“السورف” أو ركوب الأمواج من الرياضات التي تمارس بشكل واسع في المناطق الساحلية؛ إذ تتيح الاستمتاع بالبحر وبأمواجه. ولأجل جعل هذه الرياضة شعبية، بعدما كان الاعتقاد سائدا بكونها رياضة “نخبة”، تأسست جمعيات بالمناطق التي تتوفر على المؤهلات البحرية الضرورية لممارستها، فشرعت في استقطاب وتشجيع الشباب، وكذا باقي الفئات العمرية، لاكتشاف هذه الرياضة وممارستها والاستفادة من إيجابياتها على المستوى الرياضي والاجتماعي والاقتصادي كذلك.
ونظرا للشواطئ الممتدة التي تزخر بها جهة سوس ماسة، وموقعها ضمن خريطة الوجهات السياحية الأكثر جذبا بالمغرب، فقد استفادت هذه المناطق من موجة ممارسة “السورف” من طرف السياح الأجانب، حيث أدت علاقة التأثير والتأثر بين هؤلاء الأجانب والشباب بهذه المناطق إلى تعلم الرياضة بداية، قبل أن يمارسوها بشكل مؤسس، أبرز معالمه تأسيس العديد من الجمعيات التي تعنى بهذه الرياضة والتي تمنح الفرصة للشباب، ذكورا وإناثا، لتعلمها وممارستها، وبعد ذلك تنظيم منافسات رياضية على جميع المستويات والمشاركة فيها.
مصطفى حببش، أستاذ مادة التربية البدنية فاعل جمعوي بأكادير مهتم بالرياضات المائية، قال في تصريح لهسبريس إن هذه الرياضة “عرفت انتعاشة كبيرة بمنطقة أكادير منذ أواخر الأربعينات من القرن الماضي، موازاة مع الحركة العالمية للهيبيزم؛ إذ كان أغلب الأجانب من هذه الفئة يتخذون من المناطق الشاطئية لشمال أكادير ملجأ لهم ويمارسون بها السورف، فكان الاحتكاك طبعا مع الساكنة المحلية، مما أفرز عائلات كبرى معروفة بهذه الرياضة، لكن الممارسة كانت بشكل فردي ومحتشم”.
وأضاف: “في السنوات الأخيرة، ظهرت جمعيات تعنى بهذه الرياضة. فمثلا، جمعية أنزا للأمواج الزرقاء تبنت مشروع السورف للجميع؛ إذ حملت على عاتقها إتاحة المجال لجميع الفئات العمرية والاجتماعية لممارسة هذه الرياضة، اعتبارا لغلاء الزي والمعدات، لأنها مستوردة، فضلا عن كون تلقي دروس السورف ليس في متناول أبناء هذه المناطق، خاصة الأطفال”.
وعن أنواع رياضة ركوب الأمواج أو “السورف”، أوضح مصطفى حبيش أن “هذه الرياضة تتنوع بتنوع المعدات المستعملة، خاصة الألواح؛ فهناك ألواح طويلة وأخرى متوسطة وقصيرة، وهناك رياضة أخرى تسمى البودي بورد، حيث تلتصق اللوحة بالجسم، ثم هناك الويند سورف، أي السورف باستعمال الرياح، وهو الممارس بشكل واسع في الداخلة، كما يمكن الحديث عن نوع آخر يسمى البادو. وتعد هذه الأنواع الأربعة من أكثر السورفات ممارسة في منطقة أكادير ونواحيها”.
واعتبر المتحدث لهسبريس أن “تشجيع الاستثمار في هذه الرياضة بأكادير ونواحيها سيؤدي إلى انخفاض أسعار المعدات، كما سيساهم في انتشار اللعبة وجعلها متاحة للجميع، فمن غير المنطقي أن نتوفر على هذه البحار ولا تكون لنا رياضة مائية تشرفنا في المنافسات العالمية، كالبرازيل وأمريكا الجنوبية التي تسيطر دائما على المنافسات الدولية. وفي هذا الإطار، فقد دعونا إلى إحداث مركب الرياضات المائية في حي أنزا لتعليم أبجديات السورف والتحكيم والتدريب بطريقة أكاديمية، فنحن نتوفر على شباب وأطفال يحتاجون إلى الاحتضان والمواكبة حتى نهيئ أبطالا في اللعبة ينافسون في الملتقيات الدولية، وقبل ذلك نجنبهم السقوط في براثن الانحراف، فجمعية واحدة لا يمكن أن تقوم بكل شيء”.
وواصل قائلا: “مع الارتفاع الملاحظ لعدد ممارسي السورف، خاصة الشباب، بمناطق أنزا، تمونزا، أورير، تغازوت، أورير، إيموران، أغروض، إيميودار إلى التامري وإمسوان، فقد أضحى هؤلاء يملكون مهارات جديدة، خاصة الحياتية، فالاحتكاك مثلا بالأجانب ينطوي على مهارات وممارسات جديدة في الحياة، أبرزها تعلم اللغات بما يتيح لهم أن يكونوا خير سفراء لبلدنا ولمنطقتنا أكادير، ويصبحوا أيضا عناصر للترويج السياحي والتسويق لجهتنا وتنويع العرض السياحي والتعريف بثقافتنا وعاداتنا المغربية المتجذرة وبالمؤهلات الكثيرة المتوفرة”.
وأبدى التونسي عطوش، رئيس جمعية أنزا الأمواج الزقاء للرياضات البحرية، انشراحه لتزايد أعداد الممارسين لهذه الرياضة مقارنة مع الماضي، موردا أن “الجمعية بانخراطها في الجامعة الملكية المغربية لركوب الموج، سهلت لممارسي هذه الرياضة اللعب والمشاركة في تظاهرات محلية وجهوية ووطنية وحتى دولية، فضلا عن كونها رياضة أولمبية”، مبرزا أن “الجمعية تتيح تعلم الرياضة بالمجان وبدون تمييز بين الجنسين، فضلا عن توفير فرص للشغل، كما تعمل على استقطاب الناشئة وكل الفئات العمرية وتوفير الظروف الملائمة والمعدات للممارسة في أريحية”.
وفيما تشق اللعبة طريقها لتدرج ضمن قائمة الرياضات المدرسية، فقد بدأت أولى بوادر ذلك تظهر في مدينة أكادير؛ إذ نظمت المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، بتنسيق مع الفرع الإقليمي للجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية، وبتعاون مع جمعية أنزا الأمواج الزرقاء للرياضات البحرية، النسخة الأولى من البطولة الإقليمية المدرسية لركوب الموج بشاطئ أنزا، وهي البطولة الأولى من نوعها في القطاع المدرسي تأمل جمعية أنزا الأمواج الزرقاء في تعميمها بالمناطق الساحلية التي تشهد ممارسة “السورف”.
واعتبر التونسي عطوش أن مشروع الجمعية “السورف للجميع وبالمجان”، وكذا واقع الجمعية واشتغالها المتواصل، فضلا عن التظاهرات التي نظمتها، من قبيل أول بطولة وطنية محلية، تظاهرة جهوية، إقصائيات بطولة المغرب، أول بطولة للبراعم في رياضة السورف والبودي بورد، وأول بطولة مدرسية بشاطئ أنزا، ومشاركتها في العديد من التظاهرات الوطنية والجهوية والدولية، “كل ذلك يجعل إحداث مركب للرياضات البحرية بأنزا أمرا مأمولا، وندعو المسؤولين، كلا من موقعه، إلى تبني هذا المشروع، لا سيما جماعة أكادير”.
وفي الوسط القروي، تحضر أيضا رياضة السورف؛ إذ وبخطى حثيثة تسير جمعية “تفنيت لركوب الموج” بإقليم اشتوكة آيت باها نحو احتضان أطفال وشباب قرية تفنيت، ورغم حداثة نشأتها فقد قطعت أشواطا في زيادة الإشعاع لمنطقة تفنيت السياحية، عبر استقطاب ممارسين من المغرب وخارجه، فضلا عن مسارها في مجال تعليم أبجديات الرياضة لأبناء المنطقة، مساهمة بذلك في ملء فراغ كثير من الشبان وانتشالهم من الشارع وما يوفره من خطر الانحراف.
وديع الزريت، رئيس جمعية تفنيت لركوب الموج، قال في تصريح لهسبريس إن إنشاء هذه الجمعية جاء بعد تفكير مجموعة من الشباب الممارسين لهذه الرياضة، حيث “عملنا على جمع المعدات من الممارسين في أكادير ونواحيها، نظرا لعدم توفرنا على إمكانيات مادية لاقتنائها، ونعمل على تحبيب هذه الرياضة لشباب المنطقة، مما لاقى استحسان الساكنة والشباب الذين انخرطوا معنا، فكان الحلم واقعا؛ إذ كنا نشاهد الأجانب وحدهم من يمارسونها، لكن بعزيمتنا القوية أصبح بإمكان شباب القرى بدورهم الولوج إليها وممارستها والاستمتاع بها”.
وطالب الزريت “السلطات الإقليمية والجماعات الترابية، وكل المصالح المعنية، بدعم هذه الجمعية لتواصل أداء رسالتها الرياضية والاجتماعية والتربوية”.