“كنعيش أنا وراجلي بحال الخوت”، “كنت أخشى مع كل محاولة الوقوع في الاغتصاب الزوجي”، “عملي ليس بعمل، مأكلي ليس بمأكل، وعلاقتي مع المحيط والمجتمع أضحت مكسورة”، “عائلتي تسأل عن نقطة دم لتقبل زوجتي، وأنا بين نار أن أكون ذراعا لزوجتي وعصى لمواجهة الأعراف”، “باراك من الفشوش كتعرفو غير تزوجو !!”.. شهادات حارقة، وأخرى صادمة ما زالت تجد لها موطئ قدم في مجتمع مغرب القرن الحادي والعشرين.
لم تستطع التكنولوجيا ومستويات التعليم الجامعي وبرامج التوعية في وسائل الإعلام أن تقضي على الخرافة وتجنب الناس شر من يتاجرون بمآسي الخلق. “التقاف” مرض يبدأ اكتشافه منذ أول ليلة يقضيها الأزواج، بعد زفاف حضره شهود وأمضى على ميثاقه عدلان وغنت فيه القبيلة والرفاق.
تنتهي الزفة وتخفت الأضواء، وينصرف المدعوون إلى حياتهم، فتتوجه الزيجات في سعادة يكشفها بريق الأعين كما أخبرتنا “سارة” العروس التي ستتحول إلى وجه شاحب ويدين مرتجفتين وعينين مليئتين بعلامات استفهام كبيرة، وهي ذات الاستفهامات العصية على الفهم والاستيعاب التي واجهت زينب وهدى وسلمى ولمياء وإكرام وأزواجهن.
عندما يعجز العقل عن الفهم، وحينما لا يقدم العلم والطب الأجوبة اللازمة حول الداء، وبعد أن ينضاف إلى ذلك ضعف إيمان الإنسان بنفسه وبحلول السماء، في الغالب ما يلجأ إلى التفكير في هادم اللذات.
هسبريس استمعت لحكاية سلمى التي كادت أن تستسلم لفكرة الانتحار بعدما تعبت من محاولات العيش، ومن تلقي رصاصات متواصلة من فوهة أصابع الناس التي تشير إليها.
وقفنا أيضا على محاولات انتحار، وسيلة ضحاياه لم تكن ابتلاع سم يرديهم قتلى، إنما هو سم ابتلعته أرواح من استمعنا لشهاداتهم، سم يقتل مع كل نطق للقاضي بـ”الطلاق” داخل ردهات المحاكم، سم يهدم الأسر ويخطف السعادة من بين أيديهم.
حملنا الكاميرا الخفية وتقمصنا دور “الضحايا” الذين يبحثون مكرهين عن حل لمصابهم بين أنفاق المشعوذين والسحرة، فكانت المشاهد مليئة بتشخيص مجنون حول “المس” و”التقاف” و”الجن” ووصفات وطلاسم وتعويذات غير مفهومة.
لأول مرة وبعد أشهر من البحث عمن يمكنهم البوح، تكشف هسبريس، ضمن تحقيق بالصوت والصورة، أسرار معاناة عميقة تنخر المجتمع المغربي في صمت وتميط اللثام عن أفواه ضحايا “التقاف” و”التوكال” و”الجن العاشق” وغيرها من الحقول المعجمية للخرافة والأسطورة التي أدت ببعض هؤلاء الأزواج إلى ردهات المحاكم، وأحيانا أخرى جعلتهم يرون في الموت راحة من ألسنة عائلة ترغب في معاينة قطرة دم على سروال أبيض فوق صينية، وفي أحسن الأحوال أسر شبه واعية قطعت مع التقاليد البالية إلا أنها تسأل باستمرار عن أسباب تأخر حفيد كان يُفترض أن يأتي إلى الوجود خلال السنوات الأولى من الزواج.
ما قصة هذا المرض؟ كيف أشيع وسط المواطنين بـ”التقاف” كما يصطلح عليه في الثقافة الشعبية مقابل جهلهم بالتشنج الحوضي (المهبلي) الاصطلاح الطبي؟ لماذا يدفع المرضى حياتهم وأسرهم ثمنا بسبب علاج خاطئ وتشخيص غير سليم؟ وما موقع كليات الطب والصيدلة والوزارة الوصية على قطاع الصحة من هذا الموضوع؟
زيجات مع وقف التنفيذ
أزواج يعيشون كالأشقاء داخل منازل أسس بنيانها في أول الحكاية على الحب، وكانت ترجو أبدية ملؤها المودة والرحمة، وغطاؤها هن لباس لكم وأنتم لباس لهم؛ لكن الأقدار كان لها رأي آخر.
تزوجت سارة (8 سنوات زواج) وهي قاصر لا يتجاوز عمرها 17 سنة، وفي صبيحة العرس حملت الهاتف ليس لتخبر والدتها بسعادتها بحياتها الجديدة؛ لكن لتخبرها بأن هناك خطبا مبهما بالنسبة لها ولزوجها، استحالت معه المعاشرة الجنسية بينها وبين زوجها، فأجابتها الوالدة بأن الأمر لن يتجاوز كونها “صفحة”، وتقصد هنا أن بكارة ابنتها تحتاج إلى تدخل بسيط من قبل طبيبة نسائية.
عادت بعد سبعة أيام، وهذه المرة صدق فيها قول المغاربة الشهير “سالات سبع أيام ديال العسل” لتدخل في رحلة بلا نهاية عن حل ينقذها من مأساتها.
البداية كانت مع طبيبة نسائية أخبرتها بأن الحل في عملية جراحية ستتمكن بعدها من معاشرة زوجها بشكل عادي، إلا أن الجراحة تمت والعقدة لم تحل.
أعادت الكرة بعد مدة في العيادة نفسها دون تغيير، ليدب الشك والتساؤل في محيط عائلتها إلى أن اكتشفوا مصاب الزوجين، فباشر كل واحد بتقديم رأيه بين محدث بالتقاف وناصح بالرقاة و”الفقها” والحجامة من أجل فك “التقاف”.
قصة سلمى (3 سنوات زواج) لا تختلف كثيرا عن سارة، فقد استمر الحجر على علاقتها الحميمية بزوجها حوالي ثلاث سنوات، وأوصلها اليأس إلى درجة رغبت فيها في تسليم روحها والتفريط فيها، “فكرت نشرب شي دوا ونقتل راسي” تقول سلمى، قبل أن تتراجع عن ذلك، فالوضعية لم تكن مفهومة بالنسبة لها وعجز العقل عن الفهم دائما ما يؤدي بالإنسان إلى الإحباط، “نحب بعضنا لكن لا ننجح”، تضيف مغالبة دموعها.
زوجها هو الآخر يذرف الدموع، ويسألها في كل مرة عن ماهية المشكل، فلا تجيب سوى بعبارات “ما عرفتش واش سحور”.
“ما كنتش عايشة، والناس كيسولو والعائلة كيقولولي وحدة عاد جات البارح وحاملة واش انت ماشي امرأة”، تواصل سلمى حديثها لهسبريس.
كم هو قاس هذا المجتمع الذي يفتش في أرحام الناس، ويطالبهم بخلق المعجزات إرضاء للقبيلة.
زينب، (6 سنوات زواج) سيدة حامل، شاركتنا تجربتها المريرة بوجه مبتسم، فالحديث عن الموضوع لم يعد بالنسبة لها موجعا؛ لأن دموعها انهمرت بما فيه الكفاية خلال السنوات الأولى من زواجها. حكت بأسف عن انعدام التوجيه الطبي منذ البداية؛ وهو ما دفعها إلى البحث عبر الإنترنيت حول الموضوع بعد تراكم الأسئلة، فاكتشفت طبيبة مصرية تتحدث عن مرض اسمه “التشنج الحوضي”؛ لكنها لم تجد في بداية بحثها عن الشفاء سبيلا للعلاج بالمغرب.
فضلت زينب “الهروب من العلاقة” باختلاق عذر في كل مرة، تارة بالمكوث بمنزل أسرتها أو في حفلات الصديقات والعزائم والمناسبات التي تتأخر ليلا.
كان زوج زينب، الذي حضر إلى جانبها في مقابلتها مع هسبريس، متفهما في البداية؛ لكن مع توالي الشهور أخذ يوجه إليها أسئلة من قبيل: “لماذا ترفضينني” إلى أن وصل به الأمر إلى الشك واعتبار زوجته غير مهتمة وغير راضية به، حسب ما أكدته زينب.
كان الزوجان الجامعيان يعيشان في منزل عائلة ممتدة، لذلك فضلا دائما الصمت أمام كل مشكل، وبالتالي لم تتح لهما أي فرصة لمناقشة مشاكلهما اليومية المنبثقة من غرفة النوم، حتى أضحى أفراد العائلة يشعرون بالتوتر الحاصل بينهما، فاستمرا على طريق الألم لسنوات أخرى.
بالنسبة للمياء (5 سنوات زواج) لم تجد عبارة لتشرح لنا وضعيتها سوى “كنعيشو أنا والزوج ديالي بحال الخوت”، وتابعت أن الموضوع كان في علم والدتها فقط.
تساءلت لمياء لأكثر من مرة “علاش أنا من دون الناس”، وكان جرحها يفتح في كل مرة تسمع فيها عن أصدقاء وصديقات تزوجوا ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي.
واجهت لمياء لحظات اكتئاب طويلة، قبل أن تزور طبيبة اقترحت عليها عملية على مستوى البكارة؛ لكنها كانت واعية بأن المشكل لن يحل بتلك الطريقة، واستمرت في البحث عن الحل بين أيدي ستة أطباء، دون أن تصل إلى مرادها.
معركة ودموع الرجال
“أول صدام مع العائلة سيكون بسبب رفضي لعادة الصبوحي” يقول محمد زوج إكرام (4 سنوات زواج)، لم يكن من السهل إقناع الأزواج بالحديث في موضوع إذا كان البوح به بالنسبة لعدد من الزوجات شبه مستحيل فهو مستحيل قطعا بالنسبة للأزواج؛ لكن هذا الزوج امتلك الشجاعة لذلك.
محمد موظف مثقف، يحب زوجته؛ لكن فكرة الهروب راودته كثيرا. وكانت للعائلة حصة الأسد في دفعه نحو الانفصال والبحث عن حياة جديدة وزوجة أخرى. وبعد تدخلات من “ولاد الناس في عائلة الطرفين” يقول محمد، تمسك بزوجته وفضل البحث عن الحل.
مشهد آخر واجهه محمد في مسيرة بحثه عن الحل، وهو يصطحب زوجته إلى عيادة الطبيب، “قالو لينا كاين طبيب نسائي يملك الحل واضطررت نقبل”، فقد استصعب كشف طبيب رجل على زوجته؛ لكنه استسلم بعدما تعب من محاولات داخل عيادات طبيبات نسائيات لم تثمر أية نتيجة مرضية.
لكن بعد تشخيص الطبيب لإكرام كانت نصيحته لا تختلف عمن سبقوه، “عملية جراحية على مستوى البكارة”، خضعت لها إكرام دون أن تتمكن من معاشرة زوجها.
المفجع في القصة هو أن قطرة الدم التي أسقطتها شفرة الطبيب على ملابس إكرام خلال العملية، كانت الحل أمام محمد الذي أرهقه سؤال والدته، “حملت الثوب بدمه وقولت ليها هاهو داكشي لي كنتي بغيتي نهار الصبوحي وما عطيتوليكش”.
عبد الله، زوج سلمى، رجل ينتمي إلى منطقة قروية بما يحمله ذلك من تصور حول الزواج والمرأة وثقل التقاليد البالية. لذلك، كان تقديرنا لما حكاه كبيرا، “المرا خص بالرضى ديالها، ما يمكنش بزز” يقول عبد الله.
بقامته البدوية الصلبة وصوته الفخم لم يتمكن عبد الله من حبس دموعه وهو يخبرنا بأن أول مناسبة يكشف فيها عن مشكلته هي أمام عدسة هسبريس، طلبنا منه أخذ نفس ومواصلة الحديث، فأخبرنا كم أمضى حياة قاسية قد لا تبدو كذلك لمن لم يعش التجربة “خدمتي ما هي خدمة، وعلاقتي بصحابي ما هي علاقة، كنحس بالنقص وعانيت بزاف”.
لم نطل الحديث مع عبد الله، فشخصيته الخجولة وحديثه بنظرات تراقبان أرضية الغرفة دون التركيز على الكاميرا أوصلا كل ما يرغب في قوله، والجزء الأكبر من الحكاية الأليمة واصلته زوجته سلمى.
رحلة “الشوافة”
أخبرتنا سلمى أن “الفقيه” حضر إلى منزلها وزوجها وبات رفقتهما ثلاث ليال يقرأ ما يقرأه ويطلب منهما وضع “الحجابات”، تحت الوسادة من أجل تسهيل المعاشرة.
المشهد الأقسى في هذه القصة، تقول سلمى، هو حينما أقفل زوجها غرفة النوم بالمفاتيح مخافة تدخل الفقيه بشكل يهدد سلامتهما ليلا؛ فداخلهما فقد البوصلة وأضحى يرى فيه الحل وفي الآن نفسه مجرما قد يقدم على تخدير الزوج واستغلال الوضع لاغتصاب الزوجة.
بدورها، استجابت سارة إلى نصائح المحيط العائلي مكرهة، فهي لا تملك حلا سوى حماية بيت لم تفرح بوضع أساسه؛ فبعد خضوعها للمرة الثالثة إلى جراحة أخرى كرهت الأطباء والعيادات، “كاين غير الزيزوار” تقول سارة وهي تستحضر لحظات الألم التي تترقب في أمل”، لكن دون تغيير. وبعد فتور طويل في العلاقة، التقت سارة في أحد الأيام بسيدة أخبرتها بوجود شيوخ بضواحي تازة يملكون “الحكمة” ويفكون “التقاف”، واستجابت مرة أخرى فكانت وصفتهم لها تخطي قصبة وبخور “قالو لي إذا تفتحات را عندي التقاف”.
عادت من تازة بعد المحاولة اليائسة لتجد أمامها العديد من المشاكل، وصراعا متواصلا مع زوجها لم تذهبه وصفة “حكماء تازة”.
بعد الإنصات لحجم الاستغلال الذي تعرضت له بعض هؤلاء الزيجات من قبل أشخاص يدعون امتلاك “الحكمة”، وأسرار فك عقدة “التقاف”، قمنا بتقمص هيئة أشخاص يبحثون عن الحل والعلاج بين أيدي الشوافة “حليمة” بضواحي بني ملال، وفقيه مشهور بمراكش. الصحافية، معدة التحقيق، لعبت دور سيدة متزوجة تسأل بيأس عن حل لمشكلتها، والمصور الصحافي الذي رافقها يتقمص دور ابن خالتها. تمكنا بصعوبة من استعمال “الكاميرا الخفية” لإظهار جزء من تفاصيل المقابلة التي تتم بين ضحايا العجز واليأس وغياب التوجيه، والدجالين الذين يبحثون عن الاسترزاق من معاناة الناس.
قبل أن نصل إلى “الشوافة” تجولنا بأحد أحياء بني ملال الشعبية، وسألنا المارة ذلك السؤال الساذج بحذر لأننا لا نعلم طبيعة الأشخاص الذين نسألهم عن مشعوذ يفك “التقاف” ويكشف الذي “تقف” الضحية، “من فضلك نبحث عن فقيه لحل مشكل صحي”. نصحونا بأن شخصا معروفا ببني ملال قادر على ذلك. وبعد ثلاث محاولات، سألنا خلالها سيدة مسنة ونساء يمشين وسط أزقة ضيقة، أوصلتنا إلى اسم “فقيه” وعنوانه، طرقنا الباب مرفوقين بالسيدة المسنة قصيرة القامة ذات الحائك الأبيض والمحيا المبتسم، والتي رغبت في مساعدتنا. خرجت زوجة “الفقيه” وأخبرناها بطلبنا إلا أن زوجها توقف عن استقبال الزبائن منذ أشهر عديدة بسبب انشغالات مهنية أخرى، تقول الزوجة.
واصلنا المسير بين الأزقة، صادفنا شابة يبدو من ملامحها المتعبة أن عمرها لا يتجاوز 30 سنة، تبيع الخضر في زاوية يحيط بها شباب يدخنون سجائر لتمضية ساعات فراغ قاتل، فأرشدتنا إلى سيدة تدعى حليمة، صيتها ذائع وعملها “دقة بطلة” على حد قولها؛ لكن للوصول إليها تلزمنا نصف ساعة سيرا بالسيارة لأن مقر سكنها و”عملها” دوار أولاد عبد الله ضواحي بني ملال.
بمجرد دخولنا إلى الدوار سالف الذكر، وجهنا سؤالا واحدا إلى أول سيدتين التقيناهما فتلقينا الإجابة فورا، رسمت لنا إحداهن خريطة الوصول ونبهتنا إلى أننا لن نجد مرادنا بعد أذان صلاة العصر. أصررنا على مواصلة الطريق على الأقل “لنحصل على موعد”، وكذلك كان. وبعد وصولنا فتحت ابنة حليمة نافذة المنزل وطلبت منا العودة في صبيحة يوم الغد؛ لكننا أصررنا على مقابلة الوالدة. دقائق بعد الانتظار أخرجت سيدة طويلة القد حادة الملامح عينين سوداوين بين فتحة صغيرة، بشكل مفتقد للثقة، تخبرنا بكلمات متسارعة بأنها لن تلبي طلبنا قبل طلوع الصبح، واشترطت عدم دخول “المصور الصحافي” الذي يؤدي دور ابن خالة الصحافية “المصابة بالتقاف”، “ما كندخلش الرجال، غتجي بوحدك”.
عدنا صبيحة الغد ودخلت معدة التحقيق غرفة بجدران متهالكة، افترشت سجادا باليا ووسادات عتيقة، وضعت الكاميرا الخفية في جيب حقيبتها اليدوية محاولة إخفاءها وفي الوقت نفسه الحصول بقدر الإمكان على زاوية تسمح بتقديم مشاهد المقابلة الواقعية.
“على سعدك، على صحتك، ولا علاياش أنتبع لك”، تقصد أن أخبرها مجال الداء لتقدم الدواء، فكان الجواب على صحتي مع تقريبها من المشكل وكوني زوجة لم تتم دخلتها منذ أزيد من خمس سنوات، فبدأت بإلقاء عبارات مسترسلة وسريعة “التيسير عندك الخير عندك تيضرك راسك، كتشدك التقليقة كتجيك الطجة بنت مخيرة معقولة تابتة بعقلك مكتحراميت ماكتغداريت داخلة سوق راسك توكلي تشربي تغطي تفرشي ولي غادية لكرشك تعطيها للواحد حيدي منك غا التقليقة، وعندك تقاف قديم عمرو 15 سنة” ومن قام بفعل الشعوذة هذا امرأة أرادت أن تؤذيني، بحسب “حليمة”.
وبعد مجاراتي لها تفاعلا مع أسئلة وحديث دام حوالي نصف ساعة، لم تستطع خلاله الساحرة التي ادعت القدرات الخارقة، سرد معلومة صحيحة، أو أن تكتشف أن الماثلة أمامها صحافية وليست “مريضة تقاف” كما قالت، طلبت مني أن أستعمل نوعا من البخور والصابون والجراد والسمك. ومن جهة أخرى، طلبت مني الحصول على “فأس الورثة حميهم فالمجمر حتى يحمارو وطفيهم فسطل ديال الما وتخطاي الدخان”، وأضافت “ضبري حتى على العريوة، الصرة الأولى لمها وبخري بها”.
ونصحتني “حليمة” بأن أبحث بإحدى زوايا بيتي العلوية لأن “السحور” متواجد بها، السيدة واثقة من نجاح وصفاتها فهي تتنقل إلى أمكنة تواجد السحر، وتنقذ أسرا في مختلف مدن المملكة بحسب “تخاريفها”.
700 درهم مقابل سحر لزوجي
الساعة تشير إلى الخامسة مساء، ساحة جامع الفناء بمراكش، رقبنا سيدات يقرأن “الطالع” وذهبنا للسؤال حول فقيه يمكنه أن يقوم بـ”عمل شعوذة” لزوج المريضة المفترضة.
ألقيت السلام على إحداهن وفورا طلبت مني الجلوس ومد يدي، أخبرتني وهي تفرد بطاقات “الكارطا” على طاولة خشبية بالكاد تتسع لأكف أياد تمد عليها كل يوم جهلا، بما ينتظرني مستقبلا وببعض الخيال المرتبط بحاضري. وبعد محاولة كسب ثقتها، طلبت منها إرشادي لقضاء مرادي، فطلبت مني العودة بعد ساعة لاصطحابي إلى الفقيه بالمدينة القديمة.
وصلنا مقر عمل الفقيه، ظاهره لبيع الأعشاب، وباطنه للقيام بأعمال الشعوذة، لم يسمح لنا بالحديث وباشر تعبيراته المبهمة، فختمها قائلا “وحدة عاملة لك سحر مدفون فالروضة المنسية وداك السحر ولا ليك بالعكس والنكد، كتكوني قاعدة فالدار ما بيك ما عليك حتى كيجيك طيار من دار كون تصيبي ما تقعديش فيها”.
لفك “التقاف” طلب مني “الفقيه” تقديم الملابس الداخلية لزوجي المفترض، وهي ملابس اقتنيتها من محل تجاري بساحة جامع الفناء بعد أن طلبت مني ذلك “قارئة الطالع”، واعدا بأنه سيعيده إلى تحت أقدامي وسيفك “التقاف” الذي يقف أمام سعادتنا، وطلب مني هو الآخر العودة في صباح اليوم الموالي قبل أذان صلاة العصر لكي أتسلم “العمل”.
الوصفة كانت عبارة عن “شمع وطلاسم” قال إنه سيعدها بشكل سري، وطلب مني إنارة سبع شمعات بمنزلي في غياب زوجي المفترض، “كل نهار شعلي شمعة لمدة أسبوع”، وحينما أراد شرح طبيعة العمل الثاني قال “حوايجو كاينين، ولي بينك وبينو كاين؟” أجبت بنعم فتابع قائلا “غادي نصيبهم ليك فغراف تراب وغنقاد ليك الشغل ديالو..”، بعد نهاية الزيارة طلب مني مقابل ذلك 700 درهم دون نقاش، فأخبرته أنني سأحضرها في اليوم الموالي، وألقيت التحية وغادرت دون رجعة.
الراقي.. باب التطبيب المزعوم
“كولشي كيشرط بزيزوار، مليت من الجراحات، وعقدوني من العلاقة”، تقول سارة التي عادت إلى العمليات الجراحية بعد رحلة “فقها تازة” الفاشلة، ليصل العدد إلى خمس عمليات جراحية، كرهت بعدها العلاقة الحميمية إلى درجة أنها كانت تتمنى تأخر زوجها في العودة إلى المنزل أو أن يصاب بمرض يمنعه من التفكير فيها.
بعد مضي السنوات، أضحت سارة تميل إلى العزلة، إحساس آخر مرير دفعها إلى المحاولة مرة أخرى داخل مقرات الرقاة، “دار لي الراقي الحجامة، 25 نقطة”، مباشرة بعدها أصيبت بفقر دم حاد، إلى أن فقدت الأمل في الحياة.
الرحلات بين الرقاة لم تنفع سارة وسلمى وباقي الزيجات اللواتي اخترن تجريب وصفاتهم، لذلك كان لا بد من التوجه إليهم ونقل طرق علاجهم المزعومة.
توجهنا إلى مقر أحد الرقاة بمدينة فاس من أجل نقل تفاصيل مقابلتهم مع المرضى.
الراقي محمد أمين وصف مقر عمله بكونه “باب للتطبيب”، ولم يمانع بأن نقوم بالتصوير.
وجوابا عن أول سؤال حول ما يمكن أن يقدمه الراقي لمريض من المفترض أن يتم توجيهه إلى الأطباء، قال إن الأمر أحيانا يتعلق بأمراض روحية يستعصى حلها على الأطباء.
يبدأ محمد أمين علاجه مع “مرضاه”، كما وصفهم، بأسئلة من قبيل: “هل تشعر بالسوء عند قراءة القرآن، أو يغمى عليك، وأسئلة حول ما يرونه في منامهم..”. ويشرع بعدها في قراءة آيات قرآنية، وينفت ويستخدم ماء الزهر المقطر، ويواصل توضيحاته قائلا: “في حال كان الأمر له علاقة بتلبس كلي يمكن للشخص المريض أن يغيب عن الوعي.. وفي حال لم يغب قد يشعر باختناق، أو غمة، أو يتعرض لانتفاخ على مستوى اليد، أو الغثيان”.. وفي هذه الحالة فالأمر يتعلق بالتوكال، حسب الراقي. أما في حالات أخرى فقد يتعلق الأمر بالسحر المشروب، أو المخطى، أو السحر المعلق. ويزعم الراقي أن كل عرض من الأعراض يكشف له طبيعة الحالة المعروضة عليه.
الراقي زعم كذلك أن التشخيص باليد يعطيه فكرة عن طبيعة “التقاف”، وحينما سألناه كيف يتم هذا التشخيص، أجاب: “الأمر يحتاج إلى خبرة، وإلى امتلاك الراقي لطاقة علاجية على مستوى اليد”. طلبنا المزيد من التوضيح، فقال: “يمكنك معرفة امتلاك راق لطاقة علاجية بمعاينة ما يقع حينما يضع يده على جزء من ذراع الحالة المعروضة، مثلا قد يضحك الجن..”. هنا توقفنا عن طلب الاستفسارات، وحملنا باقي الأسئلة إلى متخصص في العلوم الشرعية.
يوسف مازي، أستاذ باحث في العلوم الشرعية، قال إن مجال الرقية له ضوابط شرعية وشروط، ومن أهمها أن يكون الداعي إليها حقيقيا، مؤكدا في الآن ذاته أن أهل العلم من السلف ناقشوا التخيير بين الصبر والرقية، وإن تمت الرقية فتكون بقرآن وسنة وبمعان دلت عليها نصوص الشرع.
وأضاف مازي، في حديثه مع هسبريس، إن الأولى بالإنسان أن يرقي نفسه بنفسه؛ “فالقرآن شفاء للناس، ولهذا لا ينبغي التوسع في علاج الآثار وإغفال الأسباب لأن الوقاية خير من العلاج”.
أما فيما يخص قدرة الراقي على معالجة المرض موضوع التحقيق فقد أوضح الباحث أن “العجز الجنسي، سواء كان نفسيا أو عضويا، يحتاج إلى طبيب”، مضيفا” “فاسأل به خبيرا”.
وقال مازي “إن هذه الأمراض تكون لها صلة بأعصاب الإنسان أو ناتجة عن خلل في أحد أعضائه، أو عن أمراض نفسية واضطرابات وعلاجها طبي لا علاقة له لا برقية ولا بأي شيء لا يدخل في إطار الخبرة العلمية” وزاد: “ابن عباس رضي الله عنه قال: هل من طبيب يشفيه”.
الشقاق هروبا من العيب
وهي تروي تجربتها المريرة، قالت لمياء إنها كانت تدفع زوجها نحو اللجوء إلى الطلاق، كحل لمصابهما، “قولتلو سير عيش حياتك وطلقني”؛ إلا أن زوجها اعتبر الأمر ليس حلا واختار التعايش مع الوضع.
جميع من التقيناهم في هذا التحقيق وصلوا إلى مرحلة الطلاق؛ فمنهم من رفع الدعوى وتراجع بعد ذلك، ومنهم من بقيت الفكرة حبيسة جدران منزله ولم تصل إلى ردهات المحاكم.
من أجل الإحاطة بأسرار ملفات الطلاق بسبب مرض صامت وطابو يهدد بنيان الأسر، التقت هسبريس قضاة بكل من الرباط وأزيلال.
عبد السلام تيكرت، رئيس قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بأزيلال، أكد أن الإحصائيات السنوية التي يفرزها العمل القضائي تظهر أن قضايا التطليق للشقاق هي الغالبة في مسطرة حل ميثاق الزوجية، تليها قضايا الطلاق الاتفاقي. أما بخصوص الأنواع الأخرى كالتطليق للغيبة، أو الضرر أو العيب أو عدم الإنفاق، أو الإيلاء والهجر فتشكل نسبا ضئيلة، إلى منعدمة.
وأورد في السياق ذاته أن المحكمة سجلت، خلال سنة 2021، ملفا واحدا للتطليق للعيب. ويقصد بذلك، حسب ما نص عليه المشرع المغربي في مدونة الأسرة، “العيوب المانعة للمعاشرة الزوجية”.
كمال الربيشي، نائب رئيس المحكمة الابتدائية بأزيلال ورئيس غرفة الطلاق والتطليق، قال إن القضاة يكتشفون أحيانا، خلال البحث السري وجلسات الصلح التي تتم داخل غرف المشورة بالمحاكم، أن الأسباب الحقيقية وراء طلب الطلاق للشقاق لها صلة بمشاكل جنسية أساسا.
وأورد القاضي أن حالة شبيهة بالحالات التي تحدثت في هذا التحقيق عرضت عليه في الأسبوع نفسه الذي قابلناه فيه، حيث صرح له الزوجان بأن دخلتهما لم تتم منذ حوالي ست سنوات.
من جهته، كشف بناصر بندعيجو، رئيس قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بالرباط، أن طالبي الطلاق والتطليق الذين يعانون من مشاكل لها صلة بالمعاشرة الحميمية في الغالب ما يلجؤون إلى مسطرة الشقاق، بسبب تعقد مساطر أنواع الطلاق الأخرى. ومن ضمن تلك التعقيدات صعوبة إثبات الضرر سواء بالنسبة للزوج أو الزوجة.
وأشار رئيس قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بالرباط إلى أن “مسطرة العيب” أصبحت متجاوزة؛ لأن الأزواج في الغالب لا يرغبون في دخول متاهات الخبرة والحديث في أنواع العيب.
وجوابا عن سؤال هسبريس حول مساعي الصلح التي يشرف عليها القضاة في مثل هذه الحالات، أوضح المتحدث ذاته أن الدعوى إذا رفعت بناء على الشقاق وتمكن القاضي من إقناع الزيجات بالبوح بالأسرار الحقيقية، فحينها يمكن له تعيين حكمين لمحاولة الصلح وتجاوز أسباب الخلاف. أما في حال أصر طرفا العلاقة على الانفصال فالقاضي لا يمكنه إلا أن يذهب في الاتجاه الذي يرغبان فيه.
وتابع بندعيجو: “إذا تعلق الأمر بعيب في الزوجة تعذرت معه المعاشرة الزوجية فذلك يسمى في الفقهيات بعيوب الفرج”، مضيفا: “إن كان العيب يرجى برؤه، فالمحكمة تمهل أحد الزوجين للعرض على الخبرة الطبية من أجل الشفاء والعلاج”.
هذا التكتم على “العيب” تبرهن عليه الإحصائيات المسجلة أيضا على مستوى محكمة الرباط، حيث لم تسجل خلال سنة 2020 سوى ثلاث حالات تطليق للعيب، فيما تم تسجيل خلال سنة 2021 ما مجموعه 1976 حالة طلاق للشقاق، و19 حالة طلاق للعيب.
التشنج الحوضي (المهبلي).. حل العقدة
حكت هدى (7 سنوات زواج) وهي الحالة التي تركنا الحديث عن تفاصيل مقابلتنا معها إلى نهاية التحقيق؛ لأنها الوحيدة التي تحمل تجربة مع أحد أطباء الجنس، الذي زارته بعد مرورها من نفس أحداث المسلسل المحبط الذي عرضه باقي الأزواج.
عند زيارتها للطبيب وبوحها بموضوع الزيارة، طلب منها أن ترسم الجهاز التناسلي للمرأة، فاستجابت ورسمته وفق تصورها، وعند بلوغها لمدخل مهبل المرأة وضعت نقطة صغيرة الحجم، فحمل الطبيب الورقة وقال لها”: “هنا فين عندك المشكل” موضحا أن رحم المرأة الذي ينجب الأطفال ويمنح لهذه الحياة الاستمرارية بعيد كل البعد عن النقطة الضيقة التي تتصورها هدى.
هدى لم تجد الحل لمشكلتها إلى غاية كتابة هذه الأسطر، إلا أن زيارتها الطبية مع المختص في الجنس أضاءت لها نقطة البداية وأخبرتنا بأنها ستسعى إلى مواصلة رحلة العلاج بعيدا عن عيادات “العمليات الجراحية”، لأنها تذوقت أيضا ألم “جراحة البكارة” التي لا تعمق الألم وتقطع الأمل.
“هناك ملايين من مرضى التشنج الحوضي (المهبلي)” تقول هدى، الباحثة في سلك الدكتوراه، حيث اضطلعت على تجربة مئات المغربيات المتواجدات فقط داخل مجموعات “فيسبوك” المغلقة، يتبادلن الهموم ويبحث في سر عن حل لا يصلونه في الغالب.
وقالت هدى إن المجموعات الافتراضية التي عاشت فيها قصتها الواقعية كانت تضم أيضا نساء من مختلف البلدان الأوروبية والعربية، “عندي أمنية وحدة، وهي أن يعمد الأطباء والمسؤولون على الصحة إلى تفسير أسباب هذا المرض وعلاجه بالتدقيق دون إدخالنا في متاهات غير دقيقة”.
أغلب الحالات التي التقيناها تمكنت أخيرا من حل عقدتها، حيث مثلت عيادة الدكتور يوسف الحارثي، الأخصائي في طب النساء وطب الذكورة والطب الجنسي بمدينة فاس، بداية نهاية مأساتهم، بالرغم من صعوبة استجابتهم للعلاج في بداية الأمر بسبب ما خلفه ظلم العائلة واستغلال الدجالين وما فعلته دروب الحياة القاسية بنفسيتهم المتهالكة.
ومن بين الشهادات الخطيرة التي رواها الأزواج أن معاملة بعض الأطباء لهم طيلة مسار علاجهم لم تكن جلها رحيمة، فقد سمعت بعض الزوجات عبارات من قبيل “هذا غير فشوش” كما قالت هدى، و”رخي راسك نتوما كتعرفو غير تزوجو” كما حكت سارة التي كادت المهدئات وبعض الوصفات “المخدرة” المسموح بها طبيا في بعض الحالات أن تجعل منها امرأة فاقدة للعقل والإدراك، حيث كان يصل بها الأمر في بعض الأحيان إلى الصراخ بهستيريا والهلوسة.
عاين الدكتور يوسف الحارثي سارة في الزيارة الأولى، فاكتشف أن مريضته مصابة بتشنج مهبلي درجة صعوبته تصل إلى 70 في المائة.
بعد توالي حصص العلاج، أضحت سارة تترقب الحصة العاشرة لتحل أزمة 8 سنوات، وهي اليوم تشعر بنفسها أنثى كاملة، “عندما كان يتحدث شخص بالقرب مني بسوء أو تنمر كنت أشعر بنفسي ناقصة”.
أما سلمى فبعدما زارت “الطبيب المعجزة” كما وصفته، صارت مع كل زيارة تحمل بطاقات العمل الخاصة به وتقوم بتوزيعها في الحمام الذي ترتاده وفي الأسواق والصيدليات، وفي كل مكان “ما بغيتش شي وحدة دوز من العذاب لي مريت به” تقول سلمى.
سلمى، التي تعالجت بشكل نهائي وعاشت “ليلة دخلتها” متأخرة، الرجاء الوحيد لديها الآن هو أن تتمكن وزوجها عبد الله من الشعور بإحساس الأمومة والأبوة، خاصة بعدما مرت بتجربتي حمل أولى وثانية أجهضت فيهما.
العلاج موجود شريطة أن يكون بين أيادي ذوي التخصص، خلاصة لقاء جمع هسبريس مع الدكتور يوسف الحارثي، الطبيب الذي عالج أزيد من 200 حالة توافدت على عيادته.
وأوضح الطبيب أن هذا المرض المنتشر في عدد من البلدان وليس فقط بالمغرب ليس مرضا نفسانيا، وإنما تصرف سلوكي ناتج عن أسباب عديدة؛ منها العضوية وتمثل خمسة في المائة من الحالات، وهي عبارة عن تشوه على مستوى البكارة يمنع الإيلاج، ويتسبب في ألم ينتج عنه تشنج ثانوي.
كما أن الأمر قد يتعلق بتشوهات على مستوى مهبل المرأة والذي يؤدي إلى الألم؛ لكن ليس هو التشنج الحقيقي اللاإرادي الأولي وإنما ثانوي ناتج عن الألم. أما السبب الثاني، يضيف الدكتور، فيمثل 15 في المائة، ويكون السبب فيه هو الرجل، مبرزا: “بسبب القذف السريع قبل الإيلاج، تتوتر المرأة ويتولد لديها اضطراب يجعلها تعتقد لا شعوريا أنها من ترفض العلاقة”.
ونبه الدكتور إلى ضرورة التشخيص السليم للوقوف على حقيقة التشنج، مذكرا أنه عاين حالة عاشت خمس سنوات معتقدة أنها السبب في تعذر المعاشرة الزوجية؛ في حين أن المشكل كان لدى الزوج الذي كان يحتاج لتدخل طبي، واكتشف الدكتور أنه تشنج ثانوي ناتج عن سبب ذكوري.
أما التشنج الأولي الحقيقي، يقول الطبيب، فهو “ناتج عن خوف عند المرأة ناتج عن طفولتها؛ إما بسبب ما تسمعه حول ليلة الدخلة، أو بسبب قسوة الأب تجاه الأم، حيث تتقلص مع نفسها ولا شعوريا تكره العلاقة الجنسية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن من بين الأسباب المنتشرة لدى بعض الحالات، هناك التربية الصارمة للطفلات التي تصور الرجال أنهم “ولاد الحرام” لا يستحقون الثقة، فلا شعوريا تعتبر “الرجل مشكل، وخوف، وضياع للشرف…”.
ونبه الدكتور إلى أن منع الطفل والطفلة من قضاء حاجتها في الوقت الذي تحتاج إلى ذلك خاصة داخل الفصول بالمدارس الابتدائية، أو تعرضها لتعنيف نفسي أو جسدي من قبل الوالدين بسبب تبولها في الفراش، يشكل عندها بداية التشنج.
وفيما يخص طرق العلاج، شدد الدكتور الحارثي على أن المشكل الجنسي سواء كان لدى الزوج أو الزوجة فينبغي أن يخضع طرفي العلاقة إلى العلاج باعتبار أن هناك علاقة تأثر بينهما.
ويبدأ مسار العلاج بجلسة تكوينية للزوجين، عايناها في عيادته، حيث يستعمل فيها رسومات يقرب عن طريقها الطبيب تركيبة الرجل والمرأة بيولوجيا وجنسيا لمرضاه، وصورا وأشرطة توعوية؛ ثم في مرحلة ثانية يقوم بالكشف على الأزواج “الذكور” لأنهم في الغالب يتعرضون لاضطرابات تنتج عن هذا المشكل.
أما بالنسبة للمرأة فتخضع لحصص ترويضية على مستوى عضلات الحوض باستعمال أجهزة خاصة، ومنهجية طبية دقيقة، بالإضافة إلى العمل على اللاشعور، ويتراوح عدد الحصص بين خمس حصص إلى خمس عشرة حصة بحسب درجة تعقد المشكل وعدد سنوات الزواج.
وأكد الدكتور أنه خلال الحصص الأخيرة يتمكن الزوجان من ممارسة حياتهما الحميمية دون مشاكل، “ليس فقط بتسهيل عملية الإيلاج وإنما بجعلها معاشرة متعة متبادلة وحب بدل الألم”، وفق تعبيره.
ونبه الحارثي إلى خطورة القيام بعمليات جراحية على مستوى البكارة، داعيا الأطباء إلى حسن توجيه المرضى بدل إدخالهم في متاهات تضيع سنوات من عمرهم، فالمشكل مشكل عضلات داخلية، وفتح البكارة يفاقم مشاكل المرضى.
هذه المعضلة، يقول الدكتور، تحتاج إلى تدريس الطب الجنسي كوحدة خاصة داخل كليات الطب والصيدلة بالمغرب، من أجل تكوين أطباء متخصصين وحدهم من بإمكانهم رفع هذه المعاناة عن الناس.
وقال الدكتور إن الإحصائيات العلمية تؤكد أن سبعين في المائة من الاطمئنان الداخلي للمرأة والرجل يشكله الجنس، فيما تبقى 30 في المائة موزعة على باقي مجالات الحياة. لذلك، لا بد من الاهتمام بصحة المغاربة تفاديا لسقوطهم في متاهات قد تصل إلى ما لا تحمد عقباه.
مسؤولو الصحة بالمغرب يجهلون “المرض”
حاولنا التواصل في أكثر من مرة مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وقامت معدة التحقيق بزيارة مسؤول بالوزارة من أجل وضع طلب رسمي لإجراء مقابلة حول الموضوع؛ إلا أن المسؤولين رفضوا الإدلاء بأي معطيات بهذا الخصوص.
وما استشف من خلال الاتصالات، التي قمنا بها وتبادل الحديث مع بعض المسؤولين في مراحل وضعنا للطلب، أن الموضوع الذي يخلف مئات الضحايا “شبه مجهول” بالنسبة إلى مسؤولي الصحة بالمغرب.