شهدت العلاقات المغربية الأمريكية في فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى تفاعلات مهمة وأحياناً معقدة، جسّدتها تقلبات السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه العالم العربي، وخاصة في قضايا إقليمية واستراتيجية، لذا، يُثار تساؤل حول تأثير فوز ترامب على هذه العلاقات، خاصة في ظل الملفات الحساسة التي تربط المغرب وأمريكا، كقضية الصحراء والتعاون الأمني والاقتصادي.
قضية الصحراء: تحوّل غير مسبوق
اعتمد ترامب سياسة جديدة تجاه قضية الصحراء المغربية في عام 2020، حين أعلن اعتراف الولايات المتحدة رسميًا بسيادة المغرب على الصحراء. جاء هذا الاعتراف بعد عقود من المفاوضات الدولية، واعتُبر دعماً تاريخياً للموقف المغربي في النزاع. لكن هذا الاعتراف لم يكن مجانياً، حيث ارتبط باتفاق ثلاثي تضمّن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل بوساطة أمريكية. من جانبها، اعتبرت الرباط هذا التطبيع خطوة ضمن سياق الاستراتيجيات الدبلوماسية المغربية الهادفة إلى دعم موقفها في الساحة الدولية.
غير أن هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعارض، حيث رأى بعض المحللين أن الربط بين قضية الصحراء والتطبيع قد يكون سلاحاً ذا حدين. فإذا قامت إدارات أمريكية مستقبلية بمراجعة القرار، فإن المغرب قد يجد نفسه في مواجهة ضغوط سياسية جديدة، وقد يؤثر ذلك على مسار الحل السلمي للنزاع في حال العودة إلى مفاوضات برعاية الأمم المتحدة، هذا الوضع يطرح تحديًا أمام الدبلوماسية المغربية التي ستكون مطالبة بخلق ضمانات دولية لإبقاء الدعم الأمريكي تجاه قضية الصحراء ثابتاً.
التعاون الأمني: شراكة قوية ولكن بمخاوف استراتيجية
في السنوات الأخيرة، تعزز التعاون الأمني بين المغرب والولايات المتحدة، حيث تم تنسيق عمليات مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري، إذ قدمت الولايات المتحدة دعماً تقنياً وتدريبياً مكثفاً للقوات المسلحة الملكية لمواجهة التهديدات الإرهابية، خاصة مع تزايد نشاطات الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء. وفي هذا السياق، شكّل المغرب حصناً أمنياً لواشنطن وشريكاً في مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تهدد الاستقرار الإقليمي.
ومع ذلك، قدّمت إدارة ترامب سياسة غير متوقعة بخصوص التواجد العسكري الأمريكي، حيث اتخذت خطوات لتقليص القوات الأمريكية في بعض المناطق، في إطار استراتيجيتها للانسحاب من النزاعات الخارجية.
ورغم أن هذا التوجه لم يؤثر بشكل مباشر على التعاون الأمني مع المغرب، إلا أنه أثار مخاوف لدى الرباط من أن تتراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاه حلفائها في المنطقة. هذه المخاوف دفعت المغرب إلى تبني سياسات أكثر استقلالية وتطوير شراكات أمنية جديدة مع دول أوروبية، لضمان استمرار جهوده في مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
العلاقات الاقتصادية: فرص مع تعقيدات
رغم العلاقات الاقتصادية الجيدة بين المغرب والولايات المتحدة، إلا أن سياسات ترامب الاقتصادية اتسمت بميول حماية الاقتصاد الوطني وتعزيز المنتجات المحلية، ما أثّر بشكل أو بآخر على المناخ الاستثماري في الدول الشريكة. وكانت إدارة ترامب قد تراجعت عن بعض الاتفاقيات التجارية مع دول أخرى، مما أثار تخوفات من أن يمتد هذا النهج إلى اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين المغرب وأمريكا منذ عام 2006.
ومع ذلك، حافظت العلاقات الاقتصادية بين البلدين على استقرار نسبي، واستطاع المغرب اجتذاب استثمارات أمريكية في قطاعات مثل السيارات والطاقة المتجددة، لكن التحدي الأكبر كان يكمن في الحفاظ على هذا التوازن في ظل انفتاح المغرب على أسواق جديدة، خاصة السوق الصيني. وقد لجأ المغرب لتعزيز موقعه كبوابة لأفريقيا واستقطاب استثمارات أمريكية تتطلع لولوج الأسواق الأفريقية، كوسيلة لضمان استمرار العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة وجعلها متينة بغض النظر عن السياسات الخارجية.
البعد السياسي والدبلوماسي: دعم متذبذب
العلاقات المغربية الأمريكية غالباً ما تستند إلى القيم المشتركة مثل احترام السيادة ودعم الاستقرار الإقليمي، إلا أن السياسات الخارجية الأمريكية، خلال ولاية ترامب، اتسمت بتذبذب كبير وقرارات مفاجئة.
فقد تسببت هذه السياسات في مخاوف لدى العديد من الدول الحليفة، بما في ذلك المغرب، حيث افتقرت إدارة ترامب إلى الاستمرارية في دعم الحلفاء بشكل متوازن، وكان للنهج الأمريكي الجديد تأثير على المغرب، الذي اعتاد على دعم أمريكي ثابت في قضايا المنطقة.
لذلك، تبنى المغرب سياسة خارجية أكثر تنوعاً، عبر تعزيز علاقاته مع الاتحاد الأوروبي وشركاء آسيويين لتقليل اعتماده على الدعم الأمريكي الحصري. وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى توسيع خيارات المغرب الدبلوماسية وجعله أكثر قدرة على التكيف مع أي تحوّلات في السياسة الأمريكية. ومع ذلك، فإن بقاء العلاقة مع الولايات المتحدة كحليف أساسي يبقى هدفاً استراتيجياً، خاصة أن المغرب يعتبر من أهم شركاء واشنطن في منطقة شمال إفريقيا.
هل سيستمر التأثير؟
لا يمكن إنكار أن تأثير سياسات ترامب على العلاقات المغربية الأمريكية سيبقى مستمراً في المستقبل القريب، خاصة فيما يتعلق بالاعتراف بمغربية الصحراء. ومع تغير الإدارة الأمريكية الحالية، تثار التساؤلات حول ما إذا كانت ستبقي على التوجه نفسه أم ستعيد النظر في بعض القرارات. وفي ظل إدارة جديدة، قد يواجه المغرب تحدياً أكبر في ضمان استمرار هذا الدعم، خاصة في ظل اختلاف مواقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول قضايا المنطقة.
ومع كل هذه التحديات، يبقى المغرب مدركاً لأهمية علاقاته مع الولايات المتحدة، ويعمل على تطوير استراتيجيات دبلوماسية جديدة تحافظ على مكتسباته دون الاعتماد الكلي على طرف واحد. ستظل العلاقة المغربية الأمريكية بحاجة إلى موازنة دقيقة بين التعاون وتجنب الاعتماد الكبير على تحالفات قد تتغير بتغير الإدارات، مع الحفاظ على المرونة في مواجهة أي متغيرات سياسية مستقبلية.
وفي الأخير يتضح أن فوز ترامب كان له آثار متباينة على العلاقات المغربية الأمريكية، فقد شكّل دعماً حاسماً للمغرب في بعض الملفات وأوجد تحديات على مستويات أخرى.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن المغرب استفاد من التحولات السياسية خلال فترة ترامب، لكنه بات يدرك أكثر من أي وقت مضى ضرورة تنويع علاقاته الدولية وبناء شراكات متعددة تخدم مصالحه الاستراتيجية طويلة الأمد.