نموذج مشرف رفع العَلَم المغربي بكندا هو سعيد المجداني، الذي أبدع برنامجا لتعليم أطفال صغار البرمجة؛ فجعل منهم نوابغ بلغت مستويات عالمية وحققت نجاحات معترف بها على الصعيد العالمي، أو كما وصفها كتاب أصدرته إحدى الجامعات الأمريكية بـ”المعجزة”.
بداية مسار المجداني كانت كمدرس رياضيات بإقليم الجديدة لمدة ثمانية أعوام، قبل أن يهاجر إلى كندا ويتعلم البرمجة بالجامعة، ثم يقرر “محاولة تغيير كيفية تعليم البرمجة على مستوى التعليم الثانوي، وعقبها على مستوى الإعدادي”.
البداية كانت، حسب رواية المجداني لهسبريس، بالصدفة، قائلا: “كان هناك تلميذ يريد تعلم البرمجة، فأخبرته بالقدوم إلي عقب الدرس. حملت حاسوبي معي، فإذا بي أصادفه وبرفقته 15 من التلاميذ. حينها، توجهت إلى إدارة المؤسسة لطلب حواسيب للاشتغال أو الدخول إلى القاعات المجهزة؛ إلا أنهم أعلموني أن هذا غير ميسر.
تحدثت مع التلاميذ، وقررنا أن نأخذ الحواسيب المهترئة ونعيد إصلاحها والاشتغال عليها”.
انطلقت السنة الدراسية بـ15 تلميذا وأربعة حواسيب تم إصلاحها، وانتهت بـ70 تلميذا و10 حواسيب؛ لأن “رغبة التلاميذ في التعلم والتفوق والتميز في هذا المجال بدون امتحانات أو النقط تجعلهم يبدعون”، يورد المتحدث لهسبريس.
نماذج عديدة من التلاميذ بلغت مستويات متفوقة. وفي هذا الصدد، قال المجداني: “بعد سنة، استدعيت من ضمن التلاميذ الذين تعلموا تلميذة إلى المقر العام لغوغل بكالفورنيا؛ لأنها اخترعت جهازا للكشف عن مشاكل نبضات القلب عن طريق ما تعلمته بحواسيب الخردة. أصبح الفريق يمثل كندا في مسابقات الربوت، وباتت نجاحات التلاميذ تفاجئنا سنة بعد أخرى”.
اليوم، تلاميذ المجداني استطاعوا، على الرغم من أعمارهم الصغيرة، أن يحجزوا مقاعد في كل من سيليكون فالي وميتا وتيسلا وبأكبر الشركات على الصعيد العالمي؛ فيما أسس تلاميذ آخرون مقاولات ناشئة قيمتها بملايين الدولارات.
وعلق المجداني: “الناس ينظرون إلى تجربتنا كشيء غريب، وتم توصيفها بالمعجزة ضمن كتاب صدر بجامعة كانساس يحمل عنوان: الأستاذ الذي خلق معجزة بالصدفة”.
وأضاف المجداني: “إنهم يعتبرون ما يتحقق في منطقة صغيرة شمال البيرتا لا يتحقق بثانويات ومؤسسات بالسليكون فالي أو وسط بوسطن أو غيرها من المناطق التي بها زخم تكنولوجي كبير”.
وأكد المتحدث ذاته أن النجاحات التي حققها تلاميذه لم تكن صدفة؛ بل سنوية، وتزيد سنة بعد أخرى، وتفوق التوقعات يوما تلو آخر.
ومع مرور السنوات، استطاع الأستاذ المغربي أن يخلق “زخما ودينامية”، قائلًا: “اليوم، بت أحس بنفسي مثل الشيخ الكبير الذي يأتيه الناس فقط لأخذ البركة.. أنت تشرف عليهم؛ لكنهم يقومون بكل شيء لوحدهم”.
وأعلن المجداني أنه بات اليوم يخلق “برامج لتعليم التلاميذ من مستوى الرابع ابتدائي، إذ حصلت تلميذة من هذه الفئة على منحة بقيمة 630 ألف دولار؛ وهو رقم قياسي على مستوى كندا. كما أن إمكانياتها بالبرمجة هائلة، وباتت تمثل بالنسبة لها لغتها الأمّ، حين تنتج وتبتكر كأنها تتحدث لغة الأم”.
واعتبر المجداني أن “السن له دور حاسم في نجاح برنامجه”، قائلا: “الأطفال الصغار يستخدمون جهتي الدماغ لتعلم اللغات، على عكس حينما يكبرون في العمر. حينها، يستخدمون جهة واحدة”.
وتابع: “الفرصة لتعلم اللغات تكون أسهل وأسرع في سن صغير؛ بما في ذلك لغة البرمجة، فكلما تعلمها الأطفال وهم صغار كلما كان أفضل، ولن تشكل لهم هاجس أو رهبة وبدون أي حواجز”، مؤكدا أن “صغر السن عامل حاسم أيضا في الابتكار؛ فالقدرة الابتكارية تكون أكبر في سن أصغر”.
حاز المجداني على جائزة التعليم المميز بكندا عام 2019، أكبر تتويج يقدمه رئيس الوزراء الكندي. وقال “كانت مفاجأة؛ لأنه تم ترشيحي من قبل التلاميذ الذين قاموا بالمبادرة بشكل ذاتي، وقاموا بتعبئة الجميع وإعداد ورقة ترشيح من 37 صفحة كانت مؤثرة تحمل حكاياتهم داخل القسم وكيف تغيرت حياتهم بفعل ذلك”.
أما عن إمكانيات تطبيق برنامج المجداني بالمغرب، فأكد أنها “جد كبيرة”، قائلا إن “البلاد تتوفر على إمكانيات كبيرة وغير مستغلة مع وجود أطفال أذكياء”.
وتابع: “الناس يظنون أن الأدوات والآليات يمكنها أن تدخلهم إلى عالم التكنولوجيا، في حين أن الأهم هو التكوين الذي يراعي الجودة، والأهم هو أن يكون تكوينهم صلبا”.
وأكد المجداني أن “التلاميذ لهم مستوى جامعي وهم في الإعدادي. بعد ست سنوات، يكون مستواهم أفضل بكثير ممن تخرجوا من الجامعات؛ بل يتفوقون عليهم”، متابعا: “شاركنا في أكبر مسابقات الابتكار في كندا بثلاثة مرشحين ضد أساتذة ومهندسين ومن لهم مستويات جامعية. ومن بين الستة النهائيين كان أولئك التلاميذ الثلاثة الذين لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة”، داعيا إلى ضرورة “الثقة في إمكانيات الأطفال الصغار ومنحهم تكوينا صلبا”.