اهتمام بتدبير ومراقبة المال العام عبر تاريخ المغرب، يحضر في كتاب جماعي صادر عن الجمعية المغربية للبحث التاريخي، يضم أشغال أيامها الوطنية الخامسة والعشرين.
وبمشاركة باحثين مغاربة وتونسيين، يجد القارئ في الكتاب أبحاثا تهتم بالتاريخ الاقتصادي لمغرب ما قبل الاستعمار، من خلال تجارب تدبير ومراقبة المال العام بالبلاد، ومتغيرات زمن الحماية من قوانين ومؤسسات، ثم تدبير المغرب تاريخيا للمال العام خلال فترات الأزمة، مع الوقوف عند مظاهر من الاختلال وسوء التدبير في التاريخين الوسيط والحديث للبلاد.
وشارك في هذا العمل الذي نسقه الباحثان محمد ياسر الهلالي وحميد تيتاو، كل من الباحثين: محمد اللحية، محمد العمراني، عثمان المنصوري، ظافر بوسليمي، محمد الأزهر غربي، قاسم الحادك، الوافي نوحي، مبارك أيت عدي، محمد نجيدي، عبد الكريم مدون، مصطفى نشاط، خديجة القباقبي اليعقوبي، نبيل الطويهري، وإبراهيم أيت إزي.
ويقف تقديم المؤلف على ما شاب تدبير المال العام تاريخيا من “التراكمات السلبية المعبِّرة عن عدم التمكن من ضبطه وحمايته وتوجيهه خدمة للمصلحة العامة، وترسيم العلاقة بين ثلاثة أقطاب رئيسة، هي السلطة السياسية، والمال العام، والملكية الخاصة”.
ويميز مدخل الكتاب بين ثلاث مراحل كبرى تبلور خلالها “المفهوم المتجدد والمتطور للمال العام”، هي: “أولا، مرحلة الدولة التقليدية التي استمدت بعض قواعدها من الموروث المحلي في مجال التدبير، وفي مقدمتها الأعراف القبلية، ومعظمها من التراث الإسلامي الذي استحضر بعض التقاليد الساسانية واليونانية. وثانيها مرحلة الدولة الحديثة المصاحبة لمرحلة الحماية الفرنسية التي نقلت النموذج الإداري الفرنسي إلى المغرب. ثم مرحلة المَغْرَبَة التي بدأت مع الاستقلال”.
وسجل المصدر ذاته أن السؤال عن تاريخ تدبير المال العام بالمغرب قبل الاستعمار وخلال مرحلة الحماية وفي التاريخ الراهن، “سؤال أيضا عن الانعكاسات الاقتصادية لأوجه الاختلال الذي بصمته في كثير من محطات هذا التاريخ، وأفضت إلى ما عبرت عنه العديد من الدراسات بعدم حصول تراكم مالي عبر تاريخ المغرب مما حال دون تحقيق طفرة واضحة في تطور البلد، ولاسيما أن الثروات ظلت مركزة في يد الحكام، ومن يدور في فلكهم ويخدم مشروعهم السياسي، حتى إنه كان يصعب، في فترات عدة من تاريخ المغرب، التمييز بين أموال الحكام والمال العام”.
هذا الوضع “ظل بنيويا في تاريخ المغرب، إلى أن أقرت إدارة الحماية “إصلاحات” مالية فصلت بين المالين، وإن تم هذا “الإصلاح” بخلفية التحكم في ثروات البلاد، ومالية الدولة”.
كما سجل الكتاب أن تطور مفهوم المال العام في تاريخ المغرب “مرتبط بتطور مفهوم الدولة وطبيعة وظائفها”، ثم أضاف: “حظي المال العام بمكانة مركزية في اهتمام الدول المتعاقبة باعتباره الوسيلة الأقوى والأهم للاستجابة لمختلف متطلباتها”، كما تبلور بالموازاة معه مفهومُ “المنفعة العامة” باعتباره “المدخل الأساس لإضفاء الشرعية على إمكانيات وأشكال التصرف في هذا المال وسبل إنفاقه من قبل مدبريه؛ وما يزال (…) يثير مجموعة من القضايا والإشكاليات التدبيرية، المرتبطة أساسا بدور الدولة ومؤسساتها في حمايته من مختلف أشكال الهدر والتبذير والاختلاس وسوء الاستغلال”.
ويهتم هذا العمل الجماعي بتاريخ تدبير المال العام، ويسلّط الضوء على “المجالات التي كانت تصرف فيها الأموال العامة، في علاقة بمسار تطور الدول من النشأة إلى الأفول”، مع بحث في طبيعة “المؤسسات” المكلفة بتدبير هذا المال وإنفاقه من سلطان، ووزير مفوض، وعامل، وخازن، وأمناء، وغيرهم.
كما يسعى الكتاب إلى “التقاط ما يمكن من المعطيات عن أوجه الصرف والإنفاق، وعن مظاهر الخلل، الظرفية منها والبنيوية، التي مست تدبير المال العام”، مع تقديم نماذج لأشكال الاختلاس أو سوء التدبير التي سجلتها المصادر والوثائق المتوفرة”، وطرح سؤال أساليب المعالجة وأنواع العقوبات التي نفذت في حق المخالفين، ومدى قدرتها على الردع والحد من مثل تلك الممارسات.