شكّلت المشاهد التي وجد فيها المصور الفوتوغرافي البرازيلي باولو فابري تشابهاً ملحوظا بين مدينة طنجة المغربية وريو ديجانيرو البرازيلية، بعين “الفوتوغراف” –على الأقل- (شكّلت) حافزا له لإصدار كتاب يحمل عنوان “ريو-طنجة”، يتحدّث ويظهر فيه أوجه هذا التشابه؛ ولعلّ أبرز مظاهره هو شكل انعكاس ضوء الغروب بالمدينتين الساحليتين، وفق ما أكده في حديث مع هسبريس.
يقول فابري إنه اختار مدينة طنجة بالصدفة عام 2018 وهو يخطط رفقة زوجته لرحلة قصيرة الأمد (أقل من 10 أيام)، لكن في الوقت نفسه إلى بلد بعيد عن البرازيل مسافة وثقافة، وهنا برز، وفقه، المغرب ومدينة طنجة على الخصوص كأفضل خيار، قائلا: “بلد شمال إفريقي، ثقافته مختلفة تماماً عن تلك التي لدينا في البرازيل، بدت صوفية وأصيلة”.
من خلال حديث المصوّر البرازيلي إلى الجريدة بدا وضاحاً تأثره بالكاتب والروائي الأمريكي بول بولز الذي عاش في مدينة طنجة 58 عاما، إذ انتقل إليها عام 1947 وهو مترجم ارتبط اسمه بالروائي المغربي الرّاحل محمد شكري، حيث ترجم مجموعة من أعماله، أشهرها رواية “الخبز الحافي”. يقول بول فابري إن لبولز رواية تُدعى “السماء الواقية”، وردت فيها حكاية تشرح الفرق بين مفهوم سفر المسافر والسائح، مبرزاً أنه لا يحب عادة السفر كسائح يفتش عن المتاحف والآثار، ولكن كمصوّر يبحث عن أفضل أماكن يعلق ضوء الغروب على جدرانها ومبانيها وشوارعها.
واهتمام باولو فابري بألوان مدينة طنجة وانعكاس ضوء الغروب على شوارعها لم يولد من فراغ، فقد استلهم المصوّر البرازيلي هذه المشاهد من لوحات الرّسام الفرنسي الشهير هنري ماتيس، الذي زار المدينة المغربية مرّتين (بين 1912 و1913)، ورسم فيها عدّة لوحات تظهر جمال ألوان المدينة، من بينها “نافذة في طنجة” و”باب القصبة”، وكتب أن وجوده في طنجة غير تمامًا شعوره تجاه الضوء واللون.
“ريو-طنجة”
من خلال هذه المراجع، يقول فابري، “اقتنعت كمصور بأن طنجة هي المكان المثالي لأكون فيه وأبحث بعمق للعثور على جوهره وترجمته إلى صور”. هذه الصور التي سيقوده الاطلاع عليها بعد عودته إلى مكان إقامته بساو باولو إلى ملاحظة تشابه وصفه بـ”الكبير” بين مدينة طنجة المغربية وريو دي جانيرو البرازيلية.
وأضاف المصور البرازيلي: “بمجرد عودتي إلى هنا في الأستوديو الخاص بي في ساو باولو بدأت العمل على الصور، وأيقنت بأن العديد من الصور كانت متشابهة في الرسم والتكوين ومكونات المشهد مع تلك التي صنعت في وسط مدينة ريو في وقت سابق؛ جمعت بعضها معًا لتحريرها كصورتين في صورة واحدة وأدركت حينها أنني حصلت على شيء ما، هكذا ولد مفهوم ريو طنجة”.
وبشأن حجم التشابه بين المدينتين، قال فابري: “يمكن للصور أن تتحدّث أفضل منّي بالطبع، لكن ما يمكنني قوله هو أن ريو وطنجة أقرب مما تعتقد، رغم كل التباين من حيث الثقافة والمناخ والديموغرافيا الواضح، هناك طبقات من هاتين المدينتين متساوية في الجو نفسه، كلاهما مدينتان ساحليتان ونُقطتا عبور وتقعان في بقعتين مميزتين، كلاهما تتميزان بالتاريخ الطويل والارتباط بالماضي، رغم أن ماضي طنجة أطول من تاريخ ريو دي جانيرو”.
ويرى المصور البرازيلي أنه في هاتين المدينتين يمكنك أن ترى وتشعر بمزيج من كل شيء: اللغات، والثقافات، والأشخاص، والقصص، والبضائع. كما أن الغموض والغزارة اللذان رسمهما أوجين ديلاكروا في لوحته ‘متعصبو طنجة’ هو نفسه الذي استخدمه المصور المحلي إيفاندرو تيكسيرا في طباعة صوره لريو دي جانيرو”، معبّراً عن طموحه ليكون كتاب “ريو-طنجة” حلقة وصل بين كل تلك الأماكن التي التقط بها صوره في المدينتين، وصيغة لتقارب البرازيل والمغرب من خلال هذه الصور، قائلا في هذا السياق: “آمل أن يسهم الكتاب في خلق نوع من التكامل بين البلدين. نحن أكثر ارتباطا كبشر بغض النظر عن جميع الاختلافات”.
وعبر صفحات الكتاب الذي يصدر عن دار نشر مغربية يمكن للقارئ أن يحضر يوماً في حياة إحدى المدينتين..”الصور ليست مقترنة بالموقع لكنها مترابطة بالألوان والضوء”، يورد الكاتب.
ويُخطط باولو فابري لزيارة طنجة مرّة أخرى في المستقبل، قائلا: “هناك شيء ما يجذبني في شمال إفريقيا. أرغب في أن أكون هناك مرة أخرى وأتحدّث إلى السكان المحلّيين حول فكرة الكتاب، كما أعتزم نشر طبعة جديدة في البرازيل وعرضها، ما سيسمح لي بالتواصل بشكل أكبر مع المجتمع المغربي والعربي، ويتيح فرصًا جديدة ومشاريع مستقبلية”.