلوماسية التي تمثلها هذه البناية التاريخية، كما يعرض أعمالا استشراقية رَسمَت مغرب ما قبل الاستعمار.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، تأسس هذا المبنى في عهد السلطان عبد الرحمان بن هشام، من أجل تيسير التواصل مع التمثيليات الأجنبية بطنجة، عبر خليفته، وجرت به مفاوضات عدة طبعت التاريخ المغربي الحديث.
وقد كانت “دار النيابة”، التي تعد جزءا من الذاكرة الدبلوماسية للبلاد، محط جدل بطنجة في السنوات الماضية، بفعل “تفاقم وضعية الإهمال” الذي ينذر بـ”الانهيار”.
وفي تصريح لـهسبريس، قال عبد العزيز الإدريسي، مدير متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر: “لقد كان من الضروري أن نتناول موضوع تاريخ الدبلوماسية، لأن دار النيابة السعيدة قد مارست مهمة دار النيابة انطلاقا من فترة مولاي سليمان؛ وبالتالي كان من الضروري الحديث عن كل الشخصيات التي مرت من هذه المدينة أو التي مارست هذه المهام، والشخصيات الأوروبية التي استوطنت هذه المدينة وكانت تمثل الهيئات القنصلية المقيمة في المغرب آنذاك باعتبار أن طنجة كانت العاصمة الدبلوماسية للبلاد”.
ومن بين ما يسلط الضوء عليه هذا المتحف، وفق الإدريسي، “الظرف العام التاريخي لإنشاء هذه المعلمة، لأن المغرب انطلاقا من موقعة إيسلي عرف ضرورة الاعتماد على التواصل مع الآخر، وطور بالتالي الآليات الدبلوماسية انطلاقا من هذه المرحلة”.
وحول مساري العرض المختلفين، بين التاريخ والفن، قال المسؤول المتحفي ذاته: “جاءت المزاوجة لأن الفضاء كان أيضا مقرا للقنصلية الفرنسية، فعرف توافد مجموعة من الفرنسيين، من بينهم دولاكروا الذي نعرف أثره على تاريخ الفن بشكل عام وما خلفه من تراث فني وكتابات حول المغرب وحول زيارته إلى طنجة وأثره على الفنانين بعده (…) ومن بين من تأثروا به بنجامان كونستون، وهو من رواد القرن التاسع عشر، وقد جاء إلى طنجة وأخذ مجموعة من المشاهد الحياتية”.
وهكذا افتتح المتحف بـ”جانب قار دائم هو جانب التاريخ الدبلوماسي، وجانب متحول هو الجانب المرتبط بالفن، لأن فيه شقا ثانيا هو المحترفات، حتى يختلف عن العرض المتحفي المتوفر بطنجة، وليجعل من هذا الفضاء فضاءً متميزا، وليساهم في خلق دينامية فنية، حتى يمكن للفنانين الاشتغال على مواضيع مختلفة، عن طريق إقامات فنية تمكن من الاشتغال في محترفات وتنظيم لقاءات ماستركلاس”، يتابع الإدريسي.
وواصل قائلا: “يقدم المتحف أيضا محترفات لترميم الأعمال الفنية، مع فضاءات للأطفال مخصصة للعرض التاريخي المرتبط بطنجة، خلال مرحلة القرن 18 و19، باعتبارها فضاء للتلاقي، وفضاء مفتوحا عرف توافد جاليات مختلفة، تعايشت وانصهرت وأعطت هذه الخصوصية لمدينة طنجة”.
وتطلبت إعادة تأهيل المبنى وإعداده في صورته الحالية، ما يقدر بـ 14 مليون درهم، وأنيط تسييره بالمؤسسة الوطنية للمتاحف.
وتقوم المؤسسة بمهام إدارة المتاحف وتدبير شؤونها والمحافظة عليها، لحساب الدولة. ومن بين المهام المنوطة بها، “تحديد قائمة هذه المتاحف بمرسوم يتخذ بناء على اقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالثقافة. ويجب تحيين هذه القائمة كلما دعت الحاجة إلى ذلك وبنفس الكيفية”.
كما أنيط بالمؤسسة الوطنية للمتاحف، وفق قانونها المنظم، “جرد وحصر وتوثيق رصيد المتاحف الثابت والمنقول الداخل في نطاق اختصاصها حسب العمالات والأقاليم، ودراسته علميا، والمحافظة عليه وصيانته وحمايته وفق المعايير المتعارف عليها والقوانين المنظمة لقطاع التراث”.
ويضاف “متحف دار النيابة” الطنجيّ إلى ثلاثة متاحف أخرى بالمدينة تشرف عليها المؤسسة، من بينها متحف القصبة المعروف بـ”متحف الثقافات المتوسطية”، ومتحفان رأيا النور السنة الماضية 2021 هما متحف “فيلا هاريس” ومتحف “الفن المعاصر”.