مرة أخرى، تضرب “حرب الطرق” بقوة في المغرب، مستمرة في حصد مزيد من أرواح المواطنين المغاربة وتكريس “نزيف الدماء” المتواصل منذ سنوات. وبَعدما كشفت مصالح السير والجولان التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني سقوط 20 قتيلا في 1577 حادثة سير في مدن متفرقة، في ظرف أسبوع فقط (من 08 إلى 14 غشت الجاري)، جاء انقلاب حافلة للنقل العمومي للمسافرين في إقليم خريبكة ليُعيد إلى الأذهان مدى فداحة وكلفة الظاهرة بشريا وماديا.
ونجَمت الفاجعة عن انقلاب حافلة للمسافرين كانت قادمة، أمس الأربعاء، من الدار البيضاء في طريقها إلى مدينة الفقيه بن صالح، بأحد المنعرجات على الطريق الوطنية رقم 11 الرابطة بين مدينتَي خريبكة والفقيه بن صالح؛ فيما أوضحت مصادر جريدة هسبريس الإلكترونية أن “عدد القتلى بلغ 23 قتيلا إلى حدود مساء الأربعاء، مع تسجيل عشرات المصابين بجروح وكسور متفاوتة الخطورة؛ من بينهم عدد من الأطفال”، جرى نقلهم إلى الأقسام الطبية بالمستشفى الإقليمي الحسن الثاني بخريبكة.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الحادث استنفر مصالح الدرك الملكي والوقاية المدنية والسلطات المحلية، من أجل نقل المصابين إلى المستشفى وإحالة الجثث على مستودع الأموات؛ وذلك عبر سيارات للإسعاف وأخرى لنقل الأموات تابعة للمجمع الشريف للفوسفاط والجماعات الترابية القريبة من مكان الحادث.
وبينما عدّد بلاغ سابق لمديرية الأمن الوطني الأسباب الرئيسية التي أدت إلى وقوع حوادث المدن، حسب ترتيبها، إلى “عدم انتباه السائقين، وعدم احترام حق الأسبقية، والسرعة المفرطة، وعدم انتباه الراجلين، وعدم ترك مسافة الأمان، وتغيير الاتجاه بدون إشارة، وعدم التحكم، وتغيير الاتجاه غير المسموح به، والسياقة في حالة سكر، وعدم احترام الوقوف المفروض بضوء التشوير الأحمر، والسير في يسار الطريق، والتجاوز المعيب، والسير في الاتجاه الممنوع”، فإن تشديد المراقبة في الطرقات خارج المدار الحضري للمدن بات يُطرح بقوة مع تكرار كل حادثة سير مُميتة.
وفي الوقت الذي فتحت فيه مصالح الدرك الملكي التابعة لسَرية خريبكة، تحت إشراف النيابة العامة المختصة، بحثا لتحديد أسباب وملابسات انقلاب الحافلة، أوضحت الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا)، على لسان مصدر مسؤول، أن “استكمال التحقيق الجاري في الموضوع كفيل بتوضيح حيثيات الحادث نواحي خريبكة، وإذا ما كان السبب يعود إلى السائق أم إلى الطريق”، مكتفيا بالتأكيد على أن مصالح الوكالة وباقي السلطات تتابع الوضع عن كثب.
وإذا كانت عمليات المراقبة والزجر في ميدان السير والجولان بالمناطق الحضرية قد مكّنت مصالح الأمن من تسجيل 47 ألفا و663 مخالفة وإنجاز 6532 محضرا أحيلت على النيابة العامة واستخلاص 41 ألفا و131 غرامة صلحية، خلال أسبوع، فإن مراقبة الطرق الوطنية وتشديد إجراءاتها خارج المدن ما زالت مطلب العديد من الفاعلين والمواطنين.
وأشارت التقديرات الرسمية إلى أن حوادث السير على طرق المغرب تستمر في حصد أرواح حوالي 3500 شخص، مخلّفة قرابة 12 ألف جريح سنويا؛ بمعدل 10 قتلى في اليوم، رغم وضع “إستراتيجية وطنية للسلامة الطرقية” قصد مواجهة هذه المشكلة مع تعزيز إجراءات تشديد المراقبة، لا سيما بعد فاجعة حافلة بين مراكش وَورزازات في الجنوب كان قد أسفر انقلابها عن 42 قتيلا في عام 2012.
وفي وقت تطمح فيه السلطات المغربية الوصية والمتدخلة في قطاع النقل الطرقي، حسب الإستراتيجية نفسها، إلى “خفض عدد حوادث السير إلى 50 في المائة بحلول عام 2026″، لا يزال الوضع “مقلقا، حسب الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (NARSA) التي سجلت ارتفاعا في حوادث السير في سنة 2021 بأكثر من 18 في المائة مقارنة مع 2020 وأكثر من 13 في المائة عن 2019”.
مخطط وطني للمراقبة
وضعت “نارسا” المخطط الوطني للمراقبة 2022-2024، الذي تستند منهجيته إلى تحليل وضعية حوادث السير حسب المجال الجغرافي والوقوف عند أسبابها الرئيسية وتحديد مواضيع المراقبة والمحاور الطرقية التي تشهد أكبر عدد من حوادث السير؛ إضافة إلى تسطير برنامج الاستثمار والحكامة وتقييم العمليات.
في هذا الصدد، سبق للمدير العام للوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، خلال لقاء صحافي لتقديم المخطط سالف الذكر، تأكيدُ على أن تنفيذ هذا المخطط يهدف إلى “التنسيق، بشكل تكاملي، بين عمليات مراقبة الطرق التي سطرتها مختلف الجهات المعنية القادرة على توفير الوسائل والمعدات اللازمة لتنفيذ مهامها”، مضيفا أن “تفعيل هذا المخطط الوطني سيتم تحت مراقبة لجنة مركزية للقيادة والتوجيه تدعمها لجَان إقليمية محدثة في كل مناطق المملكة”.
كما قامت الوكالة، في إطار مجهوداتها مطلع العام الجاري، بتعزيز إمكانياتها اللوجستية المستعملة في “عملية المعاينة والمراقبة الآلية لمخالفات قانون السير بشكل تدريجي”، في أفق بلوغ أزيد من 550 رادارا من الجيل الجديد عبر مختلف الجهات البالغ عددُها حاليا حوالي 150 جهازا.
“مراقبة من المحطة”
يونس أبوالسباع، رئيس اتحاد جمعيات السلامة الطرقية بالمغرب، قال إن “المسؤولية مشتركة بين جميع الأطراف المتدخلة”، مفسّرا ذلك بأن “الفضاء الطرقي يتقاسمُه الجميع”.
وأوضح أبوالسباع أنه ليس مستغرباً أن “تشكل حوادث سير حافلات نقل المسافرين نسبة 14 في المائة، التي تظل نسبة مرتفعة عموما”، متسائلا في هذا الصدد: “ما ذنب الأبرياء الذين يستقلون حافلة لا يعلمون ظروف اشتغال سائقها أو حالتها الميكانيكية مثلا؟”.
وتوقف الفاعل الجمعوي، في حديث مع هسبريس، كثيرا عند أوضاع مهنيّي النقل الطرقي للمسافرين، لاسيما فئة السائقين الذين خوّلتهُم مدونة السير صفة “سائق مهني”؛ وهو ما يستوجب، حسب المتحدث، “توفير اعتبارات عديدة تمس صميم ظروف عمله، لا سيما ساعات العمل والتغطية الصحية وغيرها”، مؤكدا أنه “إذا كان يتمتع بحقوقه المهنية كاملة، فإن نسبة وعدد الحوادث ومسبباتها ستنخفض بنسبة كبيرة تلقائيا”.
أبوالسباع لم يفوت فرصة أن ينسِب حصة كبيرة مما يعيشه مجال السلامة الطرقية بالمغرب إلى ما وصفها بـ”فوضى القطاع”، مؤكدا في نبرة إقرار وأسف: “حقيقة مُرّة، يؤدي المواطنون الأبرياء ثمنها”، لافتا إلى أن “المادة 137 من مدونة السير تتضمن إحداث لجان إدارية وتقنية إقليمية مهمتها البحث بعمق في أسباب الحوادث التي تقع في مختلف جهات المغرب، إلا أنها لم تُفعّل ولم تحدَث أصلا ما يطرح علامة استفهام كبرى”، وفق المتحدث ذاته.
وخلص رئيس اتحاد جمعيات السلامة الطرقية بالمغرب، الذي تأسس عام 2000، إلى أن “الحديث عن تشديد المراقبة يجرّنا إلى القول إن المراقبة وإجراءاتها تبدأ من المحطة من طرف لجان ثلاثية الأطراف مكلفة بذلك (موظفو المحطات، الشرطة، وموظفو وزارة النقل لمراقبة الطرق)”، نافيا أن يكون العامل البشري، وحده، سببا في 86 في المائة من مجموع الحوادث خلال العام الماضي مثلا.