قبل ظهور وسائل التكنولوجيا الحديثة، أي قبل عقدين ونصف العقد، اعتاد الناس استغلال فترة الأعياد لتوطيد العلاقات وتقوية صلة الرحم من خلال تبادل الزيارات فيما بينهم طيلة أيام العيد.
وبدأت الكثير من التقاليد والعادات الراسخة لدى أهل المغرب في الاندثار منذ ظهور التكنولوجيا الحديثة، إلى أن أصبحت التهنئة عبر تطبيق الرسائل النصية القصيرة (اس ام اس) أو تطبيق التراسل الفوري “واتساب”، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كأفضل وسيلة لدى غالبية الناس، خاصة الشباب منهم.
ويرى الحسين أحساين، من شباب دوار تيمارغين، أن “وسائل التكنولوجيا الحديثة دخلت لتفرض نفسها بديلا عن اللقاءات والبهجة بلقاء الأقارب، وغيرت من أشكال التهنئة بالأعياد، وأصبح من الشائع بين الناس إرسال رسائل نصية ومصورة معبرة عن المناسبة بدلا من الاتصال الهاتفي أو تبادل الزيارات”.
وأضاف أحساين، في تصريح لهسبريس، أن “العالم الافتراضي طغى على واقعنا الذي نعيش فيه بشكل مبالغ فيه”، موضحا أن “العالم الافتراضي نال نسبة قد تبلغ 99 في المائة من الواقع المعاش”، داعيا الشباب إلى “العودة إلى التقاليد والعادات الراسخة، وترك التواصل الافتراضي جانبا، خاصة في مثل هذه المناسبات، للم الشمل”، وفق تعبيره.
صلة الرحم؟
عن وسائل التواصل الحديثة لتقديم التهاني في الأعياد، حاورت جريدة هسبريس الإلكترونية مواطنين من مختلف الفئات العمرية حول التغيرات في شكل الأعياد وطقوسها الاجتماعية، فكانت الآراء مختلفة.
عمي علي أسعدان، يبلغ من العمر 75 سنة، من إقليم زاكورة، قال إن “شباب اليوم يفضلون تقديم تهاني العيد عبر الهاتف، عكسنا نحن كبار السن، حيث زيارة الأحباب والإخوة والعائلة واجب قبل أن تكون عادة وتقاليد”، مشيرا إلى أن “الجيل الحالي في الطريق إلى مسح مفهوم صلة الرحم من قاموسه”.
وأوضح عمي علي أن “كل جيل يعيش وقته؛ نحن كنا متحابين فيما بيننا ونصل الرحم، ولم نكن نعرف الهاتف والإنترنيت”، مضيفا: “جيل اليوم يعيش وقته أيضا؛ فعالم اليوم هو عالم الإنترنيت والهاتف والتواصل الاجتماعي”.
وترى حليمة عكيوي، شابة من مدينة ورزازات، أن “وسائل التواصل الاجتماعي يسرت إرسال التهاني إلى الأهل والأصدقاء وزملاء العمل بضغطة زر واحدة، وأتاحت خيارات مفتوحة”، معتبرة أن “الوقت الذي نعيشه اليوم أحسن من الوقت الذي عاشته الأجيال الماضية”.
وذكرت المتحدثة لهسبريس أن التكنولوجيا الحديثة قلصت المسافات؛ “فهي تقرب البعيد، لكنها في الوقت نفسه تبعد القريب (تقلص من الزيارات)”، موردة أنه “رغم إيجابيات التكنولوجيا الحديثة، إلا أنها سرقت فرحة الأعياد وأفسدت مضمونها الذي يرتكز على التقارب وصلة الرحم”.
وترتكز الأعياد الدينية بالأساس على تبادل الزيارات، إلا أن شباب اليوم يرون أن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت مشقة التنقل ومصاريفه.
الدين وصلة الرحم
وتواصلت جريدة هسبريس الإلكترونية مع بعض الأئمة والفقهاء وأعضاء ببعض المجالس العلمية المحلية بجهة درعة تافيلالت، حيث أجمع هؤلاء على أن الاعياد الدينية جعلها الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة للتنفيس عنها، وصلة الأرحام، والتقرب إلى وجهه الكريم.
عبد الصمد ايت بنعلي، إمام بأحد مساجد درعة تافيلالت، قال إن “فترة الأعياد هي فترة يجب على المرء استغلالها لينال رضى الله والفوز بالجنة”، موضحا أنه “بعد صلاة العيد ونحر الأضحية، يجب على المرء أن يخرج زائرا لأرحامه، وأقاربه وجيرانه، وأصحابه ورفاقه، يبتغي بذلك وجه الله تعالى، وليكون قدوة يقتدى به”.
وأضاف ايت بنعلي، في تصريح لهسبريس، أن “التكنولوجيا الحديثة ساهمت في قطيعة الأرحام، وهي موجودة بكثرة في هذا الزمان”، مشيرا إلى أن “الله سبحانه وتعالى حذر عبده من قطع الأرحام، وذلك في سورة البقرة الآية 27 (يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون)”، مضيفا أن “على المرء ألّا يقطع الأرحام، عليه أن يقوم بزيارة أهله وأحبابه وإخوانه وأصدقائه، كل ذلك من أجل لقاء وجه ربه الأعلى”.
وأكد المتحدث ذاته أن “للتكنولوجيا الحديثة إيجابياتها الكثيرة، لكن لا يجب استعمالها أكثر من اللازم إلى درجة أن تسبب للمرء قطع الأرحام وجعلها وسيلة لانتشار البغض والحقد والحسد بين الناس، خاصة المقربين”، مختتما حديثه بالقول: “اتقوا يوم الحساب وصلوا الأرحام وانهوا عن الفحشاء والمنكر”.