أثار مشروع القانون رقم 18.18 بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية جدلا كبيرا في صفوف فعاليات المجتمع المدني التي تنشط في المجال الخيري.
ويرى محمد سالم القاسمي، عضو تنسيقية ائتلاف مبادرة المجتمع المدني، التي تأسست عقب صدور مشروع القانون، أن الأخير “نحى منحى تضييق حرية ممارسة الجمعيات لأنشطتها، وسينهي حياة الكثير من هذه الهيئات المدنية”.
وأوضح القاسمي، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن الجمعيات العاملة في مجال الإحسان العمومي “لا خوف لديها من الرقابة، سواء القبلية أو البعدية، لكن ما ترفضه هو الرقابة التي تتهم جمعيات العمل الخيري بدون دليل”.
وهذا نص الحوار :
ما سر انتفاضتكم كجمعيات ضد مشروع القانون 18.18؟.
بداية، نوجه الشكر لجريدتكم المحترمة على مواكبتها للنقاش الدائر حول هذا المشروع منذ بدايته. أما بخصوص سؤالكم فنؤكد أننا كائتلاف مبادرة المجتمع المدني، وهو تشبيك جمعوي وطني، فإن الخطوات التي قمنا بها منذ صدور مشروع القانون المذكور تأتي بالنظر إلى غياب اعتماد المقاربة التشاركية في إعداده، ولأنه نحى منحى تضييق حرية ممارسة الجمعيات لأنشطتها، إذ اعتمد مبدأ الترخيص وليس التصريح، بل حتى التصريح بمناسبة توزيع المساعدات تم ربطه بحق الإدارة في الاعتراض، وبدون شكليات أو آجال.
هذا يعني أن المشروع، وفق ما يفهم من كلامكم، يضيق الخناق على العمل الجمعوي الخيري؟.
هذا المشروع لن يضيق الخناق فقط، بل سينهي حياة الكثير من الجمعيات، بسبب تعقيد المساطر والإجراءات وصعوبة حصولها على الموارد لتغطية مصاريفها؛ كما تم حرمانها ومنعها من استعمال جزء من الموارد المتأتية من تبرعات العموم لتغطية هذه المصاريف، في مقابل إلزامها بوضع تقارير متعددة لدى الإدارة، وهو ما يتطلب موارد بشرية متفرغة لذلك، فمن أين ستوفر الجمعيات هذه المصاريف؟.
وأضيف أن العقوبات ثقيلة ومبالغ فيها، ولا تناسب بينها وبين المخالفات، ومن أبرزها تلك التي تهم وسائل الإعلام ووسائل التواصل التي هي جزء هام في التواصل مع المتبرعين.
لماذا تتخوف الجمعيات من الرقابة القبلية على المساعدات الخيرية التي تتلقاها، خصوصا أنها قد تسهم في منع استغلال المستفيدين من طرف بعض أفراد الجمعيات؟.
لا خوف لدينا من الرقابة، سواء القبلية أو البعدية، لكن ما نرفضه هو الرقابة التي تتهم جمعيات العمل الخيري بدون دليل.
نحن اقترحنا إعمال قواعد وآليات الرقابة التي ستمكننا من تطوير القطاع الجمعوي بالمغرب، وهي التي تؤسس لرقابة التحديث والتجويد. ونعتقد أن المجالس الجهوية للحسابات هي الأنسب لهذا الخيار.
فعلى سبيل المثال، الأحزاب السياسية تتلقى تمويلا مباشرا من وزارة الداخلية، لكن الرقابة الواقعة عليها هي رقابة المجلس الأعلى للحسابات، بينما أموال الجمعيات هي أموال خاصة، وعليه اقترحنا أن تطور رقابة المجالس الجهوية للحسابات الواقعة على الجمعيات، خصوصا أن هذا مجال عمل القضاة اليومي الذي راكموا فيه تجارب هامة.
ولا أظن أن جهة إدارية أخرى لها الكفاءة والقدرة على فحص ودراسة ملفات الجمعيات، كما هو الشأن بالنسبة لهذه المؤسسات. كما نعتقد أن العمل الجمعوي فعل مستقل، وبالتالي يتطلب إنشاء مؤسسة مستقلة تكون المخاطب المباشر له.
بخصوص استفادة الجمعيات من جزء من التبرعات، يرى البعض أن المشروع يروم تقنين استغلال بعض الهيئات لهذه التبرعات بدلا من المستفيدين، ما تعليقكم على ذلك؟.
تلك واحدة من الأوهام المروجة لها، ومن وقائع دالة، فالعمل الجمعوي الخيري ليس مجرد مساعدات تؤخذ من هنا وتسلم هناك، بل هو جهد يبذل تجاه المتبرعين، تواصلا وتحفيزا وإطلاعا على تقاريرنا وغيره.
فالجمعيات تقوم بدراسة حالات المستفيدين ميدانيا من خلال زيارتهم وإعداد تقارير حول وضعياتهم وتتبع وضعيتهم الاجتماعية، وفي حالة بعض الفئات، كالأيتام والأشخاص في وضعية إعاقة وكبار السن، تقدم خدمات متعددة لهم، من قبيل الدعم النفسي والمواكبة التربوية للمتمدرسين وأنشطة ترفيهية ورعاية وخدمة اجتماعية… وبطبيعة الحال، يحتاج كل ذلك إلى موارد بشرية متعددة، ومنها ما يتطلب أن تكون لها خبرة وتخصص وتجهيزات وبنيات ولوجستيك وغيره؛ فنحن إذا أمام ميزانيات مهمة، وهو ما جعل الخدمة الاجتماعية ذات جودة وفي حالة من التطور والتقدم.
في تقديركم، من أين للجمعيات أن توفر هذه الموارد إن لم تكن بدعم من المتبرعين الذين هم على علم بمآلات تبرعاتهم؟.
ألا ترون أنه حان وقت تنظيم العمل الجمعوي الخيري، في ظل استغلال بعض أعضاء الجمعيات الإحسان للاغتناء؟.
الذين يثيرون هذا الأمر إنما يتحدثون عن بعض المؤشرات المتفرقة أو بعض الاحتمالات غير الدقيقة، وهي أقل شأنا من مجالات وقطاعات أخرى، في مقدمتها الاغتناء عبر العمل النقابي والسياسي والجماعات الترابية والوظيفة العمومية؛ وأظن أن المشرع عالجها بوسائل وطرق ليست على غرار ما جاء به مشروع قانون 18.18.
وكما سبق أن أشرت، نحن نقترح رقابة المجالس الجهوية للحسابات، بما فيها الرقابة على ممتلكات مسؤولي الجمعيات الخيرية.
كما أننا نعتقد أن توسيع مجال تجريم الإثراء غير المشروع ليشمل أطر ومستخدمي الجمعيات قد يكون جزءا من الحل، لأن هذا النص باختصار ليس جوابا عن الاغتناء عبر العمل الخيري.
ما هي أبرز ملاحظاتكم على مشروع القانون المذكور؟.
بالنسبة لنا داخل الائتلاف فقد رصدنا مجموعة من الملاحظات، بدءا من غياب المقاربة التشاركية، حيث لم يتم إشراك الفاعلين في المجال خلال مرحلة الإعداد.
ونسجل داخل التنسيق أن المشروع عرف منحى متشددا ومبالغا فيه في وجه الجمعيات لالتماس التبرعات العمومية وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية بصفة عامة، وهو ما من شأنه أن يفضي لا محالة إلى انسحاب بعض الفاعلين من هذا العمل النبيل.
فالمشروع المذكور يفرض إخضاع كل عمليات توزيع المساعدات لأغراض خيرية للرقابة القبلية دون ربطها بتلك المتأتية من حملات دعوة العموم للتبرع، كما أنه تجاهل كل الضمانات القانونية للتفعيل السليم لهذا النص. وأهم تلك التدابير منع تقديم المساعدات للأشخاص المدينين، وتقديم تصريح دون إلزام الإدارة بتسليم وصل في الحال، وترتيب الجزاء على الموظف الذي يرفض تمكين الجمعية منه.
كما أن مشروع القانون لم يميز بين التوزيع الجماعي والتوزيع الفردي، والتوزيع بالفضاءات العمومية والفضاءات الخاصة بالجمعية.
والملاحظ في هذا المشروع أيضا حرمان الجمعية من إمكانية تخصيص جزء مما جمعته من حملات دعوة العموم للتبرع لتدبير شؤونها؛ كما لا يمنحها إلا هامشا ضيقا يتعلق بإمكانية تخصيص جزء من التبرعات في حدوده الدنيا لتغطية تكاليف عمليات دعوة العموم إلى التبرع؛ كما ألزمها بتحويل الأموال المتبقية بعد تحقيق الأغراض التي من أجلها جمعت التبرعات إلى مؤسسة خيرية أو جمعية لها الأغراض نفسها، تحددها الإدارة.
هل تعتقدون أن الحكومة ومعها البرلمان سيأخذان مقترحاتكم بعين الاعتبار؟.
لقاءات ائتلاف مبادرة المجتمع المدني مع الفرق النيابية التي اجتمعنا بها، وفي مقدمتها فريق حزب الأصالة والمعاصرة، وفريق التقدم والاشتراكية، والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أو باقي الفرق التي تواصلنا مع بعضها، أكدت لنا استعدادها للدفاع عما هو معقول من اقتراحاتنا؛ وبعد إطلاعها عليها وافقتنا في كثير منها، بل وجدنا أن لها ملاحظات جوهرية على المشروع، ما يبعث في نفوسنا أملا في إدراج العديد من الملاحظات، تجويدا وتحسينا له.
طيب، وفي حالة عدم التفاعل معها، ما هي الخطوات التي ستقومون بها لاحقا؟.
في ائتلاف مبادرة المجتمع المدني لم نطرح بعد سؤال ماذا بعد؟ حيث قررنا أنه لكل حادث حديث، وسننتظر النص في صيغته النهائية.
لكن وفق المقترحات الأولية فإننا أمام استعداد الكثير من رواد العمل الجمعوي الخيري إما للانسحاب كلية من هذا المجال، أو التحول إلى مجرد جمعيات تترافع لصالح الفئات التي كانت تستفيد من خدماتها. وكيفما كان القرار فتلك خسارة كبرى لمجتمعنا.
كما أن نقاش المستقبل مفتوح على كل الاقتراحات، بما في ذلك إعداد عريضة شعبية أو تقديم ملتمس للنص الجديد بمجرد صدوره في الجريدة الرسمية أو طلب التحكيم الملكي؛ بينما يتجه البعض نحو التحضير للطعن في لا دستورية هذا النص، بما في ذلك مخالفته لالتزامات المغرب الدولية.