اتسم الموسم الدراسي المنقضي بـ”توتر واضح” زاد من حدته شد الحبل الذي بصم الزمن المدرسي، هذا العام، بين آباء وأمهات التلاميذ والمؤسسات التعليمية الخاصة في المغرب، مع تشبث أغلب مالكيها باستخلاص واجبات الدراسة لشهر يوليوز الجاري.
وأثير الموضوع في الأسابيع القليلة الماضية غير ما مرة، سواء عبر شكايات مباشرة لآباء وأولياء تلاميذ أو منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي أو عبر أسئلة كتابية وشفوية تقدم بها نواب برلمانيون إلى الوزير الوصي على قطاع التربية الوطنية. وشكلت مسألة “مدى قانونية استخلاص الرسوم الدراسية لشهر يوليوز من قبل المؤسسات التعليمية الخاصة” موضوع أسئلة كتابية توجه بها، نهاية يونيو الماضي، نواب عن فرق ومجموعات برلمانية متعددة إلى الوزير شكيب بنموسى، مطالبين الوزارة باتخاذ “تدابير تحسم السجال الدائر بين أولياء الأمور والمؤسسات التعليمية الخاصة، الذي زادت حدته في الموسم الدراسي الحالي”.
“ابتزاز وإجبار”!
آخر فصول مسلسل “الشد والجذب” بين الطرفين، وردت من طنجة؛ حيث رفضت مؤسسات خاصة “تسليم شهادات البكالوريا للتلاميذ مشترطةً على أوليائهم دفع المستحقات المتبقية”، في وقت أفادت فيه مالكة إحدى المؤسسات الخصوصية للتعليم الأولي والحضانة بعاصمة البوغاز بأن “ربُع الأسَر هي التي فقط قامت بأداء واجبات شهر يوليوز المتعلقة بأنشطة ترفيهية لأبنائهم”، مؤكدة، في حديثها مع هسبريس، أن “مؤسسات خصوصية أخرى بالمدينة ذاتها أجبَرت فعلا آباء التلاميذ على أداء مبالغ شهر يوليوز”؛ وهو ما وصفته المتحدثة بأنه “ابتزاز واضح”، مستدركة بالقول إنها “تحترم الطرفين وحُجج كل منهما”.
ورفضت بعض المدارس الخاصة، أيضا في مدينة سلا، منح “شهادات النجاح” الخاصة بسلك الباكالوريا أو شواهد الانتقال لفائدة التلاميذ، بدعوى “ضرورة دفع المستحقات المترتبة عن شهر يوليوز”، قبل أن يصل الأمر ببعضها درجة رفضها تسليمهم شهادات الباكالوريا لعدم أدائهم مستحقات الشهر نفسه الذي يقول الآباء أن أبناءهم “لم يدرُسوا خلاله أصلا”؛ معتبرين الأمر، في تصريحات متفرقة لهسبريس، “تعسفا في حقهم”.
“تعنت” يقابَل باحتجاج
وحسب شهادات تواترت على لسان أولياء أمور التلاميذ في مدن عديدة، فإن ممارسات مؤسسات خاصة سيؤدي إلى “حرمان المئات من أبنائهم من خوض اختبارات ولوج المعاهد والجامعات المرتقب إجراؤها قريبا؛ ما يتسبب في تعطيل وعرقلة مسيرتهم الدراسية”، مستنكرين، في تصريحات لهسبريس، ما وصفوه بـ”تعنت أرباب ومديري مدارس التعليم الخاص برفض تسليم شواهد ووثائق مدرسية لأبنائهم”.
واحتج آباء وأمهات تلاميذ التعليم الخصوصي أمام أبواب مدرسة خاصة في سلا، صباح الأربعاء 21 يوليوز الجاري، ضد إجبارهم على أداء رسوم الشهر ذاته، الذي صادف بحسبهم انتهاء الدراسة والعطلة الصيفية، مرددين شعارات من قبيل: “هذا عيب هذا عار، وْليداتنا في خطَر.. هذا عيب هذا عار، التعليم في خطر”.
وأوضح والد تلميذ تحدث لهسبريس أن مطلبهم بـ”إعفائهم من أداء شهر يوليوز” قوبل فقط من طرف المدير بإعفائهم من واجبات النقل، موضحا أن “مذكرة الوزارة تنص على نهاية الدراسة في 02 يوليوز”.
وهدد هؤلاء الآباء بـ”انتقال جماعي لأبنائهم في حالة عدم التجاوب مع مطالبهم وإيجاد حل”، بعد تقديمهم لعريضة إلى إدارة المؤسسة، ستصل نسخة منها أيضا إلى المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية.
“سلوك مشين وغير مسؤول”
محمد النحيلي، رئيس اتحاد آباء وأمهات وأولياء تلميذات وتلاميذ مؤسسات التعليم الخاص بالمغرب، اعتبر، في اتصال مع هسبريس، أن واقعة حرمان بعض التلاميذ من وثائقهم المدرسية تعد “سلوكا مُشيناً وطائشا وغير مسؤول وغير مواطَناتي” ينم عن “رعونة في التعامل”؛ ما يضع الآباء في مواجهة فراغ “انعدام المخاطَب”، ويضطرهم إلى الاحتجاج.
وأضاف النحيلي، في تصريحه، أن “المسؤولية يجب أن يحملها الآباء إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين أو المديريات الإقليمية”، قبل أن “تضيع الفرصة على التلاميذ من طرف أرباب التعليم الخاص”، لافتا إلى أن لجوء بعض المؤسسات إلى “بالون اختبار عبر التعنت في إصدار وثائق شخصية هي حق للتلميذ يكون هدفه لي ذراع الآباء واختبار صمودهم ومدى مقاومتهم”.
وأكد المتحدث ذاته أن الأمر يشكل “انتهاكا صريحا لمقتضيات تشريعية، كقانون حماية المستهلك وقانون تنظيم التعليم الخصوصي بالمغرب”، بفعل “العلاقة الملتبسة بين الطرفين والتي لم تتجرأ الوزارة بعد على توضحيها”.
وخلص النحيلي إلى أن “القضاء يظل الملجأ الوحيد قانونيا أمام آباء تلاميذ التعليم الخاص قصد إنصافهم، في ظل استمرار تجاهل وحياد سلبي للوزير كسلطة وصاية؛ بالرغم من مراسلات متكررة قصد لقائه ومناقشة الموضوع معه”.
“حالات شاذة ومعزولة”
من جانبه، أوضح عبد العزيز بوقدير، نائب رئيس فيدرالية التعليم الخاص المنضوية تحت “الاتحاد العام لمقاولات المغرب CGEM”، المكلف بالتعليم العام الخصوصي، إن “الزمن المدرسي لهذه السنة، الذي حددته الوزارة في مذكرتها بين فاتح أكتوبر 2021 و20 يوليوز 2022 (يتضمن 10 أشهر)، قد شهد إزاحة للحفاظ على صحة التلميذ؛ وهو ما يُلزم المؤسسات الخاصة باحترام هذه المقتضيات باعتبارها جزءا من المنظومة التربوية بالمغرب”.
واعتبر بوقدير، في تصريح لهسبريس، أن النقاش المثار “نوعا ما مغلوط، ويتضمن كلاما مردوداً عليه؛ لأن المذكرة الوزارية واضحة وتتضمن جزأين: أحدهما يحدد آخر يوم في الموسم الدراسي، وآخر يتحدث عن آجال إجراء الامتحانات”، لافتا إلى أنه “نقاش يظل حبيس فيسبوك والشبكات الاجتماعية أكثر منه واقعيا”.
وعن “امتناع وتعنت بعض المدارس في تسليم شواهد الباك”، شدد بوقدير على أنها تظل “حالات شاذة ومعزولة تخص مدارس متوسطة وصغرى، ولا تعبر عن واقع أزيد من 6 آلاف مدرسة خاصة بالمغرب”، مطالبا “الوزارة بإصدار مقتضيات تنظيمية واضحة وملزمة للتعاقد السنوي الذي يربط المؤسسات بآباء التلاميذ”.
نظام داخلي “متوافق عليه”
أكد سليمان القرشي، مدير مساعد مكلف بمجال التعليم الخاص بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في تواصل مع هسبريس، أن الوزارة “حريصة على مرور العملية التربوية في ظروف جيدة”، موضحا أن “مصلحة التلميذ تظل قبل كل شيء، وأي صراعات مادية يجب تصريفها بعيدا عنه”.
وشدد المسؤول الوزاري، في إفادته، على أن الوثائق الخاصة بالتلميذ “هي حق من حقوقه، لا يحق لأي أحد أن يصادِرها، وتظل في مِلكية الإدارة بعد نجاح التلميذ في امتحاناته”، كاشفا أن الوزارة “لم تتوصل على الصعيد المركزي بأي شكاية في هذا الموضوع، كما أنها حالات شاذة لا يُقاس عليها”.
وخلص القرشي إلى أن وزارة التربية الوطنية تعمل على “إعداد وإصدار نظام داخلي للتعليم الخاص نموذجي يحدد حقوق واجبات كل طرف ومتوافق بشأنه، سيمكن من توضيح شروط التعاقد بين الأسَر وأرباب المؤسسات الخاصة عبر علاقة شفافة”، مشيرا إلى أن العكس هو الحاصل حاليا.