تشخيص دقيق لأسباب “الأوضاع المعيشية وتدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” بالمغرب مع “تدارس سبل التصدي وآفاق النضال المجتمعي”، تضمنته فعاليات مائدة حوارية نظمتها فعاليات مغربية منضوية ضمن “الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان”، مساء الجمعة، بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط.
والتأمت قيادات حقوقية ونقابية وسياسية مغربية حول هذه المائدة المستديرة، في محاولة منها لـ”تقييم النضال المجتمعي ومناقشة الأوضاع الراهنة بالمغرب” من وجهة نظر حقوقية، أساسا، دون إغفال البعد الاقتصادي والاجتماعي الذي طغى على أغلب المداخلات التي أثثت فضاء النقاش.
أولى المداخلات جاءت اقتصادية، على لسان الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي، من موقع العارف بخبايا الأرقام والمؤشرات، التي استعرضها المتحدث ذاته قائلا إن “السياق الدولي للأزمة لا يمكن إنكاره؛ لكن الجزء الأكبر من أسباب ما نعيشه حاليا هو داخلي وليس خارجيا”، منبها إلى أن “الاقتصاد العالمي ليس بخير، فهو ينتقل من وضع سيء إلى أسوأ”، حسب توصيف أقصبي.
وأضاف الخبير الاقتصادي، في معرض تشخصيه، أن “توقعات النمو مخيبة للآمال في أغلب تقارير المؤسسات الدولية”، مستدركا أنه بالنسبة للمغرب، فإن “معطيات ومؤشرات التقرير الاستشرافي للمندوبية السامية للتخطيط بخصوص 2022/23 تظل مقلقة”، معتبرا أنها “دليل على شهادة معطيات مؤسسة رسمية على تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، لا سيما حين تحدث المندوب السامي عن تكريس التضخم المرتفع لمعدلات الفقر بالمغرب”.
ولفت أقصبي إلى أن ما نعيشه بإيجاز يعد “ركودا في ظل التضخم” أو ما يُعرَف أكاديميا بظاهرة “الركود التضخمي”؛ معتبرا أنه “وضع اقتصادي خاص” يزيده تفاقما ارتفاع أسعار المحروقات وتكريس العجز التجاري.
بدوره، تحدث عبد الرزاق الإدريسي، الكاتب العام لـ”الجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي” عن “الحقوق الثقافية التي غالبا ما تكون منسية في المرتبة الثالثة بعد كل من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، مبرزا أنها حقوق تظل لصيقة بقطاع جد حساس وحيوي هو التعليم، الذي تهدده حسبه نسَبُ “الهدر المدرسي والأمية المرتفعة”؛ قبل أن ينتقد النقابي ذاته “تخلي المدرسة عن النهوض بأدوارها التثقيفية والتربوية الأساسية”.
وكان صوت الجمعية المغربية لحماية المال العام حاضرا ضمن النقاش، في شخص عضوة مكتبها الوطني مريم بنخويا، التي رصدت مساهمة تنظيمها المدني في جهود “محاربة الفساد والرشوة واستغلال النفوذ والسلطة”، مشددة في هذا الصدد على “ضرورة ربط مسؤولية تدبير وصرف المال العام بالمحاسبة، وتفعيلها عبر دور المؤسسات القضائية والتنظيمية المنصوص عليها دستوريا”.
وأوردت بنخويا، في معرض مداخلتها، أرقاما اعتبرتها “مقلقة” عن وضعية الفساد الإداري بالمغرب، منبهة إلى “تأثيره المباشر في خسارة المملكة لنقط نمو ثمينة”.
من جانب آخر، أوضح يونس فيراشين، منسق “الجبهة الاجتماعية المغربية”، سياقَ تأسيس هذه الأخيرة، مشيرا إلى أن فكرة تأسيسها جاءت في سياق “التراجع وضرب مكتسبات الحقوق والحريات بالمغرب”، وفق تعبير المتحدث الذي تابع بالقول إن “النضال عبر النقابات والأحزاب التقليدية أثبت محدوديته وفعاليته، بشكل استدعى تجميع الفئات وتوحيد الديناميات الاحتجاجية الاجتماعية في إطار واحد”.
ولفت فيراشين إلى ضرورة تفعيل ما أسماه بـ”إستراتيجية القرب” ضمن نضالات “الجبهة الاجتماعية” كي تتمكن هذه الأخيرة من تبني “ملفات مطلبية محلية لها خصوصياتها”؛ وهو ما يقتضي “وسائل التعبئة النضالية عبر مجهود فكري وتأطيري وتواصلي” في ظل حقيقة مفادها أن “مختلف الفعاليات النضالية لا تنجح في الربط بين مطالب حقوقية كبرى والمعيش اليومي للمواطن”.
وحملت مداخلة علي بوطوالة، الكاتب العام لحزب “الطليعة الديمقراطي الاشتراكي”، محاولة للحديث عن الحلول الممكنة لإعطاء “زخم جديد للنضال، خاصة في الأوساط اليسارية بالمغرب”، مسجلا أن “تشخيص الأوضاع الراهنة بالمغرب يتضمن ارتباطا جدليا بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وحقوقي”، ومستدركا بالقول إن “السياسي هو العامل المحدد لبقية المجالات”.
وتابع بوطوالة قائلا إن “المطلوب حاليا هو كيفية حشد القوى من أجل نقلة نوعية للفعل النضالي بالمغرب”، معدِّدا في هذا الصدد أسبابا تتمثل في “تراجع الحركية الميدانية، وغياب المعارضة القوية مؤسساتيا”؛ ما نتج عنه، حسب القيادي اليساري، حدوث “أزمة ثقة عميقة في المجتمع تهدد بشلل النظام الاجتماعي”، قبل أن يختم قائلا: “توحيد اليسار هو ضرورة وجودية، وليست سياسية فقط”.
وبصمَ الحديث عن “توحيد اليسار المغربي” مداخلة عبد السلام لعزيز، الأمين العام لحزب “المؤتمر الوطني الاتحادي”، طارحا سؤالا جوهريا: “ماذا ننتظر من اليسار في الظرف الراهن؟”؛ قبل أن يقدم بعض عناصر الإجابة بالقول إن الاندماج بين مكوناته “لم يكن قسريا” بل كان الدافع إليه هو إعادة الروح إلى اليسار وعمله.
وشدد القيادي اليساري المغربي، الذي شارك حزبه ضمن تجربة “فيدرالية اليسار الدمقراطي”، على أن “الانفتاح على المواطنين وهمومهم يظل هو جوهر مطالب التغيير في المغرب”، مشيرا إلى ضرورة أن ينصب عمل اليسار على تقوية “مؤسسات الدفاع الذاتي عن المجتمع” وفق وصفه، مع “انتهاج سياسة القرب والميدان”.
يذكر أن الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، المؤسَّس سنة 2011، يجمع ضمن صفوفه حوالي 20 هيئة ومنظمة وفعالية حقوقية متعددة المشارب والأطياف، ويهدف إلى “جمع شتات الجمعيات الحقوقية بالمغرب وتوحيد النضال المجتمعي في ملفات معينة”، حسب ما ذكره أحد قياداته خلال المائدة الحوارية.
وكانت آخر مداخلات المائدة الحوارية من نصيب مصطفى البراهمة، الكاتب الوطني لحزب “النهج الديمقراطي”، الذي أشار إلى خطر “التشرذم السياسي وقوى النضال الحقوقي” على الفعل النضالي المناهض، قبل أن يهدف إلى ضرورة تبني شرطَيْ “الوضوح والوحدة” لبلوغ إحداث “قطيعة مع ميزان القوى المجتمعي الحالي”.
ودعا البراهمة، خلال كلمة موجزة، الفعاليات النضالية باختلاف أطيافها ومستوياتها (القواعد الجماهيرية كما القيادة) إلى العمل فعليا على تشكيل “جبهة الخلاص” بناء على برنامج مطلبي محدد، خالصا إلى أن توحيد الجهود يصب في تقوية الفعل النضالي الهادف.