بمناسبة “اليوم العالمي للشباب”، المصادف لـ12 غشت كل سنة، تميّز هذا العام في المغرب بإصدار مذكرة رسمية “صادمة” عن أوضاع نشاط هذه الفئة، التي تشكل نسبة 16.2 في المائة من مجموع الهرم السكاني والنسيج المجتمعي بالمملكة خلال 2021.
وكان لافتا من خلال الأرقام التي استعرضتها المندوبية السامية للتخطيط، أمس الجمعة، أن نسبة كبيرة من الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة يتميزون بـ”ضعف المشاركة في سوق الشغل”؛ في حين أن “أكثر من رُبعهم (25 في المائة) على الصعيد الوطني لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين”.
وحسب المعطيات ذاتها، فإن مجموع الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، بلغ عام 2021 زهاء 5.9 ملايين شخص؛ 50.9 بالمائة منهم ذكور، و59.9 بالمائة يقطنون بالوسط الحضري، و56.6 بالمائة تتراوح أعمارهم بين 15 و19 سنة.
“قرابة 3 من كل 10 عاطلين عن العمل، أي بنسبة 29.7 بالمائة، هم من الشباب”؛ تسجل مندوبية التخطيط في مذكرتها، التي أوردت تفاصيل ومؤشرات دالّة عن الشباب المغربي العاطل، موضحة أن “حوالي ثلاثة أرباع منهم يقطنون بالوسط الحضري، بنسبة 75.8 بالمائة، 67.3 بالمائة منهم ذكور، و90.1 بالمائة حاصلون على شهادة”.
وارتفع معدل البطالة في صفوف الفئة العمرية المتراوحة بين 15 و24 سنة على المستوى الوطني ليلامس 32 بالمائة، مقابل 13.7 بالمائة بالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و44 سنة.
وحسب مستوى الشهادة، بلغ معدل البطالة لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، والحاصلين على شهادة ذات مستوى عال، 61.2 بالمائة، و30.4 بالمائة بالنسبة لحاملي شهادة ذات مستوى متوسط، و12.9 بالمائة لدى الشباب بدون شهادة.
بين البطالة والعطالة
“في المغرب لا توجد لدينا بطالة، بل ما يعيشه شبابنا هو العطالة”، هكذا استهل الدكتور محسن بنزاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي، تفاعله مع أرقام المندوبية التي وصفها بـ”المهولة”، وقال إنها “تظل نتاج سياسات عمومية واجتماعية فاشلة وغير منسجمة، في جميع القطاعات دون استثناء”، مستغرباً في السياق ذاته “عدم إحداثها لأي ضجّة أو تفاعلات قوية” لأنها تظل، حسَبه، “طارحة للعديد من التساؤلات عن مدى فداحة الفشل الاجتماعي الذي وصلنا إليه”.
وميّز بنزاكور، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بين “نوعيْن من الشباب العاطل بالمغرب؛ الأول لديه دبلوم ويتمتع بعقل مملوء ولكن مع وقت فارغ، في حين أن النوع الثاني من الشباب لا وعيَ له (عقل فارغ مع وقت فارغ)”، مضيفا أن “الشباب الحامل للشواهد يسيطر عليه اليأس ويستثمر وقت فراغه في مشاعر سلبية، كما يعتبر نفسه عالة على عائلته. بينما الشباب العاطل الذي لا يمارس أي نشاط أو تكوين أو تعليم يكون عادة ميّالاً إلى العنف وتوليد مشاعر اللذة عبر اللجوء إلى المخدرات أو الترفيه (الملاعب مثلا)”.
ولفت الخبير الاجتماعي، في معرض حديثه، الانتباه إلى “عدم تناقض” النوعيْن سالفيْ الذكر، منبها إلى “الهدر المدرسي” بالمغرب الذي يساهم في تفاقم وتكريس عطالة الشباب عبر مغادرة أكثر من 300 ألف تلميذ سنويا مقاعد الدراسة دون شواهد.
بنزاكور قال إن هذه الأرقام، التي أتت من مؤسسة إحصائية رسمية، “لا يجب أن تمر مرور الكرام”، بل تسائل “سياسات حكومية متعاقبة عن الفشل بأكملها وقطاعات برمّتها، ومجتمعاً يعيد إنتاج أعطابه ليكون الحاصل هو شبابا ضائعا”.
وخلص أستاذ علم النفس الاجتماعي إلى أن “المقدّمات الخاطئة لا يمكن إلا أن تُفضي إلى نتائج خاطئة”، خاتما تصريحه بالقول: “نحن لا نشكك في وطنية المسؤولين ونزاهتهم، بل ننتقد الخطاب غير المصداقي للبعض وممارسة السياسوية بدل السياسة”، داعيا إلى “مراجعة عميقة وشاملة لالتقائية البرامج والسياسات العمومية حول الشباب قبل فوات الأوان، وتدارك ما تبقى من مصداقية هشة تتآكل لدى المؤسسات”.