“إن البحث المحموم عن أعداء وهميين وضجيج تمجيد القومية القبلية يشكل سياسة بالية عفا عليها الزمن لنظامٍ جزائري يعيش حالة سيئة، ولم يعُد بمقدوره ستر إخفاقاته المتكررة وعجزه عن إيجاد الظروف المواتية لرفاهية شعبه”؛ بهذه العبارات وصفت المجلة الفرنسية “ماريان”، في عددها الأخير، ما اعتبرته “تُرهات” ينشرها الإعلام الجزائري الموضوع تحت خدمة “نظام العسكر” لاستهداف محيطه الإقليمي المتشكل من المغرب وإسبانيا وفرنسا.
ويبدو من خلال المقال التحليلي، الذي نشرته “ماريان” لأكاديمي فرنسي أستاذ باحث في جامعة “Pau”، جمال بويور، أن الإعلام الأوروبي، لا سيما الفرنسي منه، قد بدأ يعي “منسوب المظلومية” التي يمارسها هذا النظام من منصات مختلفة؛ لكن “الثابت فيها هو عداؤه المفرط لجاره الغربي الذي تحولت سياسته بشكل شمولي لمعاداته وجعله “البُعبع” الذي يخيف به الشعب الجزائري، موضحا حين اصطدم بمواقف تناقض هذا التوجه لدى القوى الغربية، استعار هذا العداء ليمارسه ضد كل من فرنسا وإسبانيا”.
وتساءل الباحث ذاته، ضمن المقال الذي اطلعت عليه هسبريس، والموسوم بعنوان “التحامل على فرنسا وإغلاق حدودها.. استخفاف جزائرٍ تعيش أسوأ حالاتها»، عماذا “لو قررت فرنسا في يوم من الأيام السير على خُطى إسبانيا وتبني نفس مواقفها؟ وإذا ما قامت إيطاليا بالشيء نفسه، ما الذي ستفعله الجزائر؟”، لافتا إلى أن «فرنسا ما عليها إلا أن تصمُد، وإلا فإن الجزائر لن تتردد في استدعاء سفيرها على عجل، كما حدث في أكتوبر الماضي عندما قامت الجزائر بحظر مجالها الجوي على الطائرات العسكرية الفرنسية (مع استدعاء سفيرها)، بعد تصريح للرئيس إيمانويل ماکرون حول ريع الذاكرة”.
بدورها، لم تسلم إسبانيا، التي عادت علاقاتها مؤخرا مع المملكة المغربية إلى طبيعتها بعد اعتراف حكومة مدريد بواقعية وجدية المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء المغربية، من شظايا هذا “المرض الجزائري”، لتنضاف إلى قائمة الدول التي دخلت معها في داء مزمن بسبب سياسات “قصر المرادية”؛ أورد مقال المجلة الفرنسية مذكرا بقرار الجزائر، في 8 يونيو الماضي، بقطع جميع العلاقات التجارية مع إسبانيا وتعليق «معاهدة الصداقـة»، بعد استدعاء سفيرها للتعبير عن استيائها، ولافتا إلى أن “السبب يستند على الترهات نفسها وتكرير الأسطوانة ذاتها”.
في هذا الصدد، قال خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول في وجدة، إن “تفسير سياسة العداء الجزائري لمحيطها متعدد الأسس، من أبرزها طبيعة نشأة الدولة الجزائرية في خضم القانون الدولي الحديث عن طريق ما سمي بـ’استفتاء تقرير المصير’”.
وأوضح شيات، في تصريح لهسبريس، أن “الدولة في الجزائر قد تشكلت في ظل سياق الحرب الباردة بدون روح ودون هوية ولا مرجعية، حاملة إرثا جغرافيا وتاريخيا لا يتناسب مع القوة السياسية للدولة في تدبير ذلك الإرث”.
وتابع الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية أنه مع وجود “معطى السلطة العسكرية المتوارثة منذ الحرب الباردة وبقاء النظام السياسي ذي الخلفية الاشتراكية، وعلى الرغم من سقوط الأيديولوجيا التي يتبناها، فإن طبيعة النظام والحكم لم تتغير؛ وهو ما يعني، حسب الجامعي ذاته، “وجود حاجة دولية إلى هذا النظام خدمة لأطراف معينة”، مبرزا أنه يخدُم أجندة التفكيك والتجزيء، سواء كان واعيا بذلك أم لا، فهو يعمل على تقزيم محيطه وعدم رغبته في وجود دول صاعدة ومستقرة مثل المغرب؛ ولعل هذا هو منطلق العداء.
وأردف المتحدث نفسه، في معرض حديثه، أن “العداء أصبح عقيدة لاستمرار هذا النظام العسكري في الجزائر عبر تشديد مفهوم العداء، وانطلاقا من رغبة وحاجة إلى دغدغة عواطف الشعب الجزائري وإيهامه بأن نظامه يقوم بدور حضاري (العداء المفترض لإسرائيل والأفكار القومية مثلا) من خلال التسويق الناجح لذلك داخليا”.
وأبدى شيات عدم استغرابه من وصول شرارات العداء الجزائري وأبواق نظامه الإعلامية إلى مس دول تساهم وتعترف بوحدة المغرب، كما حصل مع إسبانيا وفرنسا مؤخرا، لافتا إلى أن الداعي إلى ذلك يظل هو “استمرارية النظام نفسه وطبيعة تكوينه”.
وخلص أستاذ العلاقات الدولية إلى أن “هذا النظام السياسي بالجارة الشرقية ليس له أفق”، لأنه أصبح يعيش عزلة دولية متزايدة “تُفقده المصداقية وتجعلها دولة لا تفي بالتزاماتها التعاقدية الدولية كما فعلت مع إسبانيا ونيجيريا”، خاتما بالقول إن “أقصى ما تقوم به حاليا هو تسليح وإعادة تسليح الجيش الجزائري الذي يرتع في الفساد على حساب أولويات اجتماعية للشعب الجزائري”.