مع بداية سنة 2023، سيخضع التنظيم القضائي في المغرب لقانون جديد استمر النقاش بخصوصه ثلاث ولايات تشريعية، بسبب تباين وجهات نظر رجال الفقه والقانون والقضاء والمهنيين بخصوص مضامينه، ونظراً لأهميته بالنسبة للسلطة القضائية.
يهم الأمر القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي الذي تمت المصادقة عليه لأول مرة خلال الولاية الحكومية 2011-2016 وأنهى مساره التشريعي في 2018، لكن المحكمة الدستورية اعتبرت أن بعض مقتضياته تخالف الدستور.
وعقب قرار المحكمة الدستورية الصادر سنة 2019، بادرت الحكومة آنذاك لإعادة صياغة مشروع القانون بناءً على الملاحظات المثارة، ليدخل المسار التشريعي من جديد وتتم المصادقة النهائية عليه بداية السنة الجارية، وصدر مؤخراً في الجريدة الرسمية عدد 7108 وينتظر أن يدخل حيز التنفيذ بعد مرور ستة أشهر من تاريخ النشر، أي يناير 2023.
ويخضع التنظيم القضائي حالياً للظهير الشريف الصادر سنة 1974 الذي تم تحيينه مرات عديدة، آخرها سنة 2011 بإضافة أقسام قضاء القرب، وإحداث أقسام الجرائم المالية بأربع محاكم استئناف في غشت من السنة الماضية.
ويأتي القانون الجديد رقم 38.15 في إطار استكمال الترسانة القانونية لتنزيل مشروع إصلاح منظومة العدالة بعد تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية وانتقال رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وما يستلزم ذلك من ضبط للعلاقة بين السلطة القضائية ووزارة العدل داخل المحاكم.
ويحمل القانون مستجدات عديدة؛ فعلى مستوى المبادئ الموجهة للتنظيم القضائي، يرتكز التنظيم القضائي على مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وعلى التعاون بين وزارة العدل والسلطة القضائية فيما يتعلق بالخريطة القضائية وبالتسيير الإداري والمالي للمحاكم.
كما يقوم التنظيم القضائي على مبدأ وحدة القضاء، قمته محكمة النقض، وعلى مبدأ القضاء المتخصص؛ حيث يراعى تخصص القضاة عند تعيينهم في المحاكم والأقسام المتخصصة.
وعلى مستوى حقوق المتقاضين، تم التنصيص على تنظيم ممارسة حق التقاضي والمساعدة القضائية والقانونية والتعويض عن الخطأ القضائي وضبط إجراءات التقاضي بما يضمن شروط المحاكمة العادلة، واحترام حقوق الدفاع وصدور الأحكام داخل آجال معقول ووجوب تعليلها وعدم النطق بها قبل تحريرها كاملة.
كما يتضمن القانون أيضاً بيان حالات التنافي القضائي وتجريح ومخاصمة القضاة والنص على تيسير الوصول إلى المعلومة القانونية والقضائية، وتمكين المتقاضين من تتبع مسار إجراءات قضاياهم عن بعد والتواصل معهم بلغة يفهمونها.
وبموجب القانون الجديد، ستدمج الأمازيغية في المحاكم إلى جانب العربية، ناهيك عن إمكانية طلب المحكمة ترجمة الوثائق المدلى بها بلغة أجنبية إلى العربية تلقائياً أو بناءً على طلب الأطراف أو الدفاع.
القانون حمل مستجدات بخصوص مكونات مختلف المحاكم؛ إذ تم حذف غرف الاستئناف المدنية والجنحية بالمحاكم الابتدائية، والتنصيص على إمكانية إحداث أقسام متخصصة في القضاء التجاري وأقسام متخصصة في القضاء الإداري ببعض المحاكم الابتدائية.
وفيما يخص محاكم الدرجة الثانية، سيتم إحداث أقسام متخصصة في القضاء التجاري والإداري ببعض محاكم الاستئناف، واعتبار محكمة النقض أعلى هيئة قضائية بالمملكة تسهر على مراقبة التطبيق السليم للقانون وتوحيد العمل والاجتماع القضائي، والتنصيص على تنظيمها وتحديد اختصاصاتها، وعلى إحداث غرفة سابعة هي الغرفة العقارية.
تفتيش المحاكم والإشراف القضائي
ينص القانون الجديد على أن التفتيش القضائي للمحاكم تتولاه المفتشية العامة للشؤون القضائية وفق الشروط التي ينص عليها القانون، وأن التفتيش الإداري والمالي للمحاكم تتولاه المفتشية العامة لوزارة العدل، أما الإشراف القضائي فهو مسند للرؤساء الأولين لمحاكم الدرجة الثانية ورؤساء محاكم الدرجة الأولى للرئيس الأول لمحكمة النقض، في حين يشرف ويراقب الوكيل العام لدى محكمة النقض على كافة أعضاء النيابة العامة بالمحاكم.
وبموجب المقتضيات الجديدة، يمارس الرؤساء الأولون لمحاكم الدرجة الثانية إشرافهم على جميع قضاة الأحكام العاملين بها وبمحاكم الدرجة الأولى التابعة لها، وعلى ممارسة الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف سلطتهم ومراقبتهم على كافة قضاة النيابة العامة وموظفي كتابتها وعلى ضباط وأعوان الشرطة القضائية.
ووفق أحكام القانون الجديد، يمارس رؤساء محاكم الدرجة الأولى إشرافهم الإداري على قضاة الأحكام العاملين بها وعلى ممارسة وكلاء الملك لدى محاكم الدرجة الأولى سلطتهم ومراقبتهم على كافة قضاة النيابة العامة وموظفي كتابتها وعلى ضباط وأعوان الشرطة.