نشر ائتلاف “فوربيدن ستوريز”، (قصص محظورة) تحقيقا صحافيا ادعى أنه “عكف على إتمامه بعدما تعذر استكماله من طرف الصحافي عمر الراضي”، المدان في المرحلة الاستئنافية بست سنوات سجنا نافذا من أجل الاغتصاب والتخابر بغرض المساس بالمصالح الدبلوماسية للمغرب، في قضية مازالت معروضة في آخر مراحل التقاضي على محكمة النقض بالرباط، باعتبارها أعلى محكمة بالمغرب.
وقد خصصت “فوربيدن ستوريز” التقرير الصحافي المنسوب لعمر الراضي لمناقشة مشروع عقاري قديم يعود إلى أكثر من عقد من الزمن، ويتعلق الأمر بتخصيص وعاء عقاري من الأراضي السلالية المستغلة من طرف جماعة أولاد سبيطة بين مدينتي سلا والقنيطرة لإقامة مشاريع عقارية تابعة لشركة الضحى، وهو المشروع الذي جاء في إطار برنامج تهيئة شاطئ الأمم.
واللافت للانتباه، مرة أخرى، أن الصحافة الفرنسية كانت أول من تلّقف هذا التقرير، وشَرَعَ في التصرف فيه بطريقة ممنهجة تعيد للأذهان طريقة التعاطي نفسها مع مزاعم بيغاسوس السابقة. فقد أفردت جريدة “لوموند”، مثلا، عنوانا مثيرا لتقرير “فوربيدن ستوريز” من خلال إقحام المحيط الملكي في هذا النزاع العقاري، في محاولة لتحميل التقرير حمولة سياسية بعيدة عن حقيقة المشروع وتداخلاته الاقتصادية والاجتماعية.
هسبريس اطلعت على هذا التقرير المنسوب للصحافي عمر الراضي، في محاولة لاستقراء معطيات جديدة قد تكون وردت فيه، مع تقييم الخلاصات والاستنباطات التي ادعى ائتلاف “فوربيدن ستوريز” أنه توصل إليها في هذا العمل “الاستقصائي”، والتي سمحت له باستخلاص وتكوين هذا الكم الكبير من القناعات السياسية التي تشاركها مع باقي الصحف الفرنسية حول هذا الموضوع.
عمر الراضي.. وإيفانكا ترامب!
استهلت “فوربيدن ستوريز” تقريرها بحوار صحافي أجراه عمر الراضي مع “راديو إم” (Radio M) و”مغرب إيمرجون” (المغرب الكبير الناشئ) في 22 دجنبر 2019، وهو تاريخ له دلالته.
وخلال هذا الحوار الذي تم بثه في إطار برنامج “L’invité du direct”، قال عمر الراضي: “أشتغل على تحقيق حول قبيلة أولاد سبيطة التي طردتها السلطات من أراضيها الزراعية بشمال العاصمة الرباط.. إننا أمام منطق افتراس عقاري”.
وربطت “فوربيدن ستوريز”، بشكل غير مقنع تماما، بين هذا الحوار وبين اعتقال عمر الراضي في قضية “التدوينة المهينة” للقاضي لحسن الطلفي، رئيس غرفة الجنايات الذي أصدر حكما بالإدانة في قضية أحداث الحسيمة، بل إن ائتلاف “قصص محظورة” سوف يذهب بعيدا عندما ربط بين متابعة عمر الراضي في قضية الاغتصاب والتخابر مع الأجنبي وبين ما قال إنه “عمله الصحافي حول انتهاكات الحقوق العقارية في المغرب، خاصة تلك التي تتمّ عن طريق التلاعب بمفهوم نزع الأراضي من أجل المنفعة العامة”.
الملاحظ أن مؤشرات التقارب “le rapprochement” التي أقامتها “فوربيدن ستوريز” بين الأحداث والوقائع في هذه القضية، هي مجرد أوهام ومزاعم خيالية ليس بينها أي خيط ناظم؛ فعندما كان عمر الراضي يصرح لـ “راديو إم” في دجنبر 2019 بأنه بصدد العمل على موضوع حساس ومكتنف بالأسرار يتعلق بالأراضي السلالية، كانت نجلة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومستشارته الخاصة إيفانكا ترامب قد انتهت لتوها، وتحديدا في 7 نونبر 2019، أي قبل شهر فقط، من زيارة منطقة الغرب (سيدي قاسم والضواحي) للمشاركة في إطلاق الحملة الوطنية لمواكبة عملية “تمليك الأراضي السلالية للنساء ضمن مبادرة التنمية والازدهار العالمي للمرأة”.
فقضية الأراضي السلالية التي حاولت “فوربيدن ستوريز” تصويرها بشكل معيب بأنها بمثابة “طابو مغربي”، وأن الصحافيين الذين يقتربون من هذا الطابو المحظور يجدون أنفسهم وراء القضبان، اتضح أن الدولة المغربية قد نقلت هذا الموضوع، شهرا فقط قبل تصريحات عمر الراضي، إلى العالمية وجعلته ضمن أولويات مبادرة التنمية والازدهار العالمي للمرأة بهدف تعزيز التمكين الاقتصادي للنساء بالمغرب، حيث عملت مؤسسة “حساب تحدي الألفية” على مواكبة المستفيدين من مشروع تمليك حوالي 67 ألف هكتار من أراضي الجموع، من بينهم 56 ألف مستفيد بمنطقتي الغرب والحوز فقط.
تقرير “فوربيدن ستوريز”.. مستهلك وقديم
زعمت “فوربيدن ستوريز” أن عمر الراضي كشف عن شروعه في إنجاز بحث حول “نزع الأراضي السلالية من قبيلة أولاد سبيطة” في دجنبر 2019، أي على بعد سبعة أشهر تقريبا قبل اعتقاله في قضية الإضرار بالمصالح الدبلوماسية للمغرب وشكاية الاغتصاب التي قدمتها في حقه زميلته السابقة حفصة بوطاهر.
كما ادعى أيضا ائتلاف “قصص محظورة” أن بحث عمر الراضي، الذي عكف هو على استكماله ونشره يوم 19 شتنبر 2022، انتهى إلى كشف ما قال إنه “تواطؤ السلطة مع شركة عقارية من أجل نزع ملكية الأراضي السلالية!”، مع توجيه اتهامات باستغلال اسم المحيط الملكي لإتمام هذا المشروع.
واعتبر الائتلاف أيضا، ومعه “لوموند” الفرنسية، أن هذه الخلاصات هي بمثابة سبق صحافي (سكوب) يصلح لفضح ما قالوا إنه “زواج السلطة بالمال في المغرب!”
لكن دعونا نعود إلى الوراء قليلا، وتحديدا إلى 25 شتنبر 2014، أي قبل ثماني سنوات من اليوم، سنجد أن جريدة هسبريس كانت قد خصصت مقالا مطولا لقضية الأراضي السلالية الخاصة بجماعة أولاد سبيطة تحت عنوان “سُلاليون يتّهمون “الضحى” بتوريط الملك في نزع أراضيهم”. وسنعاين كذلك كيف أن هذا التقرير الذي أنجزه الزميل محمد الراجي، قد تضمّن وقتها إفادات ممثلي السلاليين واتهاماتهم للشركة العقارية المذكورة، كما نقل عن هذه الأخيرة ردها في إطار حق الجواب، وهو الشيء الذي لم يستطع الحصول عليه ائتلاف “فوربيدن ستوريز” رغم مرور أكثر من ثماني سنوات على اندلاع هذه القضية.
هذا “السكوب” الذي تدعي اليوم “فوربيدن ستوريز” أنها حققته، تبين أنه اتهامات مستهلكة وقديمة تعود إلى سنوات خلت؛ إذ سبق للمحامي حاتم بكار، الذي كان يتولّى ملف قضيّة نزاع سلاليي أولاد سبيطة، أن قال في ندوة صحافية نظمتها الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان في شتنبر 2014: “إنّ حيازة المجموعة العقارية للأراضي التي تسعى إلى قيام مشروعها عليها شابتْها شبُهات”. بل إن الشخص نفسه الذي استشهدت “فوربيدن ستوريز” بأقواله في تقريرها لعام 2022، سبق أن قال في سنة 2014 إن “المجموعة العقارية المشتكى بها ترامت على نصف الأراضي السلالية بأولاد سبيطة، دون إيلاء أيّ اعتبار للسلاليين من ذوي الحقوق”، وأضاف وقتها أن “اللوائح التي تمّ إعدادها من طرف النواب شابتها خروقات، وإقصاء، ولمْ يتمّ تعليقها لا في مقرّ الجماعة أو القيادة، من أجْل أن تربح الشركة العقارية”.
أكثر من ذلك، اتهمت في ذلك الوقت السيدة السكات سعيدة، ممثلة عن السلاليات السبيطيات، “النواب بالمحسوبية والزبونية”، قائلة إنّ “هناك 35 امرأة من النساء السلاليات من عائلات النواب استفدن من الأراضي السلالية، فيما تمّ إقصاء النساء السلاليات الحقيقات”، وفق تعبيرها.
من هنا يتضح أن النقاش العمومي الذي لاحق عملية تفويت الأراضي السلالية بقبيلة أولاد سبيطة ليس جديدا، وليس وليد بحث استقصائي راهن، كما تروّج لذلك بكثير من الشعبوية “فوربيدن ستوريز” والصحافة الفرنسية. وإنما يتعلق الأمر بموضوع مستهلك وقديم تناولته الصحافة المغربية منذ أكثر من ثماني سنوات، وشكل على امتداد عقد من الزمن موضوع نقاش عمومي، بدون خطوط حمراء ولا طابوهات يخجل منها الصحافيون أو تثير مخاطر الخوف عندهم كما يدعي ذلك ائتلاف “فوربيدن ستوريز”.
بل إن موضوع الأراضي السلالية، بما في ذلك المنازعات العقارية المترتبة عنها، شكل موضوع العديد من المواد الإعلامية التي نشرتها قنوات القطب العمومي بالمغرب؛ فالقناة الأولى والقناة الثانية خصصتا على امتداد السنوات الأخيرة العشرات من البرامج والنشرات لمناقشة الخلافات الناشئة عن تدبير استغلال أراضي الجموع والأراضي السلالية!
فهل هذا الموضوع الذي تدعي “فوربيدن ستوريز” أنه يشكل طابو محظورا يمكن أن يطلع عليه المغاربة في قنواتهم العمومية؟ الجواب بالنفي طبعا، ويبقى الشيء المحظور الوحيد هو تسمية “فوربيدن ستوريز” في صيغتها المترجمة إلى العربية.