أزمة وصراع تيارات وفوضى في كل مناسبة ينظم فيها حزب معين نشاطا أو يعقد هيئة من هيئاته المركزية؛ هذه المشاهد باتت تتكرر حتى داخل “الأحزاب الوطنية” بما تحمله من تاريخ نضالي ومساهمات في مختلف محطات مغرب ما بعد الاستقلال، فهل يتجه المغرب نحو فقدان أحزاب وطنية قوية؟ ومن الخاسر الأكبر جراء تردي دور الفاعل الحزبي؟.
صراع السلطة
محمد شقير، الباحث والمحلل السياسي، أكد أن ما يعيشه المشهد الحزبي حاليا مرتبط بعاملين أساسيين، الأول له صلة بتداعيات الانتخابات التشريعية الأخيرة، والثاني بتداعيات تجديد القيادة الحزبية؛ “ففي ما يخص العامل الأول فهو ينعكس من خلال إعادة انتخاب بنكيران كأمين عام للحزب الذي كان يتصدر الحكومة، حيث أدت النكسة السياسية الانتخابية والنفسية التي أصيب بها أطر وقواعد هذا الحزب إلى التحالف من جديد حول بنكيران لإعادة هيكلة التنظيم بعدما جمد بعض قيادييه نشاطهم وأبعد آخرون”.
وأضاف شقير، في تصريح لهسبريس: “الأمين العام الجديد قام بزيارات إلى مختلف فروع الحزب لإعادة ترميم أوصاله، مكررا من جديد خطاباته الشعبية في معارضة حكومة أخنوش، ومعوضا النقص في عدد نوابه داخل البرلمان”.
أما ما يشهده حزب الاستقلال، أحد مكونات الحكومة الحالية، فيرجع بالأساس، بحسب الباحث ذاته، إلى موقع أنصار ولد الرشيد داخل أعرق حزب، إذ إن “استحواذ تيار ولد الرشيد على الذراع النقابي، وكذا على بعض الأجهزة التقريرية للحزب، دفع به إلى الطموح إلى إضعاف موقع الأمين العام من خلال خلق منصب نائب الأمين العام، وإبعاد بعض القيادات الحزبية الموالية لبركة من اللجنة التنفيذية؛ وبالتالي فالصراع الداخلي الحالي بين الاستقلاليين هو محاولة لتموقع أنصار ولد الرشيد في أفق أن يتمكنوا من أن يصلوا إلى قيادة حزب الاستقلال، وإبعاد عائلة الفاسي وأنصارها من القيادة”.
وفي ما يتعلق بحزب التقدم والاشتراكية، “فما عرفه من فوضى نابع من قيام الأمين العام الحالي بتكرار تجربة إدريس لشكر في الحصول على ولاية ثالثة، في خرق سافر للنظام الداخلي للحزب، أو على الأقل العمل على انتخاب أحد مقربيه للأمانة العامة؛ في حين أن هناك تيارا مناوئا للأمين العام يحاول أن يعارض هذا التوجه والعمل على تطبيق نوع من الديمقراطية الداخلية”، وفق المتحدث ذاته.
كما أوضح شقير أن ما حدث من عنف داخل اجتماع اللجنة التحضيرية لمؤتمر “حزب الكتاب” يعكس
“الصراع المحموم حول قيادة الحزب”؛ وكل هذا “يظهر غياب آليات الديمقراطية الداخلية، وعجزها عن تداول ممأسس وديمقراطي على قيادة الأحزاب، وفي الوقت نفسه تجديد فعال للنخب السياسية بالمغرب”، وفق تعبيره.
الخاسر الأكبر
من جانبه أكد حسن بلوان، الباحث في العلوم السياسية، أن “الأحزاب الوطنية الحقيقية لا تموت، ولا يمكن أن تفقد قوتها المؤثرة داخل الساحة السياسية مهما بلغت الهزات التنظيمية والانتخابية”، مسجلا بأسف “ما تعيشه معظم التنظيمات السياسية المغربية والتاريخية من صراعات داخلية وحروب طاحنة تحركها المصالح الشخصية والتشبث بالكراسي والقيادة”.
وأضاف بلوان أن “فشل معظم الأحزاب المغربية في محطاتها التنظيمية التي تنتهي إما بصراعات دامية أو انسحابات جماعية أو انشقاقات موازية ظاهرة مقلقة في المشهد السياسي المغربي، وتؤثر بشكل كبير على مشاركة وانخراط المواطنين في الحياة السياسية”.
وعزا الباحث ذاته حالة الأحزاب المغربية إلى “عدم امتلاك معظمها مشاريع مجتمعية وأيديولوجيات واضحة ودقيقة؛ زد على ذلك سيطرة المصالح الشخصية الضيقة ومحاولات السيطرة والاستحواذ على التنظيم والزعامات الخالدة”.
“كما أن هناك أسبابا موضوعية تتعلق بالقوانين المنظمة للأحزاب، فرغم راهنيتها وتقدمها إلا أنها لا تتعامل بالحزم الكامل أمام هذا الاستهتار الحزبي الذي يشوه ويؤثر على الحياة السياسية المغربية. ورغم وجود توجهات لضبط الحقل السياسي والحزبي إلا أن الدولة مقتنعة بأهمية الأحزاب السياسية التمثيلية والتأطيرية للمواطنين”، يضيف المتحدث ذاته.
كما أشار بلوان إلى أن “الرابح الأكبر من تردي دور الفاعل الحزبي هم أصحاب المصالح وذوو النزعة التحكمية وبعض الزعامات الخالدة؛ وفي المقابل لا نهاية لمقياس الخسارة أمام ضعف الأحزاب السياسية المغربية، بدءا بالديمقراطية والعملية السياسية برمتها التي تعاني من عزوف كبير للمواطن أمام مثل هذه الصراعات والحروب الطاحنة داخل التنظيمات الحزبية، بالإضافة إلى المؤسسات الدستورية التي تتمثل فيها مثل هذه التنظيمات الحزبية المنهكة والضعيفة”، على حد وصفه.