تعيش المواسم الصوفية في مناطق عديدة من المغرب، خلال هذه الآونة، انتعاشة ملحوظة نظير الإقبال الكبير الذي تشهده هذه الفضاءات من أجل استعادة توازنات روحية وكذلك الاستجمام بالفضاءات الكثيرة التي تتوفر عليها جنبات المزارات خلال فترة الموسم.
ولا يقتصر الأمر فقط على تنظيم مواسم زيارات؛ بل يتعداه لأنشطة اقتصادية عديدة تتراوح بين التجارة والترفيه، وهو حال موسم عبد الله أمغار الأسبوع الماضي الذي شهد حضور أعداد غفيرة أنعشت المنطقة على امتداد أيام.
الأمر نفسه شهدته شفشاون في زيارة نظمتها الزاوية الريسونية إلى ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش، الذي حجت إليه المئات من الناس منعشين الحركة التي توقفت لسنتين متواليتين بسبب سياقات تفشي الجائحة ومنع التجمعات الصوفية.
ومن المرتقب أن ينعقد كذلك موسم سيدي أحمد وموسى بمنطقة تازروالت؛ وهو أكبر التجمعات الصوفية بجهة سوس ماسة ويستقطب الآلاف من المرتادين بفضل انفتاحه على الموسيقى والسهرات الليلة، فضلا عن أسواق التبضع وفضاءات لعب الأطفال.
والسياحة الصوفية مرتبطة بالمواسم التي يتم تنظيمها حول المزارات والفضاءات المقدسة، أو التي تتخذ أشكال الطواف مثل إيرگراگن أو طواف إداولتيت، أو الملتقيات الصوفية التي تنظمها الزوايا والطرق مثل ما نشاهده في مداغ لدى البوتشيشيين أو في دو أگادير بآيت وافقا إقليم تيزنيت لدى الدرقاويين وتيمگليشت حيث يتجمع الناصريون.
عبد الله بوشطارت، الأستاذ الباحث في التاريخ، قال إن كل هذه المواسم تساعد على خلق سياحة صوفية مهمة، ولها فضائل كثيرة ومتعددة، ثقافيا ودينيا في الحفاظ على الخصوصيات المغربية في التدين والثقافة والتصوف، وهذا مهم جدا يجعل المغرب يراكم أنموذجا خاصا في التدين البسيط والمعتدل الذي يتأسس على الزهد والصلاح.
وأضاف بوشطارت، في تصريح لهسبريس، أنه اقتصاديا واجتماعيا تخلق هذه السياحة رواجا اقتصاديا كبيرا ودينامية اجتماعية تتحرك بفضلها قطاعات اقتصادية وخدماتية مهمة؛ كالتجارة والنقل والمطعمة والصناعة التقليدية ومختلف المهن والحرف وغيرها.
والمثال هنا، وفق بوشطارت، من موسم مولاي عبد الله أمغار الذي تم تنظيمه الأسبوع الماضي في نواحي الجديدة بدكالة، شاركت فيه حوالي 110 سربات من الخيل لممارسة التبوريدة، وهذا يعني مشاركة حوالي 2000 فارس في هذا الموسم؛ وهذا معناه أن المشاركين ملزمون بإعداد 2000 سرج وأكثر ومستلزمات أخرى تصنع كلها من الجلد.
واستنتج المتحدث أن المواسم تحرك قطاع الصناعة التقليدية الذي يعاني من الجمود طيلة سنوات الحجر الصحي، وقس على ذلك الدينامية التجارية والاقتصادية التي يخلقها هذا الموسم في دكالة حيث يزوره يوميا ما يناهز 350 ألف زائر. وحسب ما أعطته الجماعة من أرقام فقد تم نصب حوالي 23 ألف خيمة بالموسم؛ منها حوالي 300 خاصة بالجزارة، يعني 300 جزار يشتغلون ليل نهار لتوفير اللحوم للزوار وللمقاهي طيلة 10 أيام.
ونلامس الأمر ذاته في موسم سيدي حماد أوموسى الذي يعقد هو الآخر في شهر غشت بتازروالت، قال بوشطارت معتبرا أنه من بين أكبر المواسم التجارية في الجنوب، وزاد: “هذه المواسم تتم زيارتها نظرا للطقوس الصوفية التي ترتبط بها، والمبنية على البركة والزيارة بمفهومها الأنثروبولوجي”.
وأردف الباحث في تاريخ الجنوب المغربي أن الناس يزورون هذه المواسم من أجل التبرك بشيوخها وصلحائها، والزيارة تقتضي التبضع بحكم ضرورة أخد “بروك الموسم”؛ وهي عبارة عن هدايا ومقتنيات يتم إهداؤها للذين لم يتمكنوا من زيارة الموسم.