على بعد ساعة واحدة فقط بالسيارة من المكان الذي ستحضر فيه النخبة المالية العالمية اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش الأسبوع المقبل، يعيش مغاربة في خيام وسط أنقاض قراهم المدمرة يعانون العوز بعد الزلزال المميت الذي وقع الشهر الماضي.
وعلى مقربة من مقر الاجتماعات في المدينة، حيث الأضرار الناجمة عن الزلازل أقل حدة، جرى بالفعل ترميم سور المدينة القديمة وتغطية مئذنة سقطت وإزالة الأنقاض وتشذيب المروج وزراعة الزهور.
لكن في جبال الأطلس الكبير حيث قُتل معظم ضحايا الزلزال وعددهم زهاء ثلاثة آلاف، يعيش قرويون في خيام، دون أن يتسنى سوى لقليلين منهم إيجاد حمامات أو مراحيض تعمل، على مساعدات حكومية بينما يحاولون مواصلة حياتهم التي قلبها الزلزال رأسا على عقب.
ويعكس التناقض الواضح أوجه عدم المساواة في بلد يتمتع ببعض أكثر البنية التحتية والصناعات تقدما في إفريقيا لكن يعيش فيه العديد من فقراء القرى دون خدمات أساسية بما في ذلك أنظمة الصرف الصحي.
وتم الإعلان عن سعر الإقامة لليلة واحدة في غرفة نوم مزدوجة بفندق المأمونية التاريخي في مراكش خلال اجتماعات صندوق النقد هذا الأسبوع بمبلغ 20 ألف درهم مغربي (1900 دولار). ويبلغ متوسط نصيب الفرد سنويا من الناتج المحلي الإجمالي بين سكان هذه المنطقة نحو ألفي دولار فقط.
وقال عمر آيت أوكادير، الذي فقد ابنيه خالد (14 عاما) وتوفيق (10 أعوام) في الكارثة حين هز الزلزال قرية إيمي نتالا النائية حيث قٌتل 84، “كان الأمر أشبه بقنبلة”. ونجت زوجة آيت أوكادير وابنتهما.
وبينما يجمع خشبا من أطلال منازل منهارة ليبني كوخا إلى جانب الخيمة الصفراء المنصوبة بين أشجار على مشارف القرية، حيث يتصببون عرقا نهارا ويكادون يتجمدون من البرد ليلا، شكا آيت أوكادير قائلا إنه لا يعرف ماذا سيفعل عندما ينزل الثلج في الشتاء.
ودُمرت معظم المنازل في إيمي نتالا أو لحقت بها أضرار بالغة، وأدى الانهيار الأرضي إلى إغلاق الطريق الوحيد لمدة أسبوع. ويتشارك سكان القرية في استخدام أربعة مراحيض كانت لا تصلها إمدادات المياه عندما زارت رويترز القرية هذا الأسبوع.
ووعدت السلطات بتعويض ضحايا الزلزال بما يتضمن دفع راتب شهري قدره 250 دولارا لكل أسرة وآلاف الدولارات لإعادة بناء المنازل المدمرة. وتوزع خياما وبطانيات وتنشئ مستشفيات ميدانية وتزيل الأنقاض.
وتعتزم الحكومة استثمار 12 مليار دولار في إعادة الإعمار والبنية التحتية على مدى خمس سنوات في المنطقة التي دمرها الزلزال. ووافق صندوق النقد الأسبوع الماضي على قرض بقيمة 1.32 مليار دولار، طُلب قبل الزلزال، للحماية من الكوارث المتعلقة بالمناخ.
عودة السياحة
من المتوقع أن يحضر أكثر من عشرة آلاف شخص اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بناء على طلب مباشر من الحكومة المغربية، وقالت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك إن الرباط أعطت ضمانات بأن المؤتمر لن يعطل أعمال الإغاثة.
وكان من المقرر عقد الاجتماع السنوي في مراكش قبل وقت طويل من وقوع الزلزال، ومن المتوقع أن يتناول القضايا العالمية لا سيما تخفيف عبء الديون عن كاهل البلدان الفقيرة والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن النزاعات بين الولايات المتحدة والصين.
ويُنظر إلى الاجتماع الآن على أنه مهم لجذب السياح إلى المغرب، ودعم قطاع حيوي لمراكش الخلابة والمناطق المحيطة بها التي ضربها الزلزال.
وفي ساحة جامع الفنا الشهيرة بالمدينة، حيث يحتشد السكان المحليون والسياح أمام فناني الشوارع وأكشاك السوق للاستمتاع بالأكل المحلي وحلقات الموسيقى، قال حميد بنعدي من محل للعصائر إنه يأمل أن تساعد الاجتماعات في إعادة الزوار.
وأضاف “كان العمل بطيئا بعض الشيء ولكن الآن والحمد لله بدأت الحياة الطبيعية تستأنف تدريجيا”.
وعلى بعد نحو 50 كيلومترا جنوبي مراكش، تعود الحياة الطبيعية تدريجيا إلى مدينة أمزميز، حيث تخدم المقاهي والمطاعم الزبائن في المباني المهدمة على الرغم من أن الحطام لا يزال يتساقط أحيانا من الأسطح والأسقف.
يعيش عصام المزكوطي في واحدة من مئات الخيام المنتشرة في أنحاء البلدة مع زوجته وأطفاله الستة بعد انهيار منزلهم.
وقال إن أكبر مشكلة يواجهها الناجون من الزلزال حاليا هي غياب المراحيض ومرافق الاغتسال الكافية، وهي مشكلة تحدث عنها أيضا آيت أوكادير في قرية إيمي نتالا، الذي قال إنه لم يتمكن من الاستحمام إلا مرة واحدة منذ وقوع الزلزال.
وقال المزكوطي إن عائلته واحدة من حوالي 100 أسرة تتشارك في مرحاضين وصنبور واحد للمياه.
وقال “يخرج الرجال لقضاء حاجتهم في الخلاء ويتركون المرحاضين للنساء اللاتي يضطررن للوقوف في طوابير طويلة ليلا ونهارا”.