جان بيير توكوا كاتب وصحفي يُصنف في خانة الصحافيين المشاغبين الذين لا يجيدون الملاطفة أو المديح. فهو سليط اللسان، ممنوع على حد قوله من زيارة الجزائر بسبب كتابه “باريس ـ الجزائر : الزوج الجهنمي”. ويقول فيه على الخصوص : “بوتفليقة رجل المتعة والمرح، يعشق السيجار والبدلات الفاخرة والنساء. ومن سماته الشخصية أنه متقلب المزاج ومراوغ ماهر، يتجنبه المقربون إليه بسبب مزاجه الحاد وردوده الانفعالية، ويخشاه وزراؤه، أما المقالون منهم فيعتبرونه طاغية كثير الغرور عديم الكفاءة وهو الذي لم يعرف طريقا إلى الجامعة وإلى الدراسات العليا”.
تحامل أيضا على تونس والمغرب في الكثير من مقالاته ومؤلفاته، وكانت تجمعه، حسب خصومه، علاقات مصلحية قوية مع وزير الداخلية الراحل، ادريس البصري، الذي عاش ما تبقى من حياته بباريس.
بدأ مساره الصحفي بجريدة صغيرة تعنى بشؤون الطاقة، بعد عودته من الجزائر التي قضى بها سنة كمتعاون. وانتقل لجريدة “لاتريبون” الاقتصادية ثم مجلة “ليكسبانسيون” وبعدها مجلة “فورتون” الأمريكية في طبعتها الفرنسية، قبل أن يشد الرحال إلى جريدة “لوموند” الذي يعمل بها منذ 20 سنة كمختص في شؤون إفريقيا والمغرب العربي، بعد أن تخلى عن تخصصه الأول في مجال الطاقة.
وضمن شهادات في الذاكرة أستحضر محاورة قصيرة بمقهى جريدة “لوموند” التي كان يشتغل بها بالطابق الثالت، لامست بشكل خاص الواقع السياسي المغربي بين عهدين، وأوجه التشابه والاختلاف في تدبير شئون الحكم بين الملك الراحل الحسن الثاني ووارث عرشه محمد السادس، وغر ذلك من المواضيع المستنبتة من الحياة السياسية المغربية.
طلبت منه تقويما شخصيا للإرث السياسي للملك الراحل الحسن الثاني، فكان جوابه :” دعني أقول لك إنني لا أشكك في أن الحسن الثاني كان رجل دولة بامتياز، يدير الشأن السياسي بمهارة وفطنة ناذرتين. لكنه كان أيضا قاسيا على خصومه. وقد تجلى ذلك أثناء المحاولتين الانقلابيتين في بداية السبعينات وما أعقبهما من تشنجات ومصادمات مصدرها الغليان الجامعي.
سألته عما إذا كان القصد من كلامه أنه كان يتوجب على الحسن الثاني أن يتعامل بقُفّاز من حرير مع خصومه الجامعيين المتربصين بالمغرب وبالمؤسسة الملكية بشكل عام، فكان رده :” أحتار في العثور على سبب بعينه..قد يكون السبب مرتبطا برواسب الماضي حينما كان بعض المقربين من الملك الحسن الثاني ينظرون إلى الجامعات والمؤسسات التعليمية العليا على أنها موطن لخصومه اليساريين وللحركات المعارضة لنظامه يتعين الحد من فعاليتها.. ولكن ما يمكن أن أقوله هو أن المعارضة القوية للحسن الثاني كانت تأتي أساسا من التعليم ومن الجامعات بشكل عام. ثم إنني لا أملك من المعطيات ما يسمح لي بمعرفة حجم هذه المعارضة وشعبيتها في أوساط المغاربة. قد يكون الحسن الثاني محقا في تصديه بقوة للغليان الجامعي، وإغلاقه آنذاك عددا من المعاهد والمؤسسات التعليمية. وقد يكون في موقفه الرامي إلى صون وحماية نظام الملكية الموروث منذ قرون، الكثير من الصواب على اعتبار أن الجامعات كانت ببعض مؤطريها وطلبتها ضده آنذاك، أضف إلى ذلك نجاته من محاولتين انقلابيتين بأعجوبة أو كما تسمونها البركة الإلهية.
سألته عما إذا كان هكذا يختزل حكما دام زهاء أربعين سنة، فكان جوابه :” لم أختزل شيئا..فأنا لست بصدد تقديم أطروحة عن العهد الحسني.. إنه مجرد انطباع، وأول انطباع يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن الرجل هو أنه لم يكن شديد التسامح مع خصومه. أما عن إيجابياته فأحصرها في نقطتين أساسيتين، أولاهما أنه حاول مع تلاحق السنين إقامة جسور ديمقراطية ينتقل بواسطتها من طور الاستبداد إلى طور التداول السياسي وإقرار الحقوق المدنية. فكان أن دشن جسره الأول بإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، تلاه التناوب. ثاني المحاسن أن الملك محمد السادس له الحظوة الكبيرة في كونه ورث دولة من صنع الحسن الثاني بإدارات عمومية في المستوى، رغم بعض الاختلالات على مستوى الأداء والحكامة، وأطر على قدر كبير من الكفاءة والتأهيل. وهو ما أهملناه نحن الصحفيين والمؤرخين عموما.
سألته هل صحيح أن جميع من تعرف على الحسن الثاني من قادة فرنسيين، كان يقع تحت سحر جاذبيته، وهل من سر في ذلك؟ فكان رده بتلقائية وثقة كبيرين :”صحيح أنه في أول لقاء لك مع الحسن الثاني، تشعر وكأنك في خضم حكايات ألف ليلية وليلة. فالرجل يُمزج بشكل فريد بين ثقافتين، واحدة متجدرة في أعماق التراث العربي والإسلامي ينهل منها متى وكيفما شاء، وأخرى ذات خصوصية غربية بتلاوينها المختلفة. وإعجاب الفرنسيين به مرده إلى قدرته على التأقلم والتناغم بسرعة مع أنماط ثقافية مختلفة.
ربما يشكل الرئيس شيراك نموذجا لهذا الإعجاب…؟، فأجاب :”الرئيس شيراك كان مذهولا بشخص الحسن الثاني ليس فقط بسبب ما سبق ذكره من إلمامه الواسع بأسرار ومقومات حضارتين مختلفتين، بل لأن الحسن الثاني هو من فتح له نوافذ العالمين العربي والإسلامي، ومكنه من معرفة أدق التفاصيل عن أنماط وتقاليد الحكم بها، مما جعله يتفوق على غيره من رؤساء فرنسا في الكثير من الخيارات السياسية بمنطقة الشرق الأوسط.
دعوته لفتح نافذة على السياسة الخارجية وأداء كل من الحسن الثاني ومحمد السادس في هذا المجال، فأكد لي أن الفرق بين الرجلين كالليل مع النهار. فالحسن الثاني كان صاحب دهاء وفطنة كبيرين على الساحة الدولية. فهو الزعيم العربي الأول الذي لعب دورا أساسيا في المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكانت له مواقف متميزة بشأن حوار الحضارات واستتباب الأمن والسلم الدوليين. أما محمد السادس، فإنه وإن أولى اهتماما خاصا للشأن الدبلوماسي بحكم تفاعلات قضية الصحراء المغربية، فإن السياسة الخارجية لم تكن في مقدمة أولوياته، حيث يبدو منشغلا أكثر بالأوضاع الاجتماعية لمواطنيه، ويركز جهوده في اتجاه تقليص البطالة ومحاربة الفقر، ومحاربة الأمية وغيرها من الآفات التي تعيق الإقلاع التنموي ببلدكم. وأسجل عليه، أنا وغيري من الزملاء الصحفيين، إنجازات قوية كتبتُ عنها في جريدة “لوموند”، وتخص المدونة وهيئة الإنصاف والمصالحة ثم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وغيرها من اإنجازات التي لا أستحضرها…. وما يحتاجه المغاربة اليوم هو مشروع متكامل، يكرس به الملك ما يبتغيه للمغرب وما يحلم به. ومن حق المغاربة أيضا أن يأملوا من ملكهم الرقي بهم إلى نظام ديمقراطي بمؤسسات تمثيلية حقيقية. ومقارنة مع بلدان المنطقة وبلدان العالم العربي، فإنه يجوز لنا أن نقر بأن المغرب يتبوأ مكانة رائدة في هذا المجال.