تحل ذكرى عيد الشباب يوم 21 غشت في ظل وضعية اجتماعية متأزمة تعاني منها فئة الشباب، تتميز باستمرار ارتفاع نسبة البطالة في صفوف هذه الفئة؛ ناهيك عن تعطيل بعض المؤسسات الدستورية، كالمجلس الاستشاري للشباب، الذي مضت أربع سنوات على خروج القانون المحدث له في ظل غياب إشارات تشير إلى تفعيله.
وكشفت المندوبية السامية للتخطيط الجمعة أن معدل البطالة بلغ على المستوى الوطني 31.8 بالمائة في صفوف الشباب بين 15 و24 سنة، مقابل 13.7 بالمائة بالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و44 سنة، و3.8 بالمائة بالنسبة للأشخاص البالغين 45 سنة أو أكثر.
وحسب المذكرة الصادرة عن المندوبية ذاتها فإن قرابة 3 من كل 10 عاطلين عن العمل، أي بنسبة 29.7 بالمائة، هم من الشباب. فيما يقطن قرابة ثلاثة أرباع الشباب العاطلين عن العمل بالوسط الحضري، بنسبة 75.8 بالمائة، 67.3 بالمائة منهم ذكور، و90.1 بالمائة حاصلون على شهادة.
محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، أكد أن الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى عيد الشباب سيتمحور بلا شك حول الوضعية الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تواجه المغرب، وتمس بشكل خاص فئات الشباب.
وعن تأخر تفعيل المجلس الاستشاري للشباب سرد شقير مسار تأسيس المجالس المعنية بالشباب بالمغرب منذ السبعينيات، مؤكدا أن “الإعلان عن تأسيس مجالس للشباب بالمغرب ارتبط بالأساس بظرفيات سياسية واحتجاجات اجتماعية، إذ إن إحداث المجلس الوطني للشباب ارتبط بتداعيات أحداث انقلاب 1971، في حين أن إحداث مجلس الشباب والمستقبل في 1991 كان نتيجة للأحداث التي عرفتها مدينة فاس، وكان وقودها الشباب العاطل والمهمش، بالإضافة إلى حملة الشواهد المعطلين، ما دفع إلى أن تكون أول دورة لهذا المجلس حول بطالة الشباب وكيفية إدماجهم في سوق الشغل”.
وأوضح الباحث في السياق ذاته أن “إحداث المجلس الاستشاري للشباب والمجتمع المدني جاء استجابة لحراك 2011، من أجل امتصاص سخط فئات واسعة من الشباب نزلت إلى الشارع، كما أن حث الملك على الإسراع في تأسيس هذا المجلس في 2017 كان نتيجة لحراك الريف الذي يعكس حدة المشاكل التي يعاني منها الشباب، بمن فيهم شباب منطقة الريف، وبالتالي فإن التأخر في إخراج هذا المجلس يعود إلى تراجع حدة هذه الحركات”، بحسب تعبيره.
وأضاف المتحدث ذاته أن “هناك ضبابية في هيكلة المجلس بين الشباب والمجتمع المدني، تجعل مسطرة تعيين أعضائه جد معقدة، خاصة أنها تتوزع بين تعيينات ملكية وحكومية وبرلمانية ومغاربة الخارج؛ في حين تنقسم لجان اشتغاله إلى لجان مكلفة بالشباب وأخرى بالمجتمع المدني”، وزاد: “بالإضافة إلى أن هذا المجلس لا يتوفر إلى حد الآن على إمكانيات مادية ومالية تمكنه من إيجاد مقر وإدارة عاملة من موظفين وأدوات اشتغال؛ كما أن هناك غموضا حول الجهة الوصية التي يتبع لها”.
وأضاف شقير: “مقارنة بالمجلسين السابقين، واللذين كانا مجلسين وطنيين، فهذا المجلس يبقى استشاريا يقوم بتقديم اقتراحات أو استشارات للجهات المعنية، بالإضافة إلى القيام بوضع دراسات في وقت نصت المادة 33 من الدستور الحالي على أن من مهامه العمل على فسح المجال أمام الشباب للاندماج في الحياة الاقتصادية والسياسية، ما يطرح السؤال عن الطرق التي سيسلكها المجلس للقيام بهذه المهام، خاصة أن هناك مؤسسات يمكن أن تحل محله في وضع الدراسات، كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي أو مندوبية التخطيط وغيرها؛ وبالتالي فالخوف أن يكون هذا المجلس ولد ميتا على غرار المجلسين السابقين اللذين لم يعد لهما وجود”.
صلاحيات متقاطعة
من جانبها أوضحت أسماء مهديوي، الباحثة في العلوم السياسية، أن “تجربة الهيئات الاستشارية المهتمة بالشباب للسنوات الأولى للاستقلال بينت أنها كانت تحدث بمبادرة ملكية ونظم أغلبها بظهائر، في حين أن التجربة الأخيرة التي جاء بها دستور 2011 أعطت دفعة جديدة لقضايا الشباب، وذلك عبر التنصيص الدستوري على المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي”.
وأضافت مهديوي أن “الدعوة إلى إحداث المجلس جاءت من أجل تعزيز مكانة الشباب والجمعيات في النسيج المجتمعي، ولأجل بحث وإيجاد السبل الكفيلة بالرقي بهذه المكانة نحو مستقبل أفضل، عبر تعزيز حضور الشباب في مختلف المجالات”، مردفة بأن “القانون 15.89 المحدث لهذا المجلس أسند له العديد من الوظائف، التي تصب أساسا في شكل استشاري عبر إبداء الرأي للحكومة والبرلمان وإنجاز الأبحاث والدراسات في القضايا التي تهم الشباب أساسا، والبحث عن مقترحات من شأنها حماية مكتسبات الشباب وتعزيز انخراطهم في الحياة العامة”.
وتساءلت الباحثة إن كان بمثل هذه الصلاحيات بإمكان المجلس المساهمة بشكل فعال في حل مشاكل الشباب التي تزداد يوما بعد يوم، كالبطالة والعزوف السياسي، والاستقرار الأسري، والتعاطي للمخدرات… مبرزة أن “صلاحيات المجلس لن تتعدى إطار المشورة وإبداء الرأي، وهذا يطرح إشكالا يتعلق بتصور المجلس للسياسات العمومية والمخططات التنموية التي لها ارتباط بمستقبل الشباب، وهو أمر غير مخول له”، وزادت: “إضافة إلى أن هناك إشكالا آخر يطرح حول مدى استقلالية المجلس عن السلطة التنفيذية، وكذا عن مدى تقاطعه مع مؤسسات استشارية أخرى تقدم تقارير تخص وضعية الشباب، كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”.
كما قالت المتحدثة إن “التجارب السابقة للمجالس المحدثة المهتمة بقضايا الشباب أثبتت عدم فاعليتها، وهو المصير الذي لا نريده لهذه التجربة الأخيرة التي جاءت في سياق صنعه الشباب، وأساسا الذين خرجوا في 2011 للاحتجاج، وهي الرسالة التي التقطها المشرع الدستوري”.
وزادت الباحثة: “إن وجود المجلس يبقى ضرورة ملحة، وتفعيله أساسي من أجل الوساطة بين مطالب الشباب وتطلعاتهم والسلطة الحكومية، خاصة مع ما يعرفه العالم اليوم من تحولات أنتجت تعارضا وتصادما بين الشباب ومؤسسات الدولة، يعبر عنه بارتفاع منسوب انعدام الثقة في المؤسسات ومخرجاتها”.