تعتزم لجنة الطلبة الباحثين بسلك الدكتوراه في تخصصات العلوم القانونية والاجتماعية والإنسانية والشرعية والآداب بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، الثلاثاء 28 يونيو 2022، تنظيم “اعتصام إنذاري طيلة يوم كامل”، في سياق حملتهم الترافعية الهادفة إلى “إلغاء القرار التعجيزي القاضي بإلزامية النشر بالمجلات المحكّمة والمفهرَسة بقاعدة بيانات “scopus” وَ”Web of science””، وإلى “إسقاط قرار إجبارية النشر” وربطها بمناقشة أطروحاتهم، كرد منهم على ما اعتبروه “تعنّت رئاسة الجامعة”.
وتشهد العلاقة بين الجامعة والطلبة الباحثين، الذين شكلوا لجنة للدفاع عن ملفهم المطلبي منذ منتصف الموسم الجامعي الحالي، توتراً متصاعداً، بعد أن نظموا وقفة احتجاجية أمام رئاسة الجامعة يوم الجمعة 22 أبريل 2022، أعقبَها تعميم “بيان موجّه إلى الرأي العام”، اعتبَر ما أقرّه مجلس جامعة فاس “مثيراً للاستغراب”.
وأشار البيان، الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه -حينها- إلى أنه “بعد استنفادهم كافة السبل الرامية إلى البحث عن الحلول الواقعية الهادفة إلى إيجاد صيغة منصفة وعادلة للطلبة الباحثين، فإنهم يستنكرون بشدة الطريقة التي تعاملت بها رئاسة الجامعة مع مطلبهم القاضي بإلغاء إجبارية النشر بهذه المجلات وربطها بالمناقشة، والحفاظ على الصيغة الاختيارية مع تقديم التحفيزات للباحثين أسوة ببعض الجامعات الوطنية”.
وتعود تفاصيل وحيثيات هذا الملف إلى سنة 2020، حين اعتمد مجلس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس قراراً يقضي بـ”إلزامية نشر مقال على الأقل بالمجلات المفهرسة في قاعدة بيانات “scopus” وَ”Web of science””، وجعله شرطاً للمناقشة بالنسبة للطلبة المُسجّلين سنة 2018 و2019، ومقاليْن على الأقل بالنسبة للطلبة المسجلين ابتداء من 2020؛ لكن الطلبة المعنيين به اعتبروه “قرارا لم يتم تدارس تداعياته ولم تتهيأ الشروط لتنزيله، بل ولَمْ تُراعَ عند اتخاذه خصوصيات بعض الحقول المعرفية التي يصعب النشر فيها بهذه المجلات من طرف الأساتذة، بل إن عدد الأساتذة الذين نشروا بهذه المجلات قليل جدا، بالنظر إلى صعوبات لا صلة لها بجودة البحث العلمي”.
وانتقد طلبة الدكتوراه الباحثون في جامعة فاس عملية اتخاذ هذا القرار، الذي “لم يحترم المقاربة التشاركية والتشاورية للمعنيين بالأمر”، إذ تحكّمت، بحسبهم، في إقراره “الكثير من الاعتبارات البعيدة عن مصلحة الطالب الباحث، وهذا إجحاف في حق الطلبة الباحثين باعتبارهم محور المنظومة الجامعية”.
“إجحاف” في حق الطلبة الباحثين
عادل اقليعي، طالب باحث بمختبر الدراسات الأدبية واللسانية وعلوم الإعلام والتواصل بكلية الآداب سايس- فاس، أوضح أن “الطلبة ليسوا رافضين فكرة النشر في مجلات محكّمة، بل هناك فعلا طلبة سبق لهم النشر فيها؛ لكن الجامعة لم تكتف بمطلب النشر فقط، بل إنها حددت قاعدة بيانات معيّنة يجب أن تضمها المجلة المنشور فيها المقال العلمي”، مضيفاً أن “النشر في تلك المنصات المذكورة تعترضه صعوبات كبيرة تجاهَلها قرار مجلس الجامعة؛ أبرزها الإكراه المادي (1000 إلى 3000 دولار لنشر مقال الطالب الباحث)، ثم استغراق مدة النشر سنة أو أكثر، فضلا عن إشكالية اللغة والترجمة، نظراً لكونها مجلات بلغات أجنبية بالنسبة لتخصصات العلوم القانونية والاجتماعية والإنسانية والشرعية والآداب”.
وأضاف أقليعي، في إفادته لهسبريس، بأن “المس بمبدأ المساواة كما نص عليها الدستور بين جميع المواطنات والمواطنين، والتكريس لعدم تكافؤ الفرص بين طلبة الجامعات، يلحق حَيْفاً شديدا مسبّبا أضرارا جمة للطلبة الباحثين، بما في ذلك تفويت الفرص عليهم وهدر الزمن الجامعي، ناهيك عن تكريس التمييز النخبوي”.
ومن جملة ما انتقده الطلبة في بيانهم الأول، الصادر أبريل الماضي، أن الإقرار بإلزامية النشر بالمجلات المفهرسة بهذه الحقول المعرفية يعدّ “بمثابة استخفاف بما ينتجه الباحثون بالجامعة المغربية، واستهتار بمجهوداتهم طيلة سنوات البحث”؛ لافتين إلى أنه “إجحاف في حق الطلبة الباحثين والأساتذة، لأنه تم تركيز مشروع البحث في مجرد ما ينشره الطالب بمجلة مفهرسة، مع الإشارة إلى أن قاعدة البيانات ذات أهداف ربحية وبعضُ ما ينشر فيها بالحقول المعرفية سالفة الذكر ليست له أي قيمة علمية مقارنة مع ما ينشر بمجلات أخرى”.
الجامعة: رقيّ بمستوى الأبحاث والتميّز
وفي وقت يؤكد الطلبة الباحثون ويثمّنون أهمية مبادرة الجامعة في تجويد البحث العلمي وآلياته، لكن “ليس باعتماد شرط تعجيزي”، فالمجال، بحسبهم، “يحبل بالعديد من المجلات المفهرسة والمصنفة ضمن قاعدة بيانات أخرى، أو ذات لجان تحكيم وازنة، سواء على المستوى الوطني أو العربي أو الدولي، ولا يقتصر الأمر لزوما على scopus و web of science”؛ ترد الجامعة، على لسان مصدر مسؤول في رئاستها، بأن القرار “يندرج في إطار إستراتيجيتها لتجويد البحث العلمي وجعله في مستوى التنافسية الأكاديمية بمعايير عالمية؛ وهو طموح مشروع سنذهب فيه للرقي بمستوى الطلبة والتميّز البحث العلمي عموما”.
وتابع المصدر المسؤول، الذي تحدث مع هسبريس من رئاسة الجامعة، التي يضم مجلسها 60 عضواً يمثلون فئات الأساتذة الجامعيين والطلبة من مختلف الأسلاك، فضلا عن الإدارة، بأن “آخر اجتماع للجنة البحث العلمي والتعاون في 15 يونيو 2022 أكد بالإجماع قراره مواكبة الطلبة الباحثين في مسار النشر في مجلات دولية مفهرسة ومحكّمة عبر برمجة تدريبات وتكوينات ابتداء من شتنبر المقبل لفائدة طلبة باحثي الدكتوراه، فضلا عن نداء لطلب أفكار شارَك فيه طلبة لهم أفكار مشاريع مقالات حول كيفية صياغة الأفكار وإخراجها في حلة علمية عبر نشاط سينظم قريباً تحت اسم ‘الإقامة العلمية من أجل النشر’”.
وخلص المتحدث ذاته إلى دعوة الطلبة إلى “الانخراط في دينامية بنّاءة شهدتها جامعة فاس منذ سنوات، ارتقت بها في مصاف الترتيب البحثي والأكاديمي العالمي والوطني”، نافياً أن تكون المؤسسة الجامعية “أقصَتْ أو استبعدت الطلبة من مسار اعتماد القرار باعتبار عضويتهم في مجلس الجامعة عبر ممثلين يوصلون صوتهم”.