تمسك بسنة مجتمعية مغربية تحتفي بحفظة القرآن اليافعين والشباب، شهدته الرباط في حفل “سلطان الطلبة” الذي احتفى بـ 110 طالبات وطلاب ختموا حفظ القرآن، من بينهم 57 طفلا لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة.
وكانت ساكنة العاصمة الرباط على موعد مع الدورة التاسعة من “عرس سلطان الطلبة”، الذي تنظمه مؤسسة الحاج البشير الخاصة للتعليم العتيق، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بتنسيق مع المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة والمندوبية الإقليمية.
ويستلهم هذا الحفل مقصده ورمزيته من الاحتفال التاريخي بحفظة القرآن بالعاصمة السابقة فاس، منذ القرن 17، وتتفرع عنه “مسيرة النور” التي “تعكس في خلفيتها التاريخية ما عرف عن المسلمين عموما، والمغاربة على وجه الخصوص، من شدة عنايتهم بالقرآن الكريم وحَفَظَته باعتباره صمام الأمن الروحي والعطاء الحضاري، واشتهر أهلها، شعوبا وملوكا، بعنايتهم وتنافسهم في العناية بالقرآن الكريم”، وفق مدير المهرجان عبد الفتاح الفريسي.
وقال الفريسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “مهرجان سلطان الطلبة هو أحد معالم الإبداع المغربي في مجال خدمة القرآن الكريم، يعود تاريخه إلى ذلك الاحتفال السنوي الذي كان طلبة جامعة القرويين بمدينة فاس يحيونه احتفاء بقدوم فصل الربيع على ضفاف واد فاس، ويستمر على شكل مهرجان يدوم أسبوعا كاملا”.
وأضاف: “نشأت فكرة سلطان الطلبة في النصف الثاني من القرن السابع عشر في عهد الملك المولى رشيد العلوي، حينما وقف المغاربة مع الشرعية ودافعوا عن العرش المغربي، يتقدمهم في ذلك حفظة القرآن الكريم وقراؤه؛ فتم تكريمهم من طرف الملك بأن يتم اختيار أجود طالب وأمهر حافظ للقرآن الكريم لتتويجه سلطانا للطلبة (وهم قراء القرآن)، إذ يعين من يفوز ملكًا وهميًا لمدة أسبوع، في حين إن أصدقاءه الطلبة يقومون بدور الحاشية”.
وذكر الفريسي أن إحياء هذا التقليد بدأ في سنة 2009، حيث “بدأ مهرجانا صغيرا، وظل يكبر بمساهمة الفاعلين والسلطات ووزارة الأوقاف”، علما أن “قانون التعليم العتيق يدعو إلى الانفتاح على المجتمع، وأخذ المبادرات التي تروم انفتاح المؤسسة على محيطها”. ثم زاد: “عندما تكون النية والانفتاح على الجميع، وعندما يكون الهدف هو القرآن وليس غرضا آخر، يلقى الأمر التشجيع من كل الجهات”.
ووضع مدير “مهرجان سلطان الطلبة” هذا الاحتفال في إطار “الاعتزاز بثوابت الأمة الإسلامية وأصول الإنسية المغربية التي تستحق التكريم والنشر؛ فلا يمكن للإنسان أن يكون مبدعا إلا إذا كان متفانيا في حب وطنه، وكل الصور التي تأتي وفيها نوع من التطرف والإرهاب الفكري نعتقد أنها دخيلة على المجتمع المغربي، ولا يمكن أن نحقق التوازن الروحي إلا من خلال الاعتزاز بالثقافة المغربية، والتراث المغربي، والفلسفة المغربية في الجمع بين العصر والأصل”.
واستحضر المتحدث ما يعكسه احتفال “سلطان الطلبة” من علاقة تاريخية “بين السلطان مولاي رشيد حينما أزيح عن عرشه، وبين حفظة القرآن الكريم وطلبته الذين قاموا مع الشرعية، وردوا المسائل إلى أصلها ودافعوا عن العرش”.
ثم قال: “التدين الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا في صف الشرعية، وحينما دافع الطلبة عن الشرعية رد لهم الملك الأمر وشجعهم واعترف بفضلهم وأنشأ عرس سلطان الطلبة الذي بقي متوارثا إلى حدود ستينات القرن العشرين، ثم انقطع بعد ذلك، والآن نحاول أن نعود بهذا العرس ونعيد له بهجته وصورته الجميلة في التوفيق بين الراعي والرعية، ونشر ثقافة المحبة والتسامح وحب الوطن”.