مُطلا على محطات تاريخية بصمت النشأة الأولى لتأسيس الدولة الجزائرية وشكلت “عقيدة” العداء للمملكة منذ فترة حكم الرئيس الهواري بومدين، يواصل الكاتب الصحافي الطيب دكار مشروعه الذي يركز بالأساس على فهم البنيات السياسية للحكم في الجزائر.
وفي هذا الصدد، أصدر مدير الإعلام سابقا بوكالة المغرب العربي للأنباء مدير مكتبها بالجزائر العاصمة من 1989 إلى 1995، ثم من 2002 إلى 2006، كتابا جديدا حول الجزائر تحت عنوان: “الجزائر: عدم الاستقرار السياسي يديم القطيعة مع المغرب”.
الكتاب الصادر باللغة الفرنسية عن دار النشر “فكر”، الذي يقع في 436 صفحة، عبارة عن مقالات صحافية توثق بأسلوب مميز لحظة اندلاع الحراك الجزائري خلال فبراير 2019 وأهدافه وتداعياته السياسية في بلد يحكمه الجيش منذ عام 1962.
الكتاب يحمل عنوان “Algérie.. l’instabilité politique éternise la rupture avec le Maroc”، يرصد فيه دكار كيف تعمل المؤسسة العسكرية على تجديد واجهة النظام باستمرار مع الحفاظ على موقعها في الخلف.
وقد واجهت المؤسسة العسكرية بشراسة الانتفاضات الشعبية ومطالب التغيير نحو الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية التي دفع الشعب من أجلها ثمناً باهظا.
ويعتبر هذا الكتاب نتاجا لمتابعة الوضع في الجزائر منذ انطلاق الحراك في شهر فبراير 2019 إلى غاية شهر أبريل 2022، وكذا التطورات التي عرفتها العلاقات المغربية الجزائرية خلال هذه الفترة، والتي أفضت إلى قطع العلاقات بين البلدين، من خلال نشر عدة مقالات وتحليلات في مواقع إخبارية إلكترونية.
وأبرز دكار أن العلاقات بين البلدين، إذا استثنينا عهد بومدين، لم تبلغ أبدا ذروة التدهور الذي نعرفه اليوم، وهذا يبدو غريبا في سياق “الجزائر الجديدة” التي أعلن عنها النظام الجديد الذي حل محل عبد العزيز بوتفليقة منذ عام 2019.
وقد توقفت المظاهرات الشعبية، التي حشدت ملايين الجزائريين، لمدة عامين تقريبًا دون انقطاع، كل جمعة وكل ثلاثاء، بسبب انتشار وباء فيروس كورونا، ولكن أيضًا بسبب القمع الذي مورس ضد مختلف النشطاء وقادة هذه الحركة، الذين سُجن بعضهم وتمت محاكمتهم وإدانتهم.
ووقف دكار في مؤلفه عند دور الجيش الجزائري في المشهد السياسي للبلاد، حيث برز بطريقة لا تدع مجالاً للشك من خلال تدبير وتنظيم المرحلة الانتقالية.
وقال في هذا الصدد: “ليس هناك دولة واحدة في العالم، باستثناء الجزائر، تسمح لنفسها الاستغناء عن خدمات ثلاثين جنرالا من الجيش، تم ايداعهم السجن، ومحاكمتهم وإدانتهم، إلا أن هذا البلد يمتاز بخاصية أخرى-استثناء جزائري آخر-وهي أن بعض المدانين رغم كل شيء، تم إطلاق سراحهم في ظروف غامضة والسماح للبعض منهم بالعودة إلى البلاد من منفاهم بالخارج على متن طائرة الرئاسة”.
وشدد على أن اثنين من رؤساء الحكومات السابقين وحوالي عشرين وزيراً سابقاً تم إيداعهم السجن ومحاكمتهم في قضايا تتعلق باختلاس الأموال العامة أو الفساد، في عملية يهدف منها الجيش إلى تجميل واجهته، في محاكمات نفذت بأوامر منه. كما يتميز القادة الجزائريون الجدد، الذين لا يعترف الحراك بشرعيتهم، عن أسلافهم، بعدائهم الجيني والوبائي للمملكة.
وقال الكاتب إنه “يجب الاعتراف بأن تجربة التطبيع مع الجزائر عام 1988 لم تكن في نهاية المطاف مجدية. وسوف ننتظر طويلا أن تركب الجزائر قطار الديمقراطية ليعود الأمل من جديد في تطبيع حقيقي بين البلدين. بالتأكيد لن يكون الأمر سهلا”.