في وقت كنا ننتظر فيه أن يتعلم بنكيران أن الصمت حكمة خاصة إذا أصبح الكلام مجرد لغو، كما كنا نأمل أن يتقاعد هذا الشخص، ولو قليلا، من هواية التجاذب والتطاحن والخوض في أمور الناس، ظهر من جديد وعلامات الخيبة بادية على وجهه، بما فيها إطلاقه للحيته كتعبير عن الانحطاط الذي آل إليه، خاصة أن الرجل يهوى السباحة في الخيال والمبالغة، وأنه كان ينتظر حسب قوله أن يتحرك وطن بكامله، لأن موقع “برلمان.كوم” فتح ملفا من ملفات التاريخ القريب، بهدف كشف بعض الحقائق وتنوير الرأي العام الوطني حول حيثيات تعرض الوزير الراحل عبد الله باها إلى القطار يوم 7 دجنبر 2014، وهو الرجل الذي كان مبتسما للحياة متنعما بما وهبه الله من صحة وعافية، وموقع حكومي متميز كوزير دولة، وتكاد تراه بابتسامته الهادئة وهو يتحرك غير بعيد عن سكناه بحي المحيط والليمون وخاصة شارع النصر، فإذا به يرحل بعيدا إلى وادي الشراط الملعون حيث كانت وطأة الحادث.
وإذا كان من باب المهنية الصحفية التحقيق في ملفات لا يمكن لأي كان أن يطويها بجرة قلم، وإذا كان من باب الإنصاف التاريخي فتح ملفات بهدف الحسم فيها، لا بهدف الخوض في حرمات الموتى كما يهوى للبعض وصف هذا العمل الصحفي، فإننا كموقع تعلم أبناؤه المهنية والجرأة من أعلى مدارسها في العالم، كنا نفضل أن ننهمك أكثر في كمواجهة الأحياء من مسؤولي الحكومة، لا مواجهة الأموات بمفهوميها الحقيقي والرمزي، سواء تعلق الأمر بالمرحوم عبد الله باها أو بالمرحومين رمزيا حزب العدالة والتنمية وزعيمه عبد الإله بنكيران.
إن اختيار عبد الإله بنكيران لموقع “برلمان.كوم” كان جد مدروس ومستهدف، وقد كشفت لنا ذلك مصادر جد عليمة من داخل حزبه، لأنه ببهلوانياته الشعبوية يسعى دائما إلى البقاء حيا وسط مريديه، ولأنه يعرف أن الموقع القادر على مجابهته والكشف عن زلاته هو “برلمان.كوم”، وبالتالي، فقد استهدفه بالغيبة المحرمة دينيا، بالرغم من أن موقع “برلمان.كوم” كان يرفض الدخول في مواجهة سياسية مع حزب شبح، في ظرف يتسم بالصعوبة المعيشية وبمعاناة المواطنين مع الأسعار التي ورطت فيها حكومة عزيز أخنوش المواطن المغربي.
إن الخلاصة التي وصلنا إليها اليوم، والتي يمكن لأي مواطن أن يدركها، هي أن عبد الإله بنكيران تعاقد ضمنيا أو فعليا، مع عزيز أخنوش للدفاع عنه، عبر توجيه الرأي العام الوطني إلى ضفة بعيدة عن غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار المحروقات، وتضارب المصالح التي وقع فيها أخنوش وبعض وزرائه. والدليل الذي يؤكد هذا التعاقد هو أن بنكيران أصبح يدافع عن أخنوش جهرا، ويقف، بـ”سنطيحته” المعهودة، في وجه المواطنين الذين يطالبون برحيل رئيس حكومتهم، والسؤال الصريح الذي وجب طرحه الآن هو: ماذا تقاضى بنكيران مقابل أن يلهينا ويذهب بنا بعيدا عن النقاش الحقيقي؟
لقد عهدناك، يا بنكيران، مت سياسيا وإعلاميا واجتماعيا، فإذا بك تظهر على هيأة متعددي الأوجه، لتدافع عن بقاء غريمك السياسي عزيز أخنوش، وتخوض في قضية يحق للصحافة فتحها والتساؤل عن حيثياتها، لترفعها إلى محكمة السماء، مستلذا بما سوف تستهلكه هذه القضية من وقت، لتلهي الرأي العام الوطني عن أموره الحقيقية.
وكما أن الانتحار يمكن اعتباره دينيا من ضمن إلقاء الشخص بنفسه إلى التهلكة، فقد قلناها علنا حين تساءلنا عن سر خروج وزير الدولة السابق إلى الخلاء، في ظلمة الليل الجانح، في فصل الشتاء البارد، وقد اعتبرنا الأمر انتحارا لا يختلف في شيء عن كثرة انتحارات عبد الإله بنكيران، الذي لم يوقر المغاربة في هذه الظروف العصيبة، فكيف لموقعنا أن يوقره وقد شهد على ذلك أقرب مقربيه، كما اعترف هو نفسه بذلك.
فعلا، ففي خرجته الأخيرة خرج علينا بنكيران بوجه شاحب تظهر عليه علامات الحزن، وبلحية متدلية، وهو يعترف علنا بالقوة الإعلامية لموقع “برلمان.كوم”، وبنجاعة تحقيقاته الصحفية وملفاته التوثيقية التي عرى بها قياديي حزب العدالة والتنمية، ولقد أقر بنكيران بخنوع وخضوع بأن موقعنا ساهم بقوة في كشف حقيقة حزبه وبالتالي إسقاطه في الهزيمة النكراء التي لحقته خلال الانتخابات الأخيرة، والتي لفظه فيها المغاربة وأعادوه قيها إلى حجمه الطبيعي.
ولعلّ من أبرز الرسائل التي مرّرها بنكيران بمكر مقصود وخبث معهود، خلال الكلمة التي ألقاها أمام أعضاء الأمانة العامة لحزبه، هو إعلانه النفير وتجييش مريديه وأتباعه ضد موقع “برلمان.كوم” وكذا تحريضه للمغاربة على العصيان وخلق الفوضى عندما قال، إنه من المفروض أن يهتز الوطن لما كتبه موقع “برلمان.كوم” رغم أنه في هذه المرة لم يستطع تسميته، مما يجعلنا نطرح علامة استفهام كبيرة بخصوص ما الذي يبحث ويسعى إليه بنكيران من وراء هذا الكلام، رغم أن المفروض هو أن يلوذ بالصمت وبالتقاعد المريح الذي ناله من عرق المغاربة.
ولم يقف بنكيران عند هذا الحد، بل سمح لنفسه أن يشبهنا بإسرائيل ويشبه نفسه بحماس، محاولا دغدغة مشاعر مريديه وهو الذي اعتاد على استغلال القضية الفلسطينية والاتجار بها، رغم أن الجميع يعلم أن الأمين العام السابق لحزبه سعد الدين العثماني هو من وقع اتفاقية إعادة إحياء العلاقات بين المغرب وإسرائيل، مؤكدا أيضا بأنه “ما مفاكش معانا” على حد تعبيره، معتقدا أننا في موقعنا “غانتفاكو معاه” بسهولة دون أن نعيد له التربية بلغة أخنوش.
وحاول بنكيران مرة أخرى أن يروج لخطابه العنصري عندما قال إنه وحزبه هم أهل الدار، بمعنى أنهم من لهم الحق والأولوية في المغرب، وكأن المغاربة الذين لا ينتمون لحزبه مجرد وافدين فقط على هذا البلد، بل ذهب إلى حد احتكار العقيدة والدين، وكأن الدين الإسلامي له ولمريديه لوحدهم، وباقي المغاربة خارجين عن الملة.
وقد تلقى عبد الإله بنكيران عتابا كبيرا من عدد من أعضاء الأمانة العامة للحزب خلال اجتماعه بهم، محملين إياه مسؤولية الدخول في صراع مع موقع “برلمان.كوم”، رغم أن هذا الأخير طوى صفحة البيجيدي منذ الانتخابات الأخيرة، وليس من أخلاقياته أن يعير الاهتمام لكيان لم يعد حيا وليست له علاقة بتدبير أمور المغاربة. وقد أسرّت مصادر من داخل الأمانة العامة للبيجيدي للموقع أن هؤلاء الأعضاء رفضوا إصدار بلاغ ضد “برلمان.كوم”، وقالو له بالحرف “انت اللي جبدتيهم هما ماجبدوناش”، لكن بنكيران تجاوزهم بعنتريته وسلطويته المعروف بها، وأصدر البلاغ المذكور، قبل أن يعترف خلال كلمته بالخلافات الحادة التي حصلت أثناء اجتماع صياغة هذا البلاغ.
ولعلّ ما يكشف أن بنكيران حشر نفسه في زاوية ضيقة وأدخل نفسه وحزبه في صراع يعلم جيدا أنه سيخسره، أنه بدأ يرمي الكلام يمنة ويسرة، تارة يهدد وتارة يبتكر نعوتا يهاجم بها منتقديه، وتارة أخرى يستنجد بالرميد والداودي اللذان يعلم الجميع أن الأول اعتزل السياسة والثاني توارى عن الأنظار بعد الهزيمة المذلة للبيجيدي خلال استحقاقات شتنبر 2021، قبل أن يقف عاجزا أمام تحديات موقع “برلمان.كوم” ويتحدث بنبرة المنهزم مؤكدا أنه لا يعرف “هل هو ظالم أو مظلوم”.
إننا في موقع “برلمان.كوم” طوينا صفحة بنكيران وحزبه منذ طردهم المغاربة بطريقة ديمقراطية وأعادوهم لجحورهم ولحجمهم، وحين كنا منهمكين في حرب مع رئيس الحكومة الحالي الذي تسبب بقراراته في احتقان اجتماعي، ومسلطين الضوء على معاناة المغاربة جراء موجة غلاء الأسعار التي تشهدها البلاد، خرج علينا بنكيران ليهاجم موقعنا، محاولا صرف النظر عن الأوضاع التي تعرفها بلادنا بسبب مخلفات سياساته عندما كان رئيسا للحكومة، وكيف قدّم هدية للوبي المحروقات ولعزيز أخنوش أيضا عندما قام بتحرير أسعارها، قبل أن يجد نفسه قد دخل في صراع يتمنى الآن لو أنه لم يدخل فيه، لأنه وقف عاجزا أمام موقع صحفي كان هو السباق في الكشف عن الريع الذي يعيش فيه وينعم به عبد الإله بنكيران.
والحقيقة التي من الأحسن سردها “شرح مرح” بالدارجة المغربية هي أن: “بنكيران دوخاتو سبعة د لملايين ديال فلوس الشعب الي كيدير فجيبو كل شهر، وتلفات عليه السياسة. السيد عوض ما يدير المعارضة للحكومة، بغى يدير المعارضة لموقع برلمان.كوم”.