انطلقت اليوم الأربعاء 15 يونيو الجاري بالرباط، فعاليات أشغال الندوة الوطنية حول موضوع: “المنظومة القانونية للتعمير والبناء في ضوء الممارسة العملية والعمل القضائي”، بحضور مسؤولين قضائيين وفي قطاعات وزارية وشخصيات رفيعة أثثت فضاء القاعة الكبرى بمقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وتقف وراء تنظيم هذه الندوة، على مدى يومي 15 و16 يونيو، مؤسسات كبرى يتقدمها المجلس ورئاسة النيابة العامة، بشراكة مع وزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وكذا الوكالة القضائية للمملكة.
وفي كلمته الافتتاحية التي ألقاها بالنيابة عنه مصطفى الابزار، الأمين العام للمجلس، اعتبر الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن “موضوع التعمير يحظى باهتمام خاص من لدن جلالة الملك محمد السادس، على اعتبار أن الإسكان والتعمير يقعان في مقدمة السياسات العمومية لبلادنا، ومحورا استراتيجيا للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، مشيرا إلى أنه “ركن أساس للمفهوم الجديد للسلطة القائم على القرب وتحفيز التنمية وسيادة القانون، ويشكل دعامة قوية لتوفير السكن اللائق الذي يعد من مقومات المواطنة الكاملة”.
ورغم أن التشريعات المتعلقة بالتعمير خضعت لمجموعة من التعديلات والتغييرات بهدف خلق الانسجام بينها وبين الواقع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب، فضلا عن مواكبة برامج التنمية البشرية، يضيف الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإن التعديلات والمستجدات القانونية أصبحت بدورها تطرح إشكالات عملية في تطبيقها، “ما يدعو باستمرار إلى تحيين المنظومة القانونية، ومواكبة الاجتهاد القضائي لتطور الطفرة العمرانية من أجل جعل القانون وتطبيقاته القضائية والإدارية قادرة على الحفاظ على المخطط العمراني الرسمي، بما يمثله ذلك المخطط من حماية للتراث العمراني، والأنماط السكنية وحماية البيئة وجمالية العمارة، إضافة إلى المحافظة على أمن البنايات والصحة العامة”.
ويندرج تنظيم فعاليات هذه الندوة العلمية في سياق تنزيل محاور المخطط الاستراتيجي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية (2021-2026)، لا سيما مساهمته في الارتقاء بفعالية منظومة العدالة عن طريق جودة التكوين المستمر وتخصصه، وتقوية التواصل وتحسين التعاون والشراكات مع السلطات والمؤسسات، في حين إن موضوعها يستهدف “تعميق النقاش بشأن الإشكاليات التي تعترض تطبيق قوانين التعمير، كما تمت معاينتها من خلال مواكبة السلطة القضائية لسير قضايا التعمير والنزاعات القضائية المتعلقة بها، سواء في شقها الزجري أو الإداري، وما تطرحه قوانينها من إشكالات عملية قد تحد من فعاليتها.
ولفت المتحدث إلى أن تنظيم هذه الندوة بشراكة مع وزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، يروم أيضا “الاطلاع على ممارسات الجهات الإدارية ذات الاختصاص، التي يتعامل أطرها وأعوانها باستمرار مع مواضيع البناء والتعمير، من خلال الاضطلاع بمهام التطبيق اليومي لهذه القوانين. بالإضافة إلى مساهمتها المباشرة في إعداد التشريعات المتعلقة بالتعمير والبناء وفي مجال إعداد وثائق التعمير”. بينما تتولى الوكالة القضائية للمملكة التي راكمت خبرة كبيرة من الممارسة القضائية، “تدبير النزاعات المتعلقة بالتعمير والبناء، خاصة في شقها الإداري”.
وتابع بأنه “قد يتعلق الأمر بتطبيق تلك القوانين، مما يجعل الإدارة من جهة كطرف في بعض المنازعات، والقضاء من جهة أخرى كمعني بالبت فيها، في صلب إشكاليات تطبيق القانون تطبيقا عادلا يصون لكافة الأطراف حقوقها، ويحافظ على المصلحة العامة التي توخاها التشريع”.
وجاء في كلمة لممثل رئاسة النيابة العامة أن “المجال العمراني محور استراتيجي لتنفيذ السياسة العمرانية في هذا المجال، في ظل سياق قانوني منظم للقطاع يتسم بتعدد الجهات المكلفة بالمراقبة”، مشيرا إلى أن الأحكام والعقوبات في مجال التعمير والبناء تتسم بـ”ضعف البعد الزجري” من خلال مقتضيات القانون 66-12 التي تسعى الأجهزة القضائية الوطنية المعنية إلى تنزيلها بشكل سليم، وهو ما يظل “رهينا بانخراط وتكاثف جهود الجميع”، مناديا بـ”الإسراع في توفير الموارد والإمكانيات البشرية والقانونية اللازمة لذلك”.
وتحدث المسؤول برئاسة النيابة العامة، الذي تلا كلمة رئيسها الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، عن آثار “البناء غير القانوني”، الذي قال إنه “أدى إلى إفراز بنية عمرانية مشوهة وآثار سلبية تصل تداعياتها إلى مجالات عديدة، تمس أساسا بالمجال البيئي واستدامة النظم الإيكولوجية”، مشددا على أن “السلامة الجسدية للمواطنين عبر بناء يستجيب للمعايير المعمول بها، تعد في صلب أولويات اشتغال أجهزة النيابات العامة بالمملكة”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “التصدي لمخالفات التعمير يقتضي التعاون وتضافر الجهود وتسخيرها لمحاربة هذه الظواهر الإجرامية”، التي قال إنها بلغت في عام 2018 ما مجموعه 235 ألف مخالفة قبل أن تنخفض تدريجيا إلى 33 ألفا ثم 22 ألفا، موضحا أن 52 بالمائة منها تتعلق بمخالفة “البناء بدون رخصة” خلال عام 2020.
وأكد ممثل النيابة العامة أن ملف البناء والتعمير يحظى بأولوية قصوى “ضمن أولويات السياسة الجنائية التي تسهر النيابات العامة على تنفيذها، من خلال دوريات ومناشير عديدة؛ أبرزها الدورية رقم 5 (الصادرة في يناير 2022) بشأن تسريع إحالة الملفات والبت في المخالفات”.
من جانبه، أعطى ممثل وزارة الداخلية، باعتبارها شريكا محوريا في هذا المجال، أرقاما عن عدد الأحكام القضائية التي صدرت بمحاكم المملكة في قضايا تخص التعمير والبناء، مبرزا أنها بلغت في أحدث الأرقام المتاحة 360 حكما قضائيا، 30 منها لصالح المُدّعين”، متحدثا عن “تدابير تنزيل المقتضيات القانونية، وإصدار مختلف القوانين التنظيمية، عبر إشراك الوكالة القضائية للمملكة ورئاسة النيابة العامة في الجهود المبذولة”، موردا أن هذه الأخيرة يعد “إصدار دليل لتوحيد منهجية العمل لمراقبي السلطة وموظفي التعمير” أبرز محطاتها.
يشار إلى أن انعقاد هذه الندوة الوطنية يأتي بمناسبة مرور ثلاثين سنة على صدور الظهير الشريف رقم 1.92.31 بتاريخ 17 يونيو 1992 بتنفيذ القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، بينما تتطرق جلساتها الثلاث إلى محاور “حصيلة النظام القانوني للتعمير والبناء”، و”مراقبة مخالفات التعمير والبناء بين المساطر الإدارية والقضائية”، و”العمل القضائي في منازعات التعمير”، بمشاركة وازنة للممارسين والأطر في ميدان التعمير، كما يتابع أطوارها مسؤولو وقضاة المملكة ومسؤولون منتسبون للجهات المنظمة.