بكسور وجروح وإصابات في مختلف أنحاء الجسد، لا يزال عشرة مهاجرين غير نظاميين يتحدرون من السودان، راقدين في المستشفى الإقليمي الحسني بالناظور، اثنان منهم في غرفة العناية المركزة؛ وذلك بعد عملية الاقتحام الجماعي لمئات المهاجرين المتحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء للسياج الحدودي الفاصل بين بلدة بني أنصار ومليلية المحتلة، الجمعة الماضي.
وخلفت أحداث “الجمعة الدامية”، كما وصفتها وسائل إعلام مغربية وأجنبية، 23 وفاة في صفوف المهاجرين غير النظاميين، وفق آخر حصيلة للسلطات المحلية، إلى جانب المئات من المصابين في صفوف القوات العمومية المغربية والمقتحمين.
وأشارت المعطيات المتوفرة لدى هسبريس إلى أن مستشفى الحسني بالناظور استقبل، خلال يوم الواقعة، 140 من القوات العمومية، حيث تمت رعاية 12 عنصرا بمصالح المستشفى، استدعى 35 منهم التدخل بالجبارة، بينما غادر 39 منهم بعدما تمت معالجة إصاباتهم الطفيفة.
وفي صفوف المقتحمين، استقبل المستشفى نفسه 76 حالة، 5 منهم وصلوا جثثا هامدة، فيما 27 منهم في حالة حرجة، قبل وفاة 13 منهم على الرغم من محاولة إنعاشهم في اليوم نفسه، فيما توفي 5 آخرين في الساعات الأولى من اليوم الموالي (السبت)، على الرغم من استشفائهم بقسم الإنعاش، بينما استدعى نقل 5 آخرين صوب المستشفى الجامعي بوجدة.
في هذا المستشفى، يرقد إسماعيل، المهاجر غير النظامي الذي دخل المغرب عبر الحدود الجزائرية في ماي الماضي، وقضى حوالي شهر في مدينة وجدة ثم الدار البيضاء قبل أن يقرر العودة إلى إحدى الغابات المحاذية لمليلية، حيث قضى بها 21 يوما، قبل أن ينفذ رفقة المئات محاولة اقتحام السياج الحديدي الجمعة الماضية.
“ربنا أراد الحدث هذا” قال إسماعيل، في وصفه لهسبريس واقعة الاقتحام، مبرزا أن المهاجرين دخلوا في حوالي الخامسة صباحا في اشتباك بالحجارة مع القوات العمومية المغربية، مشيرا إلى أنه كان هناك فعلا من يحمل عصي أو أسلحة بيضاء عبارة عن سكاكين تستعمل في الغالب في أغراض الطبخ في مخيماتهم؛ “لكنهم لم يكونوا يرغبون في استخدامها ضد القوات المغربية، بل ضد الإسبان لأنهم يستعملون بخاخات الغاز المسيل للدموع”.
وأضاف المهاجر غير النظامي ذاته: “إحنا لما كانوا يضربوا قنابل المسيلة للدموع كنا نهرب منهم.. الكثير كان عندهم عصاية لو كنا عايزين نضربهم كنا ضربناهم”، وأكد أنه بعد عبور السياج الحديدي الأول وجدوا أنفسهم أمام بوابة أخرى حاولوا كسرها، لكن مجموعة وصفها بـ”يعني كمية ما شاء الله”، سقطت بعد محاولتها القفز من فوق السياج، مشيرا إلى أن كثيرين أصيبوا خلالها إصابات بالغة، إلى جانب إصابة آخرين في التدخل الأمني.
وعن اختيار الصباح بدل الليل لتنفيذ محاولة الاقتحام، قال إسماعيل إنه في وضح النهار تكون جميع المشاهد واضحة للعيان ويعرف الجميع أن هذا الهجوم يتعلق بمحاولة اقتحام للمهاجرين، حتى لا يتم اتهامنا بالاعتداء على أشخاص أو ممتلكات أو حمل آلة حادة أو شيء من هذا القبيل، كما أن ضوء النهار يسمح للعامة بمتابعة وتصوير الوقائع و”إن كان فيه ضرب أو في حاجة الناس بتعاين”، أورد المهاجر السوداني.
ويصر إسماعيل على أنهم مهاجرون “جئنا من أجل هدف، من أجل تحقيق أحلامنا، يعني أي فرد منا تمكن من تحقيق حلمه، سيستطيع مساعدة أهله، فأنا مثلا عندي 11 نفرا في البيت، نعاني من مشاكل في السودان سياسية واقتصادية، نحن الآن ليس لدينا رئيس في البلاد، وإن كنت زول ثورجي (ناشط في الثورة)، ستكون مراقب ويمكن أن يلقوا القبض عليك ويحبسوك لسنوات”.
أما يوسف، أحد الراقدين في المستشفى عينه، فأصر، في حديثه إلى هسبريس، على براءة المهاجرين من استخدام العصي والأسلحة البيضاء في مواجهة القوات العمومية المغربية.
وناشد المهاجر غير النظامي في الوقت ذاته الملك محمدا السادس للتدخل من أجل إيجاد حل لمشاكلهم في المغرب، مشيرا إلى أنهم قرروا اللجوء إلى الغابة لعدم التضييق على الساكنة في مدينة الناظور؛ لكن على الرغم من ذلك يتم بين الفينة والأخرى طردهم من مخيماتهم.
بينما ناشد فايز، زميل يوسف في الغرفة ذاتها، السلطات المغربية بإشراكه وباقي زملائه في التعرف على أسماء المهاجرين الذين قضوا خلال الأحداث ذاتها، من أجل التوصل إلى عائلاتهم قبل مباشرة عملية الدفن.
في المقابل، وصف محمد مستعملي الأسلحة البيضاء والعصي خلال محاولة الاقتحام، الجمعة الماضية، بـ”الخوارج”، مشيرا إلى أن الكثير من المهاجرين يشددون على ضرورة نهج السلمية في عمليات اقتحامهم؛ “لكن كان هناك انفلاتات كثيرة بسبب أنانية بعض المهاجرين، وكل واحد كان يفكر في نفسه على حساب إخوانه”
وأضاف، في حديثه إلى هسبريس: “اتفقنا على السلمية؛ لكن البعض خالف هذا الاتفاق، وتفاجأنا بحمل بعضهم للعصي والأسلحة البيضاء”.
وبشأن إصابته بكسر مزدوج في كلا قدميه، قال محمد إنه اختار مرافقة بعض المهاجرين باعتبارهم “قدماء في الجبل ويعرفون المسالك جيدا نحو السياج؛ لكن بعد وصولنا إلى البوابة، تفاجأنا بدخولنا إلى قسم شرطة، ما اضطرنا إلى محاولة الهرب عبر تسلق السياج وتراكمنا فوق بعضنا البعض، لكن ما حصل بعد ذلك لم أعد أتذكره”.