“بعد تهديده لي بنشر صوري، فكرت في الانتحار. ولحسن الحظ، وجدت باب سطح المنزل مغلقا، فتوجهت إلى الشرطة لوضع شكايتي”، “خطيبي هددني بكشف حقيقة إجهاضي أمام عائلتي في حال عدم الامتثال لطلباته”، “زوجي اتهمني بالخيانة بعدما فبرك محادثات على مواقع التواصل الاجتماعي”؛ بهذه العبارات فسرت نساء شابات ما تعرضن له من عنف رقمي وصلت حدته إلى مضاعفات نفسية خطيرة، وذلك خلال ندوة بعنوان “العنف الرقمي ضد النساء”، نظمتها اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، الأربعاء بالرباط، بشراكة مع مجلس أوروبا وتنسيق مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
القصص التي عرضت خلال الندوة بصوت الضحايا، روتها شابات أمام مسؤولين بالمركز الإفريقي للحماية المعلوماتية، وهن نساء لم يتجاوزن بعد سن الثلاثين، من بينهن سيدة تعرضت للعنف من طرف زوجها وعائلتها، وبعد أن لجأت إلى مركز الأمن وتقدمت بشكاية في الموضوع، صارت عرضة لتهديد زوجها باتهامها بالخيانة، حيث كان يتحدث باسمها على حساباتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهمها بناء على معطيات مفبركة أثبتت الخبرة التي أجرتها المحكمة عدم صحتها.
الخوف من الفضيحة
يوسف مازوز، الكاتب العام للمركز الإفريقي للحماية المعلوماتية، أكد أن حالات عديدة من ضحايا العنف الإلكتروني تتوافد على المركز، مجملهن يصعب إقناعهن بسلك مسار المتابعة القانونية لأنهن يضعن أمامهن الخوف من التشهير، والفضيحة أمام المجتمع ومحيطهن العائلي، مضيفا أن المعتدين يستغلون هذه الفرصة ويبالغون في أفعالهم، خاصة أن الفضاء الرقمي غير متحكم فيه، ومن الصعب ضبط هوية المعتدي، وأغلبهم يتصيدون الضحايا خلال استعمال التطبيقات والألعاب.
وتابع المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، بأن هناك معتدين من نوع آخر تكون لهم علاقة بالضحية ويستغلون قربهم منها ويلتقطون لها صورا أو فيديوهات بعدما تكون قد وضعت ثقتها فيهم، وبعد ذلك يعرضونها للابتزاز.
وسجل مازوز بأسف ما كشفت عنه المندوبية السامية للتخطيط من أن ما يقرب من 1.5 مليون امرأة في المغرب، بمعدل انتشار يصل إلى 14 بالمئة، يقعن ضحايا للعنف الرقمي من خلال البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية القصيرة، كما تتنازل غالبيتهن عن حقهن في الإبلاغ عن هذا النوع من الاعتداء.
ودعا الكاتب العام للمركز الإفريقي للحماية المعلوماتية النساء إلى تفادي التقاط صور وأشرطة فيديو في وضعيات قد تكون محط متاعب لهن في حال خرجت إلى العلن، منبها إلى وجود وسائل اختراق عديدة يقع ضحيتها من لا إلمام له بالأمن السيبراني.
استراتيجية الوزارة
أكدت وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة أنها أطلقت مجموعة من المبادرات لحماية النساء المعنفات، حيث أكدت عواطف حيار، في كلمة ألقتها بالنيابة عنها يبوري سكينة، أن الوزارة تشتغل بمقاربة مندمجة، سواء فيما يخص تفعيل القانون 103.13 المتعلق بالعنف ضد النساء، الذي تعد الوزارة دراسة حوله لتقييم ثلاث سنوات من دخوله حيز التنفيذ ستعرض نتائجها قريبا، أو فيما يتعلق بالبرامج التي تقوم بتنزيلها.
وأوضحت حيار أن الوزارة، أحد الموقعين على إعلان مراكش للقضاء على العنف ضد النساء، التزمت بتوفير 65 فضاء لاستقبال النساء المعنفات، سيتم تحسين الخدمات المقدمة بها من خلال تزويدها بسيارات لنقل المعنفات، فيما تم توقيع 44 اتفاقية شراكة مع الجمعيات من أجل تسيير هذه الفضاءات.
من جهة أخرى، يهدف برنامج “جسر”، الذي يضم مجموعة من الخدمات لفائدة النساء المعنفات، إلى إخراجهن من حلقة العنف عبر وضع الحاضنات الاجتماعية، والاستقبال والاستماع والإيواء كحلقة مهمة في سلسلة التكفل بالنساء ضحايا العنف.
وتسعى الوزارة إلى مواكبة هذه الفئة من أجل إخراجها من حلقة العنف عبر التكوين والإدماج الاجتماعي والاقتصادي. ومن أهداف الوزارة، بلوغ 82 فضاء متعدد الاختصاصات لإيواء النساء المعنفات، بمعدل مركز في كل إقليم.
وأعلن المغرب في إطار التزاماته الدولية عن إطلاق خطة عمل لتنفيذ القرار الأممي للسلم والأمن 13.25، وهي الخطوة التي اعتبرتها المسؤولة الوزارية مهمة باعتبار أن المغرب من أوائل الدول التي اتخذتها.
السلطات
وبحسب ما كشف عنه بحث ميداني قامت به منظمة امرأة، بشراكة مع عدد من الجمعيات، فإن 58 بالمئة من المشاركات عبر الإنترنت و74 بالمئة ممن تمت مقابلتهن أبلغن عن تعرضهن للعنف الجنسي لإحدى الجهات العمومية على الأقل. وتعد مصالح الصحة العمومية القطاع الأكثر لجوء إليه من طرف النساء في وقت ما بعد التعرض للاعتداء، وهي غالبا الوجهة الأولى التي تلجأ إليها النساء.
وتتجلى الأسباب التي تجعل النساء لا يبلغن عن العنف الجنسي إلى السلطات العمومية، أو يسحبن شكواهن في مرحلة ماء، بحسب التقرير ذاته، في تلقيهن التهديدات، إلقاء اللوم عليهن، تعريضهن للمتابعة والمحاكمة بإقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وأيضا كون الاغتصاب الزوجي غير مجرم، وإحساسهن بالتشاؤم واليقين بأن التبليغ لن يؤدي إلى أي نتيجة، كما أن الإجراءات الواجب اتخاذها غير واضحة ومعقدة، إضافة إلى أنهن مطالبات بإثباتات تعجيزية، ويتلقين معاملة سيئة ومهينة من قبل بعض المسؤولين، ويواجهن صعوبات مالية وعدم القدرة على التكاليف ذات الصلة، كما أن العديد من النساء أكدن انعدام ثقتهن في المنظومة ككل.
وتميل إجابة الجهات الفاعلة العمومية على العنف الجنسي إلى الاقتصار على تحديد ما إذا كانت هناك علاقة سابقة بين الجاني والضحية أم لا، بدلاً من التحقيق الفعال والتركيز على الظروف القسرية للواقعة بعينها.
ولم يكشف البحث الإجرائي عن أي حالة استفادت فيها النساء من تدابير الحماية المتاحة في المنظومة الجنائية الحالية، كما أن عددا لا بأس به من النساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي لا يتعاملن مع نظام العدالة الجنائية، ولا يرفعن قضايا إلا لدى محكمة الأسرة للحصول على الطلاق وثبوت النسب والنفقة، وغيرها من المطالب المدنية.