تجربة أولى لمعرض الكتاب في نسخته الـ 27 بالرباط، اختتمت يوم الأحد 12 يونيو الجاري، سجلت أزيد من مائتي ألف زائر، وهو رقم لا يتجاوز نصف ما حققته آخر دورة نظمت في المدينة المعهودة للمعرض، الدار البيضاء.
رغم هذا الرقم، سجل ناشرون، استقت هسبريس آراءهم، تضاعف رقم مبيعاتهم بضعفين وثلاثة أضعاف مقارنة بالدورات السابقة.
واختارت هذه الدورة “الآداب الإفريقية” ضيف شرف، مما شكل فرصة لنقاش إشكال التوزيع بالقارة، الذي يحد من التعرف على كتاباتها في مختلف أنحائها، مقارنة بالكتابات المنشورة بأوروبا على وجه الخصوص، وأمريكا الشمالية.
بين الدار البيضاء والرباط
“المعرض الدولي للنشر والكتاب للدار البيضاء بالرباط”، من بين القفشات التي انتشرت بعد قرار وزارة الثقافة نقل المعرض، مؤقتا، إلى العاصمة، دون الحسم فيما إذا كان هذا “الترحيل” نهائيا.
وربط الوزير محمد المهدي بنسعيد نقل معرض الكتاب إلى الرباط بغياب دعم مجالس المدينة والجهة لدوراته السابقة، وعدم ملاءمة فضاء العرض القريب من مسجد الحسن الثاني بالعاصمة الاقتصادية.
إشكال فضاء العرض لم يكن جديدا، بل تكرر النقاش حوله في الدورات الأخيرة للمعرض؛ ففي سنة 2019، قال حسن الوزاني، المندوب السابق لمعرض الكتاب، إن الوزارة تبحث عن فضاء جديد لتنظيم هذا الموعد السنوي.
ولم يحسم الوزير المهدي بنسعيد بعد في ما إذا كان المعرض سيعود إلى البيضاء، حيث ربط الأمر بتقييم التجربة الحالية والعروض المقترحة.
محمد بلمو، شاعر وفاعل ثقافي، دافع عن فكرة عودة معرض الكتاب إلى البيضاء، مع تنظيم معرض للكتاب بالعاصمة الرباط.
وقال في تصريح لهسبريس: “المغرب في إمكانه الآن وفي المستقبل أن يكون له معرضان دوليان للكتاب عوض واحد. أولا لتلافي هذا التنازع، وثانيا لإتاحة الفرصة للناشرين والكُتّاب والجمهور مرّتين”.
وأضاف: “مصر تنظم معرضَي القاهرة والإسكندرية، والإمارات تنظم معرضَي الشارقة وأبوظبي؛ بالتالي يمكننا حل هذا الإشكال”.
وواصل بأنه “من حق الدار البيضاء أن تحتفظ بالمعرض، لكن حسب تجربتي، فضاء التنظيم غير مناسب، وتوجد ساحات في عين الذياب وغيرها يمكن أن ينظم بها معرض مؤقت، على أساس أن تتحمل المسؤولية السلطات المحلية بالمدينة، ومجلسها، ومجلس جهتها، ليستمر المعرض في شهر فبراير، ومع نجاح الرباط في هذا الامتحان يمكن أن يستمر معرض الكتاب بها في هذا الوقت”.
ثم أجمل قائلا: “ستكون هذه إضافة نوعية تساهم في علاج إشكال القراءة”.
وحول وجود معارض جهوية للكتاب بالمغرب، يمكن الاستعاضة بها عن “معرض دولي” آخر، ذكر الفاعل الثقافي أن “للمعارض الجهوية دورها، لكن إمكانياتها غير كبيرة، ويحضر فيها الناشر المحلي وبعض دور النشر الوطنية، في غياب إمكانية استضافة الناشر العربي والأجنبي”، وهو ما يقصر دورها على “فتح الفرصة للطاقات الإبداعية بالجهة لتعبر عن حضورها، وتعليم الطفل والشاب، في إطار القرب، دخول المعرض وتصفح الكتب وشراءَها والإنصات للنقاش”.
من جهتها، ترى نادية السالمي، ناشرة، أن “الرباط مناسبة أكثر لتنظيم المعرض، لأن معرض الدار البيضاء صار سوقا للكتاب، في حين كانت الدورة الحالية منظمة مثل المعارض الأجنبية التي نحضر فيها، تنظيميا وفضاء وأمنا”.
وقالت المتحدثة لهسبريس: “إن التنظيم الجيد يرجع القارئ، وهو قارئ نوعي، ليس من حيث المستوى الاجتماعي، بل من حيث اهتمامه؛ فلأول مرة رأيت بالمعرض آباءً يشترون 4 أو 5 كتب في رواق واحد، وهي أمور لم أرها إلا في معرض الكتاب بجنيف”.
ثم استرسلت قائلة: “إذا استمرت الأمور في هذا المستوى، سيعود الناشرون الأجانب مثل غاليمار وألبان ميشيل، الذين كانوا يحضرون في يوم من الأيام لكنهم اليوم ممثلون فقط بكتبهم. نحتاج لاقتناع هؤلاء الناشرين، خاصة من أوروبا، بوجود قارئ ومعرض يليق بثقافتنا (…) وهو ما سينتقل بالمعرض من كونه معرضا للعالم العربي إلى معرض دولي”.
ونظرا لتزامن وقت التنظيم مع مواعيد فنية أخرى بالعاصمة، ينبغي، حسب المتحدثة، السير في اتجاه تشييد “مكان خاص بالعرض بالرباط”، مع ما يرتبط به من اعتبار سؤال القرب لمركز المدينة، وتوفير مرآب للسيارات.
“قارتنا الإفريقية”
حلّت “الآداب الإفريقية” ضيف شرف على المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط في دورته الـ 27، مما غذّى نقاشاتِ المستقبل الإفريقي، وتقييم واقع التعاون الضعيف بين دول القارة، الذي من بين أوجهه تعثر توزيع الكتاب، ما يسهم في عدم معرفة إفريقيا لنفسها.
عدم معرفة دول إفريقيا لبعضها البعض، خاصة خارج مناطقها، شمالا وجنوبا وغربا وشرقا ووسطا، من بين أوجهه عدم اعتبار مغاربيّينَ أنفسهم أفارقة.
لم يغب هذا الموضوع عن تصريح سيلفي نتسام، رئيسة اتحاد ناشري إفريقيا الوسطى، التي قالت إنها دائما تبتسم عندما تسمع مغاربةً أو شمال إفريقيين يتحدثون عن إفريقيا، وكأنهم ليسوا جزءا منها. ثم أضافت في تصريح لهسبريس: “اختيار المغرب إفريقيا ضيف شرف، دعوة إلى الانخراط في دينامية الناشرين المغاربة، ودعوة ملكية للحكومات الإفريقية إلى إعادة الاعتبار للكتاب؛ فاهتمام المغرب بالكتاب يظهر بنشاط مثل هذا وبكل هذا الاستثمار البشري والمالي”.
أوجين إيبودي، كاتب من الكاميرون، تحدث بدوره عن عدم المعرفة هذه، ونبه إلى جانب آخر منها في مناطق أخرى من القارة تعكس وجود “مسافة” بين الأفارقة، من بين أسبابها “عائقٌ تعليميّ”.
من بين أوجه “المسافة”، شبه غياب كتب الشمال الإفريقي بباقي مناطق القارة، الذي يقابله شبه غياب كتب كثير من المناطق الإفريقية عن شمال القارة.
وفي تصريح لهسبريس، سبق أن ذكرت لطيفة مفتقر، مندوبة معرض الكتاب، أن الهدف من استضافة ناشرين من مناطق أخرى من القارة الإفريقية، ليس هو فقط “عرض رصيدهم الوثائقي، بل أيضا إتاحة فرصة نسج علاقات مع ناشرين في دول أجنبية وتصدير الإنتاجات الإفريقية”، و”تنظيم لقاءات بين مختلف دور النشر الإفريقية، علما أنه توجد منها دورٌ لا تعرف بعضها البعض”.
إيريك جويل بيكالي، كاتب ودبلوماسي غابوني، تحدث عن “إشكال توزيع الكتاب داخل إفريقيا”، قائلا إنه “لا توجد شبكات فعلية لتشجيع وتوزيع الكتاب عبر إفريقيا”، مع العلم أنه قد انطلقت مبادرة مغربية لدار نشر “ملتقى الطرق” تعمل من أجل نقل الكتب برا.
“الحل الأكبر” يتمثل، وفق المصرح، في “دعم حكومات بلداننا الكتب حتى تصير أرخص ثمنا، وتقلل كل الضرائب على تنقلها، ووضع شبكات فعلية لتوزيع الكتب”.
سيكو فوفانا، ناشر من مالي، تحدث لهسبريس عن الحضور الخاص للأدب الإفريقي الناطق بالفرنسية بمعرض الكتاب في الرباط، وأهمية هذا النشاط بعد “قلق كورونا”، وما يمثله من “تعريف بأدب جنوب الصحراء الإفريقية داخل الدول المغاربية”.
أما جيرار بريشو، ناشر من البنين، فتحدث عن “تطور الأدب الإفريقي” الذي ترافقه “حاجة إلى الكتابة والقراءة” مما يتطلب “تقوية جودة النشر الإفريقي” الذي يتاح في مثل هذه اللقاءات “التي نعيد فيها اللقاء مع بعضنا البعض، ونناقش النشر المشترك، والقرصنة، والتوزيع”.
ثم أضاف: “التوزيع ليس سهلا، وينبغي أن نفكر في كيف نوزع مؤلفاتنا داخل القارة الإفريقية، ونتحدث عن هذا لنجد حلا فعالا”.
الناشرة المغربية نادية السالمي تحدثت عن تطور الطلب على الكتاب في مقابل “ضعف نسبي للعرض”، موردة أن “إشكال التوزيع داخل القارة الإفريقية قديم، ولا أعرف هل سيحل في يوم من الأيام، مع الأجيال المقبلة، لكنه لن يحل الآن”.
وتابعت: “هذا مشكل سياسي أكثر منه ثقافي، يتطلب مسؤولين لهم فعلا وزن وإرادة لتحريك الجبال؛ فهذا مشكل يعمّق إشكال عدم القراءة”.
ثم سجلت أنه “لا ينبغي أن تكون حدود في الثقافة، وينبغي أن تصل كتبُنا وتصِلَنا كتب أخرى”، قبل أن تستحضر مثال الجوار المغربي الجزائري؛ “فحتى قبل المشاكل الأخيرة، حتى تصل كتبنا إلى الجزائر يجب أن تمر من باريس، والعكس كذلك، بينما عندما نقف في الحدود بوجدة نجد أنفسنا قرب بعضنا، دون إمكانية مدّ كتابٍ”.