بيانات حديثة للمندوبية السامية للتخطيط كشفت استمرار المنحى التصاعدي للمؤشر الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك، وكذا لمعدل التضخم على أساس شهري وسنوي، تزامنت تقريبا مع معطيات تقرير أممي للغذاء أكدت استقرار متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” لأسعار الغذاء العالمية عند 140.9 نقط متم يوليوز المنصرم، بانخفاض بلغ 13.3 نقط، مسجلا بذلك الانخفاض الشهري الرابع على التوالي، حسب تقرير صدر مؤخرا عن الـ”فاو”.
أما في المغرب، فإن معطيات المندوبية السامية للتخطيط أظهرت ارتفاع الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك بـ0,9 في المائة بسبب زيادة الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية بـ1,6 في المائة؛ في حين شهد مؤشر التضخم الأساسي من جهته قفزة بـ5 في المائة خلال شهر، وبـ5,6 في المائة خلال سنة.
يأتي هذا بعد ارتفاع قياسي لمعدل التضخم في المغرب في يونيو 2022 بـ7,2 في المائة، وفي ماي بنحو 5,9 في المائة، مستكملا مسارا تصاعديا عقب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي؛ تؤكد المعطيات الرسمية ذاتها.
وأوضح تقرير الـ”فاو” أن الانخفاض الذي سُجل يوليوز هو “أكبر نسبة انخفاض شهري في قيمة المؤشر الغذائي عالميا منذ أكتوبر 2008″، مدفوعا بانخفاض كبير في متوسط مؤشرات الزيوت النباتية والحبوب باختلاف أنواعها؛ في حين تراجعت أيضا مؤشرات السكر ومنتجات الألبان واللحوم، وإنْ بدرجة أقل.
عوامل استمرار التضخم
تعليقا على الموضوع، قال محمد جدري، الباحث المتخصص في الاقتصاد، إنه “من الصحيح أن مجموعة من المواد الغذائية عرفت تراجعا على المستوى العالمي؛ لكن استمرار ارتفاع موجة التضخم في المغرب مَرده إلى عامِلين مُهميْن”.
العامل الأول، حسب جدري ضمن إفادته لجريدة هسبريس، يتمثل في “الارتفاع المتواصل في أسعار النقل والشحن واللوجيستيك”؛ وهو ما اعتبره عاملا حاسما في رفع سعر توريد المواد من بلدان بعيدة، كالصين وأوكرانيا والولايات المتحدة مثلا.
كما توقف الخبير الاقتصادي ذاته عند إشكالية “تعدد الوسطاء والمضاربين في سلاسل التوريد والتوزيع؛ فعلى سبيل المثال، يوجد بين المنتِج الأصلي والمستهلك النهائي مجموعة من الوسطاء والمضاربين، وهو ما يرفع من أسعار أغلب المنتوجات الغذائية خصوصا والاستهلاكية بشكل عام”.
وخلُص جدري إلى أن الحد من ارتفاع تكاليف التوصيل والشحن يظل مرهونا بـ”سياق اقتصادي دولي أكثر منه وطني”، بينما تعدد الوسطاء والمضاربات شكلت محاربتُه “محط دعوة ملكية في خطابات سابقة”، خاتما: “هم فئة يستغلون الأزمات لمُراكمة الثروات”.
في انتظار الانعكاس
وجه وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، انتقادات حادة إلى الحكومة والبرلمان، قائلا إن دورَهما يظل “غائبا عن نقاش تضرر القدرة الشرائية للمواطن المغربي”، معتبرا أنها تشهد “تقزيما متواصلا منذ أشهر”؛ إلا أن “الفاعل الحكومي بمختلف القطاعات المعنية لا يتعامل مع القدرة الشرائية للمستهلكين بالاهتمام والجدية اللازمتيْن”.
وتابع مديح في تصريح لجريدة هسبريس بالقول إن “ما تحدث عنه تقرير مؤشر الغذاء العالمي الأخير يظل مقتصرا ربما على بعض الدول وبعض المواد الغذائية في سياق زمني متقدم على الأرقام التي أوردتها المندوبية السامية التخطيط برسم شهريْ يونيو ويوليوز المنصرمَين”، متوقعا، تبعا لذلك، أن تشهد “أسعار بعض المواد الغذائية بالمغرب انعكاسا للانخفاض العالمي الملحوظ”، قبل أن يستدرك بأن “ثمن المحروقات الذي انخفض طفيفا لا يزال مؤثرا بقدر كبير في ثمن توصيل المواد وتوزيعها على الرغم من خفض ثمنها عموما”.
الفاعل الجمعوي الناشط في إحدى أبرز جمعيات حماية المستهلك بالمغرب حمّل جزءا من المسؤولية إلى ما وصفه بـ”عدم وعي المستهلك المغربي بحقوقه وبضرورة الدفاع عنها”، لافتا إلى أن “المواطن يظل مسكونا بهَم كيف يوفر مصاريف المعيشة التي تتخبط في ارتفاعها فئات مجتمعية عديدة”.
وعن مسؤولية الإطار الجمعوي الذي ينتمي إليه في المرافعة عن مطلب خفض الأسعار، أوضح مديح لهسبريس أن “مراسلات متعددة ومتوالية تم توجيهها منذ أبريل 2021 إلى الجهات المعنية والمختصة؛ إلا أنها قوبلت باللامبالاة والإهمال”، وزاد: “للأسف، ماكيْنْشْ تجاوُب”، خاتما: “دور نواب الأمة في البرلمان يظل هو الآخر محتشما”، لا سيما حين تزامنت ارتفاع الأسعار صيفا مع نهاية الدورة التشريعية.