قال الباحث السياسي محمد شقير إن “هناك شبه اتفاق بين معظم الباحثين على طابع الاستمرارية الذي تميزت به الدولة بالمغرب عبر تاريخها”، مشيرا إلى تأكيد محمد أركون أن “الدولة المغربية عرفت أطول استمرارية مقارنة بدول أخرى في منطقة شمال إفريقيا، إذ إنه بخلاف الدولة الجزائرية التي عرفت عدة تقطعات في الزمان والمكان، تمتعت الدولة المغربية باستمرارية متواصلة، سواء في مرحلة ما قبل الفتح الإسلامي أو في المرحلة الإسلامية”.
وأضاف شقير، في مقال له بعنوان “النقود ورمزية تطور الدولة بالمغرب”، أن “توفنو أشار إلى أنه تم العثور على عدة قطع نقدية بوليلي تحمل اسم الملك المغربي بوكوس، وفي السياق نفسه يضيف كاني أن كل النقود التي ضربت في الحقبة الموريتانية، وبالأخص في الفترة التي تعاقبت فيها أسرة بوكوس إلى حدود الفترة التي تولى فيها الملك بطليموس، كانت تحمل بالإضافة إلى بعض المعالم الطبيعية والدينية صورا للملوك الذين تعاقبوا في تلك الفترة”.
وجاء ضمن المقال ذاته أن النقود كانت في المرحلة الإسلامية أداة رئيسية لترسيخ السلطة وتجسيد طموحها في الاستقلال ومحاولة توحيد المجال المغربي، موضحا أن “النقود التي ضربت من طرف بعض الإمارات التي تشكلت قبيل حكم الأمراء المرابطين، كإمارة بني مدرار، وإمارة النكور، وإمارة برغواطة، وكذا إمارة الأدارسة، كانت لا تحمل اسم الخليفة في المشرق، بل كانت تحمل أسماء هؤلاء الأمراء الأدارسة، دلالة على استقلال الدولة المغربية عن مركز الخلافة”.
هذا نص المقال:
هناك شبه اتفاق بين معظم الباحثين على طابع الاستمرارية الذي تميزت به الدولة بالمغرب عبر تاريخها؛ ذلك أن السمة الأكثر بروزا في مسار الدولة المغربية، حـسب عبد الله ساعف؛ هي “استمراريتها، وثقل المدى الزمني الطويل الذي تميزت به، كدولة قديمة ورثت موارد دائمة من الماضي”. وفي هذا السياق أيضا، أكـد مــحمد أركون أن الدولة المغربية عرفت أطول استمرارية، مقارنة بدول أخرى في منطقة شمال إفريقيا؛ “فـبـخـلاف الـدولـة الـجزائـرية التي عرفت عدة تقطعات في الزمان والمكان، تمتعت الدولة المغربية باستمرارية متواصلة سواء في مرحلة ما قبل الفتح الإسلامي أو في المرحلة الإسلامية”. وهكذا يشير أركـون إلـى أن الـدولـة الـمـغـربـيـة ذات الـطـابـع الإسـلامـي، وعلى غرار نظيرتها التونسية، تميزت بأطول استمرارية. وقد عكست النقود هذه الاستمرارية السياسية.
وأشارت الباحثة كريستين بريز في مؤلفها بعنوان Monnaie du pouvoir, pouvoir de lamonnaie إلى أن النقد يقوم بثلاث وظائف سياسية أساسية: فهو تجسيد للحكم، وأداة لوجوده، ورمز لاستمراريته. ووفق هذا المنظور فقد شكـلـت النقود في المغرب رمزا من رموز استمرارية الدولة، وعنصرا من عناصر تكوينها وأحد وسائل تأكيد هويتها. وهكذا، فمن خلال النقود التي تم اكتشافها إلى حد الآن يمكن رصد مختلف التطورات التي عرفتها الدولة بالمغرب، سواء في مرحلة تبلوها أو في مرحلة ترسخها.
– النـقـود ورمزية تبلور الدولة بالمغرب
أشار توفنو إلى أنه تم العثور على عدة قطع نقدية بوليلي تحمل اسم الملك المغربي بوكوس. وفي السياق نفسه يضيف كاني في دراسته “Monnaie et nation au Maroc” إلى أن كل النقود التي ضربت في الحقبة الموريتانية، وبالأخص في الفترة التي تعاقبت فيها أسرة بوكوس (118 إلى 33 ق م)، إلى حدود الفترة التي تولى فيها الملك بطليموس (40-23 بعد الميلاد)، كانت تحمل بالإضافة إلى بـعـض الـمـعالـم الطبيعية والدينية صورا للملوك الذين تعاقبوا في هذه الفترة.
وقد ألمح كاني إلى أن هذه النقود تحمل عدة دلالات سياسية تتجلى في:
– التعبير عن إرادة السلطة القائمة تأكيد وجودها.
– التأكيد على وجود استمرارية للحكم.
– تأكيد السلطة على تحكمها في مجالها السياسي.
كما عبرت هـذه الـنـقـود عـن الفترة السياسية التي توسع فيها الحكم الروماني في المغرب، وطبيعة العلاقات التي كانت بين الملوك المغاربة والإمبراطورية الرومانية؛ كما عكست مختلف المحاولات التي قام بها الملك جوبا الثاني لتوحيد البلد، وذلك من خلال العثور على عدة قطع نقدية تحمل اسم هذا الملك في مختلف مـدن الـمـغـرب الـقـديـم، كما أكد على ذلك الباحث الفرنسي جودان في مؤلفه Volivbilis Ivbe ( contribution à l’étude des civilisations du maroc antique préclaudien)
– النقـود ورمزية ترسخ الدولة بالمغرب
لقد كانت النقود في المرحلة الإسلامية أداة رئيسية لترسيخ السلطة وتجسيد طموحها في الاستقلال ومحاولة توحيد المجال المغربي. وهكذا كانت النقود التي ضربت من طرف بعض الإمارات التي تشكلت قبيل حكم الأمراء المرابطين، كإمارة بني مدرار، وإمارة النكور، وإمارة برغواطة، وكذا إمارة الأدراسة، لا تحمل اسم الخليفة في المشرق؛ بل كانت تحمل أسماء هؤلاء الأمراء الأدارسة دلالة على استقلال الدولة المغربية عن مركز الخلافة.
كما أن النقود التي تم ضربها من طرف المرابطين والموحدين والمرينيين كلها كانت تعبر عن إرادة توحيد المغرب وإخضاعه لسلطة سياسية وحيدة. وقد تجلى ذلك من خلال الدنانير المرابطية التي كانت تشدد على ضرورة التشبث بالمذهب المالكي الذي أصبح المذهب الرسمي للدولة. في حين أن النقود التي ضربت من طرف الأمراء الموحدين شددت هي أيضا على هذا المنحى؛ ليتم تكريس ذلك من طرف السلاطين المرينيين الذين أكدوا من خلال النقود التي كانت تضرب في عهدهم على ضرورة الالتزام بالقرآن كدستور للدولة. وهكذا كانت تكتب في النقود المرينية عبارة “القرآن هو إمامنا” و”القرآن هو كلام الله”.
وقد سار الوطاسيون ومختلف الأسر الحاكمة التي تعاقبت بعدهم على النهج نفسه للتعبير على استمرارية الدولة من خلال النقود المضروبة في دور السكة، التي كانت تحت إشراف الأمراء والسلاطين والملوك المغاربة.