متسارعا بشكل طفيف خلال الفصل الثاني من العام الجاري، من المنتظر أن يحقق النمو الاقتصادي الوطني نسبة 0,9 في المائة عوض 0,3 في المائة التي سجلها خلال الفصل السابق؛ ذلك أبرز ما خلصت إليه أحدث الأرقام والمعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط في “موجز للظرفية الاقتصادية” تضمن أيضا التوقعات الخاصة بالفصل الثالث من 2022.
وعزت المندوبية هذا التحسن، أساسا، إلى “ارتفاع القيمة المضافة للأنشطة غير الفلاحية بنسبة 3,6 في المائة، موازاة مع استمرار تراجع الأنشطة الفلاحية بنسبة 16,1 في المائة”؛ مُرجحة أن تحقق القيمة المضافة غير الفلاحية نموا بـ2,9 في المائة خلال الفصل الثالث من السنة الحالية، بينما ستشهد الأنشطة الفلاحية انكماشا بـ14,1 في المائة.
وحسب المعطيات ذاتها، وللفصل الثالث على التوالي، استمر المنحى التصاعدي لأسعار الاستهلاك خلال الفصل الثاني من 2022 بوتيرة أعلى بكثير من 2 في المائة؛ حيث “ستعرف الأسعار ارتفاعا بـ6,3 في المائة عوض +4 في المائة خلال الفصل السابق و1,6 في المائة خلال الفترة نفسها من 2021، بسبب ما قدرته أرقام المندوبية في “زيادة أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية بحوالي 9,5 في المائة و4,1 في المائة على التوالي”.
ويُعزى تطور أسعار المواد الغذائية إلى “استمرار ارتفاع نمو معدل التضخم المستورد على المنتجات غير الطازجة، التي من المتوقع أن تساهم بـ3,3 نقاط في نمو الأسعار خلال الفصل الثاني من 2022”. كما ينتظر أن ترتفع أسعار المنتجات الطازجة في ظل تصاعد الأسعار العالمية للمواد الخام الفلاحية، خصوصا الحبوب والزيوت النباتية وكذا أثمان لحوم الدواجن والألبان ومنتجاتها.
وفي وقت يشهد فيه النشاط الاقتصادي العالمي “تعافيا متباطئا”، توقعت معطيات الـHCP أن يحقق الاقتصاد المغربي نموا بنسبة 0,8 في المائة خلال الفصل الثالث من 2022 مقابل 8,7 في المائة خلال الفترة نفسها من 2021. في حين ستستمر الفاتورة الطاقية للمملكة في الارتفاع مع “زيادة بأكثر من الضعف”، لترفع بذلك قيمة الواردات بـ48 في المائة خلال الفترة ذاتها، بسبب ارتفاع الأسعار عند الاستيراد وخاصة أسعار المنتجات الطاقية.
وحقق الطلب العالمي الموجه إلى المغرب زيادة تقدر بـ2,6 في المائة، حسب التغير السنوي، بعد ارتفاعه بـ3,3 في المائة خلال الفصل السابق، في ظل مواصلة معدلات التضخم على المستوى العالمي ارتفاعها خلال الفصل الثاني 2022، بسبب ارتفاع أسعار المواد الطاقية والغذائية، وتباطؤ المبادلات التجارية العالمية.
انتعاش المبادلات الخارجية
المبادلات الخارجية للمملكة، بدورها، ستشهد انتعاشة رغم تصاعد الأسعار العالمية، إذ ترى مندوبية التخطيط أن حجم الصادرات والواردات من السلع والخدمات سيزيد بـ6,9 في المائة و7,3 في المائة على التوالي، خلال الفصل الثاني من 2022. هذا التنامي يعكس، حسب المصدر ذاته، “تحسنا ملموسا في صادرات الفوسفاط ومشتقاته، ولا سيما الأسمدة الطبيعية والكيميائية، في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الفوسفاط عالميا”.
مقابل ذلك، ستستفيد المبيعات الخارجية من تحسن صادرات قطاعَي السيارات والطائرات، وبدرجة أقل، صادرات الصناعات الكهربائية والإلكترونية. كما ستعرف المبيعات الخارجية لصناعة النسيج -خصوصا الملابس الجاهزة والأحذية- “توجها نحو الارتفاع مستفيدة من انتعاش طلب الشركات الأوروبية والمحلية”.
طلب داخلي متباطئ
وسجلت معطيات موجز الظرفية أن الاستهلاك النهائي ظل “متواضعا” خلال الفصل الثاني من 2022، في ظل استمرار ارتفاع أسعار الاستهلاك وانخفاض الدخل في المناطق القروية، مرجحة أن يشهد حجم نفقات الأسر الموجهة نحو الاستهلاك “تباطؤا مهما”.
وحسب المصدر ذاته، سترتفع النفقات الخاصة بالصحة والاتصالات؛ في حين ستعرف النفقات الموجهة نحو المواد المصنعة، لا سيما المستوردة، “تراجعا ملموسا”. في المقابل، سُجل حفاظ الاستهلاك العمومي على “ديناميته”، بزيادة 5,9 في المائة، موازاة مع ارتفاع نفقات التسيير. بينما يواصل الاستثمار تراجعه خلال الفصل الثاني من 2022، بـ1,3 في المائة حسب التغير السنوي.
الفلاحة “أكبر المتضررين”
حقق نمو القطاع الفلاحي تراجعا بنسبة تقدر بـناقص 16,1 في المائة خلال الفصل الثاني من 2022، بسبب ما عزاه موجز الظرفية إلى “تقلص إنتاج المحاصيل الزراعية بنسبة تقدر بناقص 17,1 في المائة في ظل ضعف التساقطات المطرية التي سجلت نهاية ماي 2022 عجزا يقدر بـ32 في المائة مقارنة مع الفترة نفسِها من سنة عادية”. كما أن انخفاض معدل ملء السدود ساهم في “تراجع مردودية المحاصيل الربيعية خاصة البذور الوردية، بينما ستشهد صادرات البطيخ انخفاضا بأكثر من 30 في المائة”.
وعلى الرغم من ضعف المراعي وزيادة أسعار علف الماشية، فإن نشاط القطاع الحيواني حقق ارتفاعا بـ2 في المائة خلال الفصل الثاني، مدعوما بتحسن إنتاج قطاع الدواجن بعد عامين من ضعف الإنتاج.
وخلصت توقعات المندوبية إلى أن آفاق الاقتصاد العالمي تبدو “مَشُوبة بعدم اليقين الكبير” خلال الفصل الثالث من السنة الجارية، إذ يرتبط أداؤه بـ”تطور معدلات التضخم وبالتوترات الجيوسياسية في أوكرانيا وبتطور الوضع الصحي وبتأثير تشديد السياسات النقدية على الاستثمار والاستهلاك”.