تضمنت جلسات الملتقى الدولي حول الحماية الاجتماعية، الذي انعقد بالصخيرات يومي 26 و27 يوليوز الجاري، نقاشات مستفيضة بين عديد من الفاعلين قاربوا من خلالها مختلف جوانب هذا المشروع الهام الموسوم عبر عنوان الملتقى بـ”الورش الملكي”.
واختار منظمو الملتقى عنونة الجلسة الثانية بـ”تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.. ضامن للتآزر الاجتماعي”، جامعة فوق منصتها شخصيات بارزة وطنيا، من قبيل المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومدير وكالة التأمين الصحي وممثل عن هيأة الأطباء بالمغرب ورئيس اللجنة التقنية للتلقيح، فضلا عن رئيس الفدرالية المغربية للصناعات الصيدلية، ورئيس الصندوق الفرنسي للتأمين عن المرض.
في مستهل النقاش، قال مسيّر الجلسة خالد سبيع، مفتش المالية، إن “العام 2025 سيشكل تاريخا مفصليا بالنسبة للمغرب الذي سيعمّم جميع خدمات الحماية الاجتماعية، بما فيها معاشات التقاعد والتعويض عن فقدان العمل”، واصفا هذه الفترة بـ”العصر الذهبي الاجتماعي” بالمغرب، مع إقرار القانون الإطار المنظم لأجندة أجرأتها.
واعتبر المتحدث ذاته أن قانون الحماية الاجتماعية هو “طموح موضوعي لتأمين حياة المغاربة ضد الأخطار الكبرى المحدقة بهم”، قائلا إنه مشروع ضخم يطرح تجسيده واستدامته علامات استفهام وتحديات تنتظر الإجابة عنها.
تسارع ملحوظ
في كلمة له ضمن فعاليات الجلسة الثانية، قال حسن بوبريك، المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إن ورش تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض قد شهد “تسارعا ملحوظا وكبيرا منذ دجنبر 2021؛ تاريخ مصادقة الحكومة فعليا على مجموعة مراسيم تطبيقية كانت ضرورية لإدماج العمال غير الأجراء”، مؤكدا في السياق ذاته ما ذهب إلى إعلانه رئيس الحكومة خلال افتتاح الملتقى بالقول: “تقريبا أغلب المراسيم تمت المصادقة عليها، وهي منشورة بالجريدة الرسمية للمملكة”.
بوبريك أورد أرقاما جد حديثة، قائلا إنه إلى حدود اليوم، “تمكنت مصالح صندوق الضمان الاجتماعي من تسجيل أكثر من 2 مليون شخص عامل من خارج فئة الأجراء (travailleurs non-salariés)؛ منهم 840 ألف مزارع وفلاح، و380 ألف حِرَفي، وكذا قرابة 300 ألف مقاول ذاتي، و250 ألف صانع تقليدي وتاجر، في إطار المساهمة المهنية الموحدة (CPU)، وتقريبا معظم المهن الحرة والمستقلة”.
وأضاف المدير العام لـ”CNSS” شارحا: “من بين المليونيْن، هناك بالفعل 330 ألف شخص فتحوا حساباتهم على بوّاباتنا الإلكترونية وشرعوا في التصريح بعائلاتهم (الأزواج والأطفال) بهدف ضمان الاستفادة فعليا من التأمين الإجباري عن المرض”.
كما أوضح بوبريك أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يعالج ألفيْ ملف للتأمين الإجباري عن المرض يوميا، مصدرها هؤلاء العمال غير الأجراء، مشددا على أن ذلك يعني أن “التغطية الإجبارية ضد المرض هي اليوم حقيقة ميدانية”.
وعبّر المسؤول ذاته عن استعداد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لقيادة هذا الورش، لافتا إلى أنه قد تمت مراجعة العمليات، بالإضافة إلى تكييف أنظمة المعلومات الخاصة بالصندوق لتتبع خطوات تحديد الهوية والتسجيل”، موضحا في هذا السياق أن “كل خدمات الصندوق مرقمنة لتبسيط الإجراءات على المؤمَّنين”، موردا أنه تم توسيع شبكة الضمان الاجتماعي بالمغرب عبر افتتاح حوالي 50 وكالة هذا العام، مع فتح وكالات أخرى متوقعة خلال 2023 قصد تغطية مجمل التراب الوطني، قبل أن يردف بأن “آجال السداد المتوسطة تصل حاليا إلى 9,15 يوما”.
“الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يدّخر جهدا في سبيل تفعيل هذا المشروع، لاسيما عبر الشراكات مع شبكات للقرب، بهدف ضمان تتبع الملفات والرفع من قدرات المعالجة لمواكبة التطور المضطرد للنشاط”، حسب ما خلُص إليه بوبريك في ختام مداخلته.
“التزام وتحدٍّ”
من جهته، أكد مدير الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، خالد لحلو، أن “التغطية الصحية تشكل في الوقت نفسه التزاما وتحديا”، باعتبارها تندرج في إطار “تفعيل توصيات مختلف المؤسسات، خصوصا منظمة الصحة العالمية”.
لحلو، الذي استعرض بعض جوانب تدخل ومساهمة الـ”ANAM” في ضمان التعميم الشامل للتأمين الإجباري الصحي باعتبار الوكالة تشكل قطب الرحى في هذا الإصلاح، سجل أن تقرير النموذج التنموي الجديد شدد على المسألة الصحية، ما يعني أن المملكة المغربية تتوفر على “رؤية في هذا المجال”.
مبادئ وقيم التغطية الصحية بفرنسا
الجلسة الثانية تميزت أيضا بمداخلة رئيس الصندوق الوطني للتأمين الصحي في فرنسا، فابريس غومبير، الذي أكد أن “الضمان الاجتماعي في فرنسا يشكل أحد المبادئ القيمة للدولة التي يتشبث بها كل الفرنسيين”، موضحا أنه يقوم بشكل أساسي على “المساعدة المتبادلة بين مختلف فئات المجتمع، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، شبابا أو مسنّين”.
الضيف الفرنسي على ملتقى الحماية الاجتماعية بالصخيرات استعرض أبرز مرتكزات النموذج الفرنسي، موردا أنه “يتضمن مساهمة كل شخص حسب إمكانياته ويتلقى الحماية حسب حاجته”، لافتا إلى أن كل مواطن له الحق في ضمان الحد الأدنى الحيوي من أجل تقاسم أفضل للمخاطر.
وتوخى منظمو الملتقى، الذي التأم تحت رعاية الملك محمد السادس، بتنظيم مشترك بين وزارة المالية وجمعية أعضاء المفتشية العامة للمالية، أن يشكل فضاء نقاش مفتوحا للتفكير وتبادل الآراء، مع صياغة مقترحات عملية للمساهمة في التنزيل السليم لمشروع الحماية الاجتماعية في المغرب.
جدير بالتذكير أن برنامج الملتقى تضمن جلسة افتتاحية، تلتْها جلسات بمواضيع متعددة: الجلسة التقديمية حول “إصلاح الحماية الاجتماعية في المغرب وفي العالم”، الجلسة الثانية حول “تعميم التعويضات العائلية للحماية ضد مخاطر الطفولة.. نحو نموذج أكثر شمولية، الجلسة الثالثة حول “تعميم التغطية الصحية الإجبارية: ضامن للتآزر الاجتماعي”، الجلسة الرابعة حول “تعميم التقاعد: نحو تحقيق المساواة بين الأجيال”، في حين ناقشت الجلسة الأخيرة “روافع مواكبة الحماية الاجتماعية”.